التجمل والمرأة

22

الجمعة 20 ذو القعدة 1436//4 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
عبدالمجيد علي
كان بودِّي أن أَكتب في موضوع جديد أو أُلمَّ بمعنًى آخَر، في موضوع ليس له اتصال بالمرأة، ولا يمسُّها مسًّا ولو رفيقًا، ولكن لمَ لا أكتب عن المرأة وفي حياة المرأة جهات متعدِّدة، ونزَعات مُتباينة، وتفكير مُضطرب كأمواج البحار يدفع بعضُها بعضًا، يكتب عنها الكاتب إذا أراد؟

ومِن هذه النَّواحي والنزعات: موضوع التجمُّل، وهو عند المرأة قديم جدًّا، فلقد اكتَشَف علماء الآثار أدوات للزينة خاصة بالمرأة، يرجع العهد بها إلى أكثر مِن أربعة آلاف سنة مضتْ قبل الميلاد، وإنَّ هذا لمن الأدلة القوية على شعور المرأة بضعفِها، واعتقادِها – كما هو الواقع – أن الرجل أقوى منها سلطانًا وأبيَنُ أثرًا في الحياة، وأكثر إدراكًا لدقائق الأمور، وعَويصات المسائل، ولا أكون مُبالغًا إذا قلتُ: وأنضج عقلية، وأشدُّ استعدادًا لتفهُّم أسرار الحياة، يدلُّنا على ذلك تحمُّل الرجل أعباء الحياة، وقيامُه فيها بمهام الشؤون، من تضحية بالنفس في ميادين الدفاع عن الوطن، ومن سعيٍ في طلب الرزق؛ ليَحفظ كيان أسرته، ويذودَ عنها، ومِن إشراف على المرأة، وتأديب لها إذا دعت ظروف الحياة، ولقد جاء كتابنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مبينًا صلاحية الرجل، وموضحًا حقَّه على المرأة في هذا الوجود؛ ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]، هذه آية واحدة من آيات الله، تُشعر الرجل بما له على المرأة من فضْل، سواء مِن جهة عقله وماله، أو منزلته الاجتماعية، وتبين له الطريقة المثلى التي يتبعها نحو المرأة مرتبة ترتيبًا حسنًا جميلاً، فمِن وعظٍ، ومِن هجران، ومن ضرب لا يُحدث أثرًا سيئًا في جسمها، ولا يضرُّ بها ضررًا بليغًا.

اقرأ أيضا  العناية بدعوة المرأة المسلمة وتحصينها

كل هذا جعل المرأة تحتال على الزوج فتتجمَّل له وتتزيَّن، وتُريد أن تستولي على عقله، وتسيطر على لبِّه، ويكون لها عليه سلطان، فيُصبح طوع إرادتها، ورهن إشارتها، وإن شئتَ فقل: طوعَ جمالِها أو تجمُّلها المُصطَنع وتزيُّنها، وهذا جميل لو أن المرأة اقتصرت في زينتها وتجملها على زوجها، فتُريه من محاسنها ما يَنشرح له صدرُه، ويُخفِّف عنه آلامَ غمِّه، ويُسرِّي عنه ما يعتريه من هموم الحياة وأهوالها وهي كثيرة.

أما وهي تتجمَّل وتتزيَّن، حتى لقد شاركتِ البناتِ الأمَّهاتُ في هذا التجمُّل، وانضمَّ إليهما العجائز، لا للزوج، بل للناظرين على اختلاف منازلهم منها، وسيئ نظراتهم إليها، والمُغازلين من أبناء هذا العصر الذين يرون أن الحضارة هي الخُروج على الآداب القومية والمعتقدات الصحيحة.

ولقد أصبح السائر في شوارع بلادنا المصرية يرى مناظر لستُ أدري هل تُرضي الأكثرية من الرجال أو تغضب الكثير ولو أنه اتُّهم بالرجعيَّة؟!

مناظر غريبة، وهي إن دلَّت على شيء فلا تدلُّ إلا على أن المرأة مُستهترة بالحياة، سائرة وراء عواطفها، راغبة في الظهور بمظهر الجمال الباهر، تاركة آداب شريعتها السمحة وراءها ظهريًّا، زاعمة أن ما تأتيه من هذا الاستهتار وهذه النزعة الشيطانية هو التقدُّم الذي يجعل الأمة في مصاف الأمم الراقيَة، على أن الجمال من الأمور النسبية، وها نحن نرى الصيني يَميل إلى الفتاة المفرطحة الأنف، الصغيرة القدمين، لذا كانت تقاليد الصين حتى عهد قريب تحتِّم على المرأة لبس الأحذية الحديدية حتى لا تكبرَ أقدامهنَّ، والعربي يَميل إلى الخدود الوردية، والعيون السوداء، والشعر الفاحم، والزنجي يميل إلى ذات الشفتَين الكبيرتين، وغير ذلك من الميول التي نعدُّها شاذةً وغريبة، ولئن جاز التجمُّل قديمًا للزَّوج، فإنه ليحظر في عصرنا هذا الذي أصبحت فيه المرأة تتزيَّن وتعدُّ نفسها لتسمع ثناء المثنين، وإطراء المغازلين، ولقد صدق أمير الشعراء المرحوم شوقي بك في بيته:
خدَعوها بقولِهم حَسناءُ ♦♦♦ والغواني يَغرهنَّ الثَّناءُ

