أهمية حديث: (بلغوا عني ولو آية)

الأربعاء 18 ذو القعدة 1436//2 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد عبدالعزيز الفقيه الغامدي
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرَج، ومَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار))؛ رواه البخاري.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكذبوا عليَّ؛ فإنه من كذب عليَّ يَلِج النار))؛ أخرجه البخاري ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبَيْنِ))؛ “الكاذبينِ”: الأول: الذي افتراه، والآخر: هذا الذي نشره أو بلَّغه لغيره، فظاهر هذا الخبر دالٌّ على أن كلَّ مَن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا وهو شاكٌّ فيه أصحيحٌ أو غير صحيح، يكون كأحد الكاذبين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب)) ولم يقل: يستيقن أنه كذب.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إنه ليَمنعُني أن أُحدِّثَكم حديثًا كثيرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تعمَّد عليَّ كذبًا، فليتبوَّأْ مقعده من النار))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

شبهة: قد يقول قائل: إني عندما نشرتُ هذه الأحاديث الضعيفة لم أكن متعمِّدًا، فلا يلحقُني إثم.

ويَردُّ على هذه الشبهة محدث العصر الألبانيُّ فيقول: فإنهم – أي: ناشري الأحاديث الضعيفة – وإن لم يتعمَّدوا الكذب مباشرة، فقد ارتكبوه تَبَعًا؛ لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها جميعها، وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعًا.

وقد أشار إلى هذا المعنى قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمع)).

في هذا الحديث زَجْرٌ للمرء أن يُحدِّثَ بكل ما سمع حتى يعلمَ علمَ اليقين صحتَه.
فهذا الحديث “بلغوا” أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو تبليغ منهج الله للعالم، وأن يكون التبليغُ وَفْقَ منهج الله.

“بلغوا” فعل أمر:
و”بلغوا”: فعل أمر؛ أي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نُبلِّغَ ولو آيةً واحدة، فعندما تُبلِّغُ ولو آية واحدة تصبح لديك الهمة العالية والطموح للفعل وللتعلُّم، فاستغل هذه البَذْرة لتكوين الطموح والهمة العالية في التعلُّم، فكلما فعلت أكثر تعلمت أكثر، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وكلما علَّمت غيرَك أكثر تعلمت أكثر.

اقرأ أيضا  توصية رمضان ١٤٣٨ ه

ولتعليم غيرك، وتطبيق كلمة “بلغوا” فوائد عديدة:
1- هي البَذْرة الأولى لتتعلم أن الأحدية لله، فعندما تبلِّغُ منهج الله تُبلِّغُه بصدق لتصديقك له، وبأنه فعلٌ يُحبُّه الله الأحد ورسوله لتصل بها إلى الطمأنينة؛ أي: إلى النفس المطمئنة، وتحقق بها كلمة لا إله إلا الله، وهي أفضل شيء تُبلِّغُه.

2- هي البَذْرة الأولى لتتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة حسنة، وأن تعمل مثلما عمل هو وأصحابه، والذين يلونهم ويتَّبعون منهج الله.

3- هي البَذْرة الأولى التي ينمو بها الطموح، والشرارة الأولى التي تجعله يعمل ويشتعل، ويستمر في النمو والطموح من احتياجات الإنسان الأولى لتكوين حلمه، وتحقيق أهدافه، فلماذا بعضنا لديه طموح، وبعضنا لديه بعض الطموح، وبعضنا لا طموح له ونحن مسلمون ومتساوون في كل شيء؟ فلا بد أن يكون لدينا نفس الطموح ما دمنا نتبع نفس المصدر، وهو منهج الله، فنحن نختلف تبعًا لاختلاف اتباعنا لمنهج الله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

4- هي البَذْرة الأولى لتتعلم كيف تتدبَّرُ في القرآن وفي الحديث وفي آيات الله ومخلوقاته وفي الحياة من خلال قوة الأسئلة التي تطرحها على غيرك، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، أو تطرحها على نفسك من خلال التحدث الذاتي الإيجابي، فعندما تُبلِّغُ تتعلم كيف تتدبر، وتتعلم كيف تُفكِّر وتتفكر، وكيف تعقل، وكيف تتذكَّر، وكيف تُعلِّم غيرك.

5- هي البَذْرة الأولى ليبدأ الشخص بالتعليم، والبَذْرة الأولى كي يتعلم كيف يُعلِّم، والبَذْرة الأولى لأن يُعلِّم غيره؛ لأنه محاسب عن علمه، وهل بلَّغه لغيره ليُعلِّمه الله علم ما لم يعلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟))، فلا بد أن تعمل بما علمت، وذلك عن طريق التبليغ وتعليم غيرك، فيُعلِّمك الله علم ما لم تعلم.

اقرأ أيضا  عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وبيان عدالتهم وخطر الطعن فيهم رضي الله عنهم.

6- هي البَذْرة الأولى لتُعلِّم غيرك لتصبح قدوة حسنة، أردت أم لم تُرد، علمت أم لم تعلم، سواء كنت متعلِّمًا أو أميًّا، وستنشأ لديك القدوة الحسنة، فالمتعلم والأمي سواء، وعندما ينظر إليك كقدوة حسنة ستزيد من تحسينك لأفعالك؛ لأن التعليم بالأفعال يفهم من قِبَل المتعلم والأمي بنفس الطريقة، فالقدوة الحسنة تتطلَّبُ منك أن تكون مُدرِّبًا ومعلمًا لغيرك، وأنت تستطيع فعل ذلك بسهولة؛ فالتدريب يتناول التصرفات والمهمات والأعمال، ومتعلق بالماضي، وبعبارة أخرى: الأمور التي قمت بها بصورة جيدة، فلتَقُم بالمزيد منها، وعندما تُدرِّبُ غيرك فإنك تستخدم ماضيك؛ أي: كل شيء تعرفه وتتذكَّرُه، وتطبيقُ المعارف الماضية الجيدة على أوضاع جديدة والتعليم يتناول الأفكار والمشاعر، ويتطلع للمستقبل والبناء على ما تعلمته، ولقبول التغيير.

