التنشئة والتربية اللغوية للطفل

الإثنين 12 رمضان 1436//29 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.

التنمية اللغوية هي مجموع الجهود التي تبذل بشكل علمي لتطوير لغة الطفل, وذلك بتهيئة الوسط الذي يعيش فيه الطفل، وتخطيطه لتصحيح أشكال الأداء اللغوي عنده وزيادة حصيلته اللغوية، مفردات وتراكيب ومعان، وتقديم خبرات غنية في عمقها، ومتسعة في مداها من شأنها أن تستثير إمكانات الطفل ودوافعه وتنمي قدراته على الاستخدام الجيد للغة إشباعًا لحاجات التواصل بها.

في ضوء جوانب النمو اللغوي ومبادئه، وخصائص لغة الطفل ومتطلبات تنميتها نركّز على عدة توجهات وآليات عملية في التنشئة اللغوية والتربية اللغوية للأطفال في الجوانب الآتية: المعنى، والنحو، ومهارات الإصغاء، ومهارات التخاطب، والوعي ما وراء اللغوي، فيما يلي:

1- تعزيز النمو:
نقدم عدة استراتيجيات يمكن أن يستخدمها المعلمون والكبار في مساعدة الأطفال على تعلّم معاني الكلمات:

1) أن نتكلّم بانتظام وعناية إلى الأطفال ومعهم ومن حولهم: فالأطفال الصغار في العامين الأولين خاصة، وحتى حينما لا يستطيعون الكلام بأنفسهم، يتعلمون -رغم ذلك- الكثير من سماعهم للغتهم الوطنية، وحيث يتعلمون ابتداءً خصائصها الأساسية، مثل: إيقاعاتها المميزة وأنماط نبراتها وأصواتها النوعية (الفونيمات) وغير ذلك ممّا تتضمنه اللغة.

وعندما يبدءون فيما بعد تقسيم الكلمات إلى كلمات فردية، يستطيعون أيضًا استنتاج ماذا تعنيه تلك الكلمات؛ لذا كلما كانت اللغة التي يسمعها الأطفال الصغار لغة غنية تتصف بالتنوع في الكلمات، بالتقعد في التراكيب النحوية مما يستخدمه الأشخاص من حولهم – يكون نمو حصيلتهم اللفظية أسرع وأكثر ثراءً .

2) أن نعطي تعريفات للكلمات: يتأتَّى تعلمنا- وفي كل الأعمار- للكلمات بسهولة أكثر حينما نعرف معالمها وندرك تعريفاتها، وخاصة حينما تكون هذه المعالم مجردة أو غير واضحة: فالأطفال يتعلمون عادة ماذا تعنيه “الدائرة” واللون “الأحمر” حتى من غير تعريف؛ لأن الاستدارة واللون خواص يمكن ملاحظتها بسهولة.

ولكن المعالم التعريفية لكلمات مثل: “المضلع” و”ينكسر” و”ضار” تكون أكثر تعقيدًا، أو يصعب فهمها بسهولة؛ ولهذا يكون تعريفها للأطفال معينًا لهم على فهمها وتعلّمها؛ لهذا ينبغي أن نشجّع على تعرُّف وتعريف ألفاظ جديدة بكلماتهم وتعبيراتهم الخاصة، وعلى أن يستخدموا هذه الحصيلة اللفظية في سياقات متنوعة.

3) أن نزود الأطفال بأمثلة متنوعة: ذلك أن معرفة هذه الأمثلة يكون في الغالب أساسًا لاكتساب فهم أكثر دقة، ونحرص على أن تُقدم هذه الأمثلة في تنوع واختلاف قدر الإمكان؛ كي توضح المدى الكلي الذي يحتويه معنى الكلمة.

فعلى سبيل المثال: إذا كان الكبار يحددون أمثلتهم عن الحيوان بالكلب والقطة والبقرة والحصان، فإن الأطفال يكون فهمهم محصورًا بأن كل الحيوانات لها أربعة أرجل (نقص التعميم)، ولكن إذا قدمنا للأطفال أمثلة أخرى عن الحيوان مثل الوطواط، فمن المحتمل أن يدرك الأطفال أن الحيوانات تبدو مختلفة جدًّا أحدها عن الآخر، وليست كلها من ذوات أربع الأرجل؛ هكذا يكتسب الأطفال فهمًا للكلمات أكثر دقة حينما يشاهدون أمثلة حسية متنوعة.

4) أن نقدم للأطفال تغذية راجعة حينما يستخدمون الكلمات بطريقة غير صحيحة: فقد يكشف الأطفال في الكلام أو الكتابة عن تصورات خاطئة لمعاني الكلمات؛ (كأن تكون في شكل نقص التعميم أو زيادة التعميم)، وهذا ما يتطلب أن يصغي الكبار بعناية ليس فقط إلى ما يقوله الأطفال؛ ولكن أيضًا كيف يقولونه، وأن يشجعوا الأطفال على استخدام الكلمات في كتابتهم، حيث يحرص الكبار على تصحيح الأخطاء بطريقة دقيقة وتيسير إدراك الأخطاء والاستبصار بالنماذج الصحيحة وبالأنساق التي تتبدى فيها.

