أكاديمي مغربي يستقصي أسباب تغير المعتقد الديني بشمال إفريقيا‎

الأحد  29 محرم 1438 الموافق 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

الرباط

اعتبر الأكاديمي والباحث المغربي، عياد أبلال، أن تغيير بعض الأشخاص لمعتقداتهم الدينية في العالم العربي مرتبط بعدة أسباب في مقدمتها الغلو في الدين والاضطهاد، والبيئة الأسرية المحيطة ومدى الاندماج في الوسط الاجتماعي والتكيف مع قيم وأخلاق المجتمع.

جاء ذلك في حوار مطول مع “الأناضول” تناول خلاله دراسته الأخيرة الذي نال عليها درجة الدكتوراه، وتضمنت البحث في إشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي، وبصفة خاصة في شمال افريقيا، بهدف الإجابة عن أسئلة الهوية الدينية.

وقال أبلال إن دراسته توصلت إلى أن سن المراهقة مرحلة حساسة جدا فيما يتعلق بتغيير المعتقد الديني حيث تكون لصورة الأب ومكانته قيمياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً، دور مهم في ذلك.

وأضاف أنه أجرى بحثه على أربع دول عربية، جاءت خلالها مصر على رأس الدول الأكثر تشددا تجاه تغيير المعتقد الديني، تليها الجزائر والمغرب وتونس.

وأشار الأكاديمي المغربي إلى أن وسائل الإعلام والمواقع الافتراضية وعلى رأسها “فيسبوك” تلعب دورا رئيسيا في استقطاب المتحول لتغيير معتقده الديني.

وفيما يلي نص الحوار:

* ما هي أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها في دراستك بشأن تغيير المعتقد الديني بالعالم العربي؟

** قادتنا هذه الأطروحة إلى استخلاص أن تغيير المعتقد الديني مرتبط أشد ما يكون بأزمة يمر بها المتحول، وتوجهه إلى تبني معتقد ديني آخر يلبي رغبته ومتطلباته.

فعلى مستوى تغيير المعتقد الديني من الإسلام إلى المسيحية، فإننا وجدنا أن هذه الأزمة مرتبطة بثلاث مستويات تحليلية: أزمة صورة الأب ونظرة المتحول المفترض للأسرة، وأزمة الاندماج في الوسط الاجتماعي، وهو ما عبرنا عنه بأزمة النسق الاجتماعي، وأزمة التكيف مع قيم وأخلاق المجتمع، وهو ما عبرنا عنه بأزمة نسق الثقافة.

حدوث أي أزمة قد تدفع المتحول للبحث عن مسارات ومسالك دلالية تمنحه التوازن العاطفي الذي اختل بفضل فشل نسق الثقافة والنسق الاجتماعي في مد شخصيته بالمتطلبات الضرورية للأداء الوظيفي الجيد الذي يضمن التوازن والاستقرار لهويته الدينية، مما يجعل البحث محفوفاً بمخاطر التيه واللا جدوى التي لا تختفي إلا بعد مرور زمن.

وهنا وجدنا أن التنصير (الانتقال إلى المسيحية) عبر حلقة الأصدقاء يشكل المسلك الأهم لتغيير المعتقد، على اعتبار أن الظاهرة باتت مرتبطة بقانون العرض والطلب، بتوفر أنساق ثقافية بديلة تغذي نسق الشخصية.

وهو ما انتبهت إليه المنظمات والمؤسسات التنصيرية، إذ يتم الاعتماد على التنصير عن طريق الأهالي أنفسهم، ولكن دون فك الارتباط مع هذه الأخيرة، إذ اتضح لنا من خلال التعميد كمرحلة عبور نحو المسيحية، أهمية الحضور المكثف للمنصرين (من أوروبا أو أمريكا) لمباركته باعتباره قلباً للهوية الدينية واكتساباً لمعتقد جديد يتعزز بمساعدات ودعم مالي وتأطير واحتضان عاطفي.

اقرأ أيضا  التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

وإذا كانت استراتيجيات التنصير تشتد أكثر فأكثر في الجزائر، تونس، المغرب، وتقل نسبتها في مصر، فإنها لا تنفصل عن الاستراتيجية الكبرى المتمثلة في صناعة أقليات مسيحية.