إنَّ هذا العصر عصر التقدم والعمل، عصر الاقتصاد والمال، عصر الابتكار والاختراع، عصر العلوم والفنون، عصر طلب المساواة مع الرجل ومناضلته في ميدان الحياة، ومشاركته في الوظائف التي ألقتْها الطبيعة على كاهله، وحرَّرتها هي منها!

اقرأ أيضا  فلسطين تدين رفع العلم الإسرائيلي على الحرم الإبراهيمي

وإني أطلب إلى المرأة، أو أطلب إلى القائمين بشؤون المرأة أن تكون المرأة عملية فلا تَنسى ما عليها من الواجبات التي ترفع قدرها، وتعلي شأنها، أطلب إليها أن تكون سيدة بيتِها، فتتجمَّل لزَوجها، ولزوجها فقط، وتُراعي آداب الشريعة السمحة، والله يقول في كتابه الكريم: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُ ﴾ [النور: 31].

وتؤدي وظيفة الأمومة، تلك الوظيفة السامية، فتهذِّب النشءَ، وتثقِّف عقله، وتُلين طباعه، وتلقِّنه حميد الصفات، وجميل الخصال، وتَغرس في نفسه حب الوطن، والتفاني في الدفاع عن البلاد، وتملأ له كأس الحرية فيَشربها شفوفًا، وتكون بهذا قد أدّت إلى المجتمع أحسن الفضائل، وأقوم صفات النُّبل، ودانت لها رقاب الرجال، واعترَفوا بفضلها، وشادوا بذكرِها، وكان لها من الأيادي على هذه البلاد، ما يبقى لها ذكره على مدى الأيام، وما يسطِّره لها التاريخ بماء الذهب على صفحاته.

أما إذا اندمجت في المجتمع وسارت فيما سارت فيه غير آبهة بشؤون المنزل والنشء، ولا مُكترثة لما يُطلب إليها القيام به، ناسية وظيفتها والحقوق التي أوصتها الشريعة الإسلامية بها، وسار عليها الجنس اللطيف ردحًا من الزمن، أيام كان الدين الإسلامي مزدهرًا تَحميه قلوب المسلمين، ويسهل عليهم أن تصوَّب إلى أفئدتهم سهام الموت مِن أن يمسَّ الدينَ الحنيف حيفٌ من الأباطيل، فهذا ما يجعلنا نرميها بالضعف إذا هي استمرت على تجمُّلها وبهرجتها وإنفاقها في سبيل التزين والتجمُّل ما الأولاد والأسرة في حاجة إليه، وهو ضروري لحياتها، وكثيرًا ما كانت نفقات “التواليت” سببًا في تشتُّت أُسَر، والتفريق بين الآباء والأبناء كما يعلم.

اقرأ أيضا  مؤسسة عالمية تصدر كتاب "القدس والأقصى في قبضة التهويد"

والقضاء على مستقبل أبناء أبرياء ليس لهم جريمة إلا جريمة الأمومة التي أبت إلا التبذير.

وإني لأذهب إلى أبعد مدى فأقول: لو أن التجمُّل كان قاصرًا على ما يعدُّه الذوق المصري حسنًا لما استحقَّت المرأة ازدراء المُزدرين، وسخط الناقِدين، ولكنه – أيها القارئ – تجمُّل ممقوت يدعونا إلى النظر إليها نظرات نارية لها معانيها ومغازيها.

على أني أعتقد أنه ليس في الأشخاص العاقلين من لا يَعيب على المرأة لبسها الثياب التي هي أرق من ثوب الرياء، وليس منهم من لا يأخذ عليها هدمها – بمعول إسرافها وتماديها – بناءَ أُسرتِها وصرْحَ وطنِها.

وإن كثيرًا من الشبان ليَمقتون الزواج أشد المقت لكثرة النفَقات التي تترتَّب عليهم في حياتهم القادمة وخشية إسراف الزَّوجات، وخروجهنَّ على الآداب الإسلامية.

وبالجملة، فالمرأة عامل من عوامل التأخر المالي والأدبي، ولستُ أدري أتقع التبعة عليها وقد أراد لها الرجل أن تَستنشِق هواءً خاليًا من السموم، فزجَّت بنفسها في هواء فاسد إليها وإليه معًا؟!

أم على الرجل وقد جعل الله شؤون المرأة بيديه فأرخى لها العنان؟! على أني أقول: إنَّ التبعة عليهما معًا؛ ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.