اقرأ أيضا  فقه الأخت المسلمة .. التراويح

5) أن نشجع الأطفال على القراءة بأكبر قدر ممكن: يتأتى ذلك في الأساس من خلال التشجيع والاستحسان تعزيزًا للألفة بالقراءة، ولمتعة التعلم الذاتي بها؛ ومن ثم من خلال دافعية تتأصل داخل الذات؛ فالأطفال يتعلمون كلمات جديدة كثيرة من خلال التعرض التلقائي لتلك الكلمات، وخاصة من خلال القراءة، ولسنا بحاجة إلى التدليل بأن القُراء الجيدين يتعلمون كلمات جديدة كثيرة، ويتمتعون بحصيلة لفظية أكبر بكثير من الأطفال قليلي القراءة.

ومن الأساليب الفعالة تشجيع الوالدين؛ وخاصة الأمهات على “القراءة المشتركة” بين الطفل والأم من خلال كتب وقصص ومجلات الأطفال؛ فلهذا الأسلوب تأثيره الفعال على نمو اللغة الاستقبالية والتعبيرية للطفل.

2- تعزيز النمو النحوي:
غالبًا ما يفيد الأطفال من التعليم والتدريب في الجوانب النحوية للغة تأسيسًا خاصة على تعلمهم للجوانب الأكثر تعقيدًا ودقة للنحو، وفيما يلي نماذج يمكن أن نستخدمها في تعزيز النمو النحوي عند الأطفال:

1) أن نوسع الكلام البرقي (التلغرافي) الذي يعبّر به الأطفال الصغار: علينا أن نحرص -إزاء ما يأتي به الأطفال الصغار من جمل (تلغرافية) برقية- على أن نشاركهم في توسيع تلك الجمل؛ لتأخذ شكلاً أكثر نضجاً؛ فمثلاً: قد يقول الطفل الصغير: “ماما لبن”. عندئذ على الأم أن تستجيب بقولها: “ماما تشرب اللبن” أو “محمد يشرب اللبن“.

فالتوسيع يزود الأطفال بتغذية راجعة بعيدة عن النقص أو عدم الاكتمال فيما يتلفظون به، كما أنه يشجعهم على محاكاة تراكيب نحوية أكثر تعقيدًا.

2) أن نعلم الأشكال القياسية للأفعال والصفات المقارنة: لا يسمع الأطفال دائمًا الأشكال غير القياسية للأفعال والصفات في الكلام اليومي للأشخاص المحيطين بهم، فقد يخطئ بعض المحيطين بالطفل في زمن الفعل أو الصفات المقارنة (جميل/ أجمل).

وكثيراً ما تتكرر مثل هذه الأخطاء في التفاعل مع الكبار؛ لذا فإن الحرص على تعليم الأشكال القياسية المعيارية مقابل الأشكال غير القياسية هو الأسلوب الوحيد الذي به يستطيع الأطفال أن يكتشفوا أي المصطلحات تكون صحيحة وأيها تكون خاطئة.

3) أن نقدم وصفًا للتراكيب المختلفة للجملة وندرّبهم على استخدامها: فمثل هذه التدريبات تساعد الأطفال على أن يغيروا من بنية الجملة وفقًا للسياقات التعبيرية المختلفة، وينطوي ذلك على أهمية خاصة في مهارات الكتابة.

4) أن نزود الأطفال بفرص مناسبة للتعبير عن أفكارهم بطريقة “شكلية” نسبيًّا سواء شفاهة أم كتابة، وأن نقدم لهم التغذية الراجعة لما يحققونه من تراكيب نحوية في تلك السياقات: فاستخدام النحو الصحيح يمثل مؤشرًا على أن المتكلم أو الكاتب هو شخص متعلم وواسع المعرفة؛ ومن ثَمَّ فهو جدير بالاحترام.

3- تعزيز مهارات الإصغاء:
ينبغي أن يضع المعلمون والكبار في اعتبارهم أنه على الرغم من أنّ الأطفال وحتى السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية تكون لديهم مهارات الفهم الإصغائي محدودة، فإنهم ينبغي أن يولوا اهتمامًا كبيرًا بقياس مهارات الإصغاء وبتنمية هذه المهارات لدى الأطفال وفقًا لأساليب فعالة.

اقرأ أيضا  المسلمة: عصامية إمرأة

1) أن نضع في اعتبارنا مستوى النمو السيمانتي والنحو حينما نتكلم مع الأطفال، وأن نتحقق من فهمهم لرسائلنا: فاستخدامنا لألفاظ ولتراكيب نحوية متناسبة مع عمر الأطفال، يجعل الباب مفتوحًا للتواصل القائم على الفهم المتبادل بين الكبار والصغار.