وهنا خلصنا إلى أن الجزائر تعد النموذج- المثال لصناعة الأقليات الدينية، حيث بلغت الأقلية المسيحية بمنطقة القبايل (منطقة جبلية شمال شرق) حد المطالبة العلنية بالاستقلال والانفصال، ناهيك عن خروج الأقلية الشيعية الأباضية من السر إلى العلن في ولاية غرداية (جنوب).

ويتم تدعيم التنصير عبر الأصدقاء والأهالي من خلال عدد من وسائل الاتصال الجماهيرية، من السند الورقي (الكتب والمجلات) إلى السند الرقمي عبر الإنترنت، وهو ما يخلق لدى المتحول المفترض القابلية الأولية لاستقبال المعتقد الجديد.

وتقوم المواقع الافتراضية، في إطار تكامل آليات ووسائل التنصير، بتدعيم الوظيفة التي تقوم بها القنوات الفضائية ببرامجها المتنوعة، خاصة شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الذي يعد رائداً في عدد الصفحات التنصيرية التي لم تكتف بالتواصل التفاعلي والحي مع الجمهور، بل بتحميل عدد من البرامج والشهادات والاعترافات بالصوت والصورة على شكل مقاطع فيديو.

ويكفي كتابة كنيسة أو متنصر أو مسيحيون جدد أو عابرون إلى المسيحية في أيقونة البحث على “فيسبوك” حتى تجد أمامك عشرات الصفحات لمجموعات مغلقة وأخرى مفتوحة تضم المئات من الأعضاء، وهو نفس الشيء عند كتابة كلمة أقليات مسيحية كمفتاح للبحث حيث تجد عشرات أخرى من الصفحات ذات الصلة بتغيير المعتقد الديني من الإسلام إلى المسيحية.

وذلك دون أن ننسى برامج لمتنصرين عرب توجه للعالم العربي تحديداً من قبيل برنامج “سؤال جريء” الذي يعده ويقدمه المتنصر المغربي رشيد لحمامي المعروف بـ “الأخ رشيد”، والذي تبثه قناة الحياة، وبرنامج ممنوع الذي يعده ويقدمه المتنصر التونسي “عماد دبور”، وتبثه قناة “سات7”.. إلخ.

* ما هي المرحلة العمرية التي يتم فيها عادة تغيير المعتقد الديني؟

** توصلت في الدراسة إلى أن المراهقة هي المرحلة الحرجة لتغيير المعتقد الديني، إذ تعتبر مرحلة جدا حساسة فيما يخص توتر الهوية وصورة الأب وتمثله قيمياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً.

فمعظم الذين عبروا لنا عن طفولة جريحة، واضطرابات عاطفية تجاه الأب، وبداية انسحابهم الوجداني من الأسرة والمرتبط بطرح أسئلة وجودية تشمل التساؤل على قدرة الله على خلق التوازن النفسي والعاطفي، وتلبية رغباتهم البريئة في فترة الريعان والإحساس بالاكتمال الرجولي، وجدوا في مرحلة بناء الشخصية هذه مرحلة بداية تغيير المعتقد نحو المسيحية أو التشيع، أو الإلحاد.

اقرأ أيضا  اشتباكات طائفية جنوب القاهرة

والمرور بطفولة ومراهقة منسجمة أو حتى ناجحة ليس كافياً كي يمنع التحول ديني، فهناك أزمات ناتجة عن الاضطهاد الديني، والغلو في الدين، والتعذيب، قد تؤدي إلى تغيير المعتقد الديني حسب مسارات الأفراد، وقدرتهم على التكيف مع الأزمة والخروج منها.

وفي سياق تغيير المذهب الديني من الإسلام السني إلى الإسلام الشيعي الاثني عشري، باعتباره نموذجاً للتحول المذهبي، بالرغم مما يثيره من حساسيات سياسية المظهر والجوهر في الآن نفسه، تفوق باقي أشكال تغيير المعتقد (التنصير والإلحاد)، خلصنا إلى أن التشيع باختلاف ألوانه لا يعدو في العمق عن كونه خطابا سياسيا تم تأسيسه على قاعدة الإخفاق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

لكن السؤال الماثل دوماً في سياق الانحياز نحو خطاب التشيع الديني بدل الانحياز إلى خطاب العلمانية أو خطاب الإلحاد مثلاً، فقد وجدنا تفسيره في كون المتشيعين ينتمون عادة إلى الطبقات المتوسطة التي تتميز بفكر حركي وتوقد نقدي من جهة، وتمسكها بالقيم الدينية من جهة أخرى.