7- هي البَذْرة الأولى لتبحث عن الأحاديث الصحيحة؛ حتى لا تكذبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

8- هي البَذْرة الأولى في إشعال الرغبة في فعل الفعل.

9- هي البَذْرة الأولى لكي يكون لديك حبُّ الاستطلاع عَبْر القراءة؛ فالقراءة تنمِّي مواهبَك، وتجعلك تحسن اختيار أفعالك؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وليتكوَّن لديك الطموح للتعلُّم ولتعليم غيرك.

10- هي البَذْرة الأولى التي تجعلك تقدم خدماتك لخدمة الإسلام ولأبويك ولأولادك وزوجك وإخوانك من دون شروط.

11- هي البَذْرة الأولى لتكوين القدوة الحسنة؛ أي: أن تُعلِّم غيرك؛ لتتعلم كيف تُكوِّن القدوة الحسنة لديك.

12- هي البَذْرة الأولى والأساس للتعلم من خلال الأفعال، فمن خلال هذه الكلمة “بلِّغوا” عندما تعلم غيرك تتعرف على القُوَى المحرِّكة للأفعال، وتتعرف على نفسك، وكيف تفعل الفعل، أي: كيف ستتصرف، وعلى ردود أفعالك كيف ستكون، فبتعليم غيرك تتعلم كيف تنشأ القُوى المحركة للأفعال؛ كالطموح، والإرادة، والصبر، والاستمرارية وغيرها؛ لتكتسبها وتستخدمها لصالحك، ولتبلغ منهج الله بتعليم غيرك هذه القوى المحركة للأفعال، وكيف يستخدمها من مرحلة مبكرة.

13- هي البَذْرة الأولى لتصل إلى الإنجاز وإتقان الأفعال والاستدامة على ذلك من خلال الاستمرارية في الطموح والرغبة.

14- هي البَذْرة الأولى لحفظ الوقت؛ فالطموح مرتبط بالوقت، ونحن نحاسب عنه، وكيف أفنَينا أعمارنا.

15- هي البَذْرة الأولى للمعاملة، فعندما تبلِّغ ولو آية ستَحْتَكُّ بغيرك من الناس، وستتعامل معهم، وتبدأ تعلم المعاملة.

اقرأ أيضا  الفصام .. بين المسلم وعباداته!

16- هي البَذْرة الأولى لرفع معدل الثقة لديك بأنك تستطيع أن تعلم، وأن تكون قدوة حسنة، وأن تعمل وتحسن الظن بالله لتزيد ثقتك.

17- هي البَذْرة الأولى لتتعلم معنى الحرية والاختيار؛ ليكون لك حقُّ الفعل أو عدمه، وعندما تعلم غيرك، أنت تعطيه كاملَ الحرية ليفعل أو لا يفعل، والاختيار بينهما، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ [البقرة: 272].

18- هي البَذْرة الأولى التي تعلمك كيف تضبط انفعالاتِك كلَّها، فضبط النفس يعلم الحكمة، فعندما تكون ردود أفعالك حكيمة تتعلم الحكمة.

19- هي البَذْرة الأولى لفهم الشخصيات، فبتعليم غيرك تكتسب طريقة تفكير جديدة من خلال تعلمك مما يحدث أمامك من أفعال، والبدء في فهم الشخصيات ولغة الجسد والمعاملة تشمل كل الأفعال؛ فتتعلم عن كل فعل أكثر من شيء، فأنت تتعلم معاني الأفعال، ومهارات الأفعال، وأهداف الأفعال، وآثار الأفعال، وآداب الأفعال، وردود الأفعال، وتتعلم فهمَ الشخصيات، ولغة الجسد والتعبيرات، وطريقة وأسلوب الاتصال بالآخرين، وكيف يُطبَّق السلوك الجديد، وكل ما تعلمته يُبنى على ما سبق، ويزيد، وتتعلم كيف تنشأ القوى المحركة للأفعال.

20- هي البَذْرة الأولى لتتعلم الربط بين الأشياء، والبحث عن السبب، وهذا يقودك إلى الربط بين المفاهيم – حتى لو كنت أميًّا – ومن خلال القوى المحركة للأفعال؛ كالطموح، والإرادة، والصبر والاستمرارية وغيرها – ستجد الكثير من القوى ترتبط بعضها ببعضٍ بشكل قوي، تزيد في قوتك الذاتية، وقوتك الذاتية تزيد في إرادتك، وإرادتك تزيد في قوى كثيرة؛ مثل الطموح، والحماسة، والفعل والصبر، والانضباط، واستمراريتك، وغيرها من القوى؛ فتتقوَّى أكثر وهكذا.

21- هي البَذْرة الأولى لتتعلم الحرية وقولَ ما تريد قولَه عندما ترى خطأ، أو تريد تعليم غيرك سلوكًا جديدًا وحسنًا.

إذا كان لديك إضافات اكتبها في ردك علينا؛ لنستفيد ويستفيد غيرنا.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.