صبَّارة فلسطين : “لطيفة أبو حميد” أم لستة أسرى وشهيد

غزة (معراج) – صورة كبيرة جمعت فلذات أكبادها جميعًا، كانت أمام ناظري الفلسطينية “أم ناصر أبو حميد” في صدر البيت، هي ذاتها التي لقبت بـ”سنديانة فلسطين”، أو صبارتها.

كل صباح تمسك “أبو حميد” الصورة تلك، تمسح على رؤوس أبنائها فيها، تخاطبهم، تحدثهم كما لو أنهم في جلسة عائلية دافئة، لكن دمعة لم تغفُ يومًا تيقظها على واقع الغياب الذي يعصف بقلبها.

السبعينية أمّ ناصر أبو حميد هي أم لستة أسرى يحكمون ما بين مؤبد وإداري وأحدهم موقوف حتى اللحظة، وأم لشهيد أيضًا الذي لقب بـ”صائد الشاباك”، تقول “أبو حميد” دومًا: “حسابنا مع الاحتلال لم ينته”.

ثلاثة وثلاثون عامًا والسبعينية “أبو حميد” تتنقل بين سجون الاحتلال، وذلك منذ أسر ابنها البكر “ناصر” ولم يكن يومها يتعدى ال13 عامًا، لتبدأ رحلة قاسية في حياتها.

اقرأ أيضا  الزهار: سنكرر تجربة غزة في الضفة لتحرير فلسطين

أم الأسير غدت حين أُسر ابنها “ناصر”، ليعتقل الاحتلال بعدها أبناءها واحدًا تلو الآخر، ثم تحرر “ناصر” وعاد للمقاومة فطاردوه حتى استشهد، لتصبح أم الشهيد أيضًا.

ماذا تتمنى “أم ناصر”؟ سؤال الجميع لها بعد رحلة المعاناة التي عاشتها لتجيب: “أتمنى أن يكون كل بيت فلسطيني كأبنائي مقاومين ولم ولن يتراجعوا عن هدفهم حتى تحرير هذه الأرض التي دفعوا ثمنها من أعمارهم ودمائهم”.

لم يكتف الاحتلال بعنجهيته من أسر أبنائها، وحرمان أطفالهم من كلمة “بابا”، بل زاد من وحشيته بحرمانها من زيارتهم إلا في أوقات متباعدة لمدة دقائق، رغم ارتفاع محكومياتهم وتقدم عمرها.

في كل خيمة إضراب تكون “أم ناصر” حاضرة بصمودها، تقوي أمهات الأسرى، ترتب على أكتافهن رغم حاجتها لذلك، إلا أنها باتت أيقونة لبث الصمود في قلوبهن.

اقرأ أيضا  الجهاد الإسلامي: متمسكون بالمقاومة ولا نعترف بخيارات التسوية الهزيلة التي ضيعت فلسطين والقدس

في مخيم الأمعري وسط رام الله  تقطن “أم ناصر” منتظرة أن تلتقط صورة مع أبنائها يوم تحريرهم أمام بيتها، ذلك البيت الذي لطالما استفز الاحتلال فهدمه.

“هما بيهدموا البيت واحنا نبني” كانت هذه هي العبارة التي قالتها “أم ناصر” بعد أن هدم الاحتلال بيتها في ديسمبر الماضي للمرة الثالثة، حين وقفت يومها بل رباط جأش وقالت “لن أستسلم”.

لم تكن العبارة الأولى لها، بل هي نفسها التي قال عنها الشهيد “باسل الأعرج” أنه عندما سجن أبناؤها اتصلوا بها وهم في التحقيق حتى يدمروا نفسيتها ونفسية أبنائها، فجعلوا أحدهم يهاتفها.

يومها توقع المحققون أن يسمعون لوعة الأم على هيئة بكاء وصراخ، لكن الذي حدث كما يقول “باسل”: “ما قالته أم ناصر لابنها.. يما هادي مواقع الرجال إذا فتحت ثمك ترجعش ع الدار , طلعت زلمة بترجع زلمة”.

اقرأ أيضا  الإعتداء الأول على غزة منذ إتفاق التهدئة

أيقونة الإلهام أصبحت السبعينية “أم ناصر”، حيث رسمها الفنانون برموز كثيرة، فبعضهم رسم وجهها وحولها شجر “الصبار”، وبعضهم رسمها ترتدي الكوفية الفلسطينية وكأنها جبل صامد أمام الاحتلال.

رسام الكاريكاتير “محمد سباعنة” رسم وجه “أم ناصر” بتجاعيده، وأسدل حجابها كخيمة تضم أطفالًا يحملون مفتاح العودة وبجانبها جرافة في طريقها لهدمها، وكتب عليها: “خيمتنا الأخيرة”، رامزًا بذلك إلى أنها ملجؤنا الأخير.

وكالة معراج للأنباء

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.