* ما هي الأسباب التي تدفع إلى تغيير المعتقد في الدول العربية الإسلامية؟

** إجمالا يمكن تلخيص أسباب ومسالك تغيير المعتقد الديني في حدوث أزمة تختلف تجلياتها وأسبابها من سياق تجربة إلى أخرى، بيد أنه يمكن استخلاص فئتين من تغيير المعتقد، الأولى حيث منشأ الأزمة اجتماعية والتي تمتد إلى مرحلة الطفولة والمراهقة، باعتبارهما مرحلتين ذات حساسية مفرطة في سياق الهوية الدينية للمتحول المفترض.

وهي أزمة تنشأ عادة عن غياب الأب من جهة، أو حضوره السلبي، مما يجعل المتحول المفترض يسعى وفق ميكانيزمات سيكولوجية إلى قتل الإله رمزياً بقتل أبيه عاطفياً ووجدانياً، كما هو الحال بالنسبة إلى الإلحاد أو من خلال تغييره بأب أو إله آخر في حالة التنصير.

ويتم بذلك تغيير واستبدال الرموز الدينية من قبيل النبي محمد(ص) والقرآن وكتب السنة، برموز أخرى إنسانية لا دينية في حالة الإلحاد، إذ يتخذ العلم، العقل، العلمانية صبغة رمزية تأسيسية، أو يتم استبدال الرموز الإسلامية بأخرى مسيحية من قبيل المسيح عيسى (عليه السلام)، الإنجيل، الرب…إلخ.

اقرأ أيضا  الفلسطينيون ينددون بتصويت الليكود الإسرائيلي على مشروع لضم الضفة الغربية

أما الفئة الثانية، فهي نسبياً مختلفة فيما يخص موارد ومرجعيات الأزمة الناشئة والمحدثة لمرحلة الشك التي قد تقود إلى تغيير المعتقد الديني، فهي تتميز بطول مرحلتي الشك والبحث عن اليقين، وتجد في الفكر العلمي والمنطق الرياضي المادي والتفكير النقدي مجالها الخصب لمحاولة فهم واقع التخلف العربي (في حالة الإلحاد)، حيث هذا التخلف ثقافي في وقت اشتد التحجر الديني والجمود الفكري في سياق المحافظة على الواقع كما هو.

* أي من البلدان التي اتخذتها كنموذج لأطروحتك أكثر تشددا في التحول الديني؟

** تلتقي البلدان الأربع (المغرب، الجزائر، تونس ومصر) التي اشتغلت عليها في المقاربة الأمنية للمجال الديني وسياسة التدين، بالرغم من وجود الاختلافات الثقافية والسياسية، ولذلك يصعب خلق تصنيف لمدى تشدد المقاربة الأمنية، لكن عموماً تأتي مصر، الجزائر، المغرب، تونس على التوالي في الدول الأكثر تشددا على الحريات الدينية وتحديدا تغيير المعتقد الديني.

فمصر ترتبط كل أوراق ثبوت الهوية فيها بإثبات الديانة، ولذلك ففي ظل منع التحول الديني من الإسلام إلى الأديان الأخرى، فإن الجهر بالتحول يعتبر خطراً قد يهدد سلامة المتحول الجسدية والاجتماعية، ولذلك فمن الصعب جدا الإقدام على تغيير المعتقد أو الجهر به، خاصة في ظل قمع الحريات الدينية وعدم الاعتراف بحرية المعتقد.

يشار إلى أن عياد أبلال، شاعر وباحث مغربي في علم الاجتماع والأنثربولوجيا الثقافية، سبق له أن حصل على دكتوراه الدولة عام 2010 في أنثربولوجيا الأدب من جامعة سيدي محمد بن عبد الله المغربية.

وفي شهر يوليو/ تموز الماضي حصل على دكتوراه الدولة الثانية من جامعة محمد الخامس بالرباط، حول موضوع “إشكالية تغيير المعتقد والأقليات الدينية بالعالم العربي: المغرب، الجزائر، تونس، ومصر نموذجاً”.

وصدرت له مجموعة من الأعمال، من بينها: “الإخفاق الاجتماعي بين الجنس، الدين والجريمة” عام 2011، و”القصة القصيرة بين التأويل والتجريب” (كتاب جماعي) عام 2010، و”مستقبل العالم القروي، التنمية الاقتصادية والحركية الاجتماعية” (كتاب جماعي باللغة الفرنسية) عام 2008، و”تراتيل البداية” (ديوان شعر) 2003.

المصدر: الأناضول

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.