ولا يركن الكبار إلى الافتراض بأن رسائلهم مفهومة لدى الصغار، بل أن يتحققوا بشكل ما من أن الأطفال يفهمونها، ربما عن طريق توجيه أسئلة، أو التعبير عنها بكلماتهم، أو إيضاح ما تعلموه من خلال أفعال أو صور.

2) أن نوائم بين طول التفاعل اللفظي وبين مدى الانتباه المتناسب مع عمر الطفل، وأن نتجنب المعلومات زائدة العبء: وهذا ضروري لفاعلية معالجة المعلومات، والتي تتطلب تركيزًا للانتباه للرسالة اللفظية وفهم المعنى المتضمن فيها.

3) أن نشجع الإصغاء الناقد لدى الأطفال: فالأطفال مثلاً في سن ما قبل المدرسة يبدءون في التحقق من أن كل ما يقوله الناس ليس بالضرورة صحيحًا؛ ومع ذلك فإن الأطفال قد يواجهون صعوبة في التمييز بين الحقيقة والخيال في الرسائل، يتطلب ذلك من المعلمين والوالدين والكبار أن يعلموا الأطفال أن يُقَوِّمُوا تلك الرسائل، وأن يستبينوا ما قد يكون فيها من أخطاء أو غموض أو أكاذيب.

4- تعزيز مهارات التخاطب:
فهي تتطلب أن نوفر للأطفال فرصًا كثيرة ومتنوعة للتكلم في سياقات مبنية وغير مبنية، وتفيد الوسائل التالية في تنمية مهارات التخاطب لدى الأطفال:

1- أن نشرك الأطفال في “محادثات” بشكل منتظم: وذلك منذ الشهور الأولى من عمر الطفل؛ حيث يندمج الأطفال مع الكبار في تفاعل لفظي، ويستجيب لها الأطفال بأشكال شتى من الاستجابة؛ كالإصغاء والتصوت ومحاكاة التنغيم الذي يستخدمه الكبار، وفي تبادل من محاكاة الكبار للأصوات الشبيهة بالكلام عند الأطفال.
إن لهذا التفاعل اللفظي تأثيرًا بالغ القيمة في نمو مهارات التواصل اللفظي؛ حتى إذا كان الأطفال لا يفهمون بعد معظم ما يسمعونه.

2- أن ندع الأطفال يعرفون متى يكون بعض ما يقولونه صعبًا على الفهم: يواجه الأشخاص في كل الأعمار أحيانًا صعوبة في توصيل أفكارهم بوضوح إلى الآخرين، كذلك قد يجد الأطفال صعوبة خاصة في هذا الشأن بسبب قدرتهم المحدودة على تقدير معرفة مستمعيهم ووجهة نظرهم؛ لذا يمكننا أن نوجه إليهم أسئلة، أو نطلب إيضاحًا، أو أن نعبر عن اختلاط الأمر علينا حينما يصفون أحداثًا أو أفكارًا بطريقة غامضة أو غير مكتملة؛ فمثل هذه الأساليب تساعدهم بالتدريج على التعبير عن أفكارهم بدقة أكبر، وعلى أن يضعوا في اعتبارهم ما الذي يعرفه مستمعوهم، وما الذي لا يعرفونه.

3- أن نطلب من الأطفال أن يحكوا قصصًا، وأن نشجعهم على السرد: غالبًا ما يعمد الكبار توجيه أسئلة إلى الأطفال من أجل تشجيعهم على الاستجابة في شكل سردي، فمثلاً قد يسأل المعلم طفلاً: “ما الذي فعلته في إجازة هذا الأسبوع؟”، “ما الذي فعلتموه في رحلة المدرسة إلى معرض كتب الأطفال؟”.. ولا شك أن إعطاء فرص للأطفال كي يسردوا أحداثًا، سواء بالحقيقة أو الخيال، يزودهم بسياق فعال يستطيعون داخله أن يمارسوا التخاطب لفترات متصلة من الوقت، وأن يستفيدوا من الخبرات الثقافية الغنية من موضوعات القصص أو السرد مما نوفره لهم.

اقرأ أيضا  المرأة في رحاب السنة النبوية المطهرة

لذا ينبغي أن نولي لتنمية القدرة على السرد ورواية القصص أهمية كبيرة في تدريباتنا اللغوية للأطفال.

4- أن نشجع الإبداع في اللغة الشفهية: يمكن التعبير عن الإبداع اللغوي بأساليب كثيرة؛ مثلاً: من خلال القصص والشعر والغناء والدعابة والتورية والسجع.

فهذه الأشكال من اللغة لا تشجع الأطفال على الاستخدام الإبداعي للغة فحسب؛ ولكنها تساعدهم أيضًا على تحديد المتماثلات بين الموضوعات أو الأحداث التي تبدو غير متماثلة، ومن شأن تعرّف هذه المتماثلات أن يمكنهم من أن يتواصلوا إلى تكوينات مبدعة عن التشبيه والاستعارة والمجاز.. وغير ذلك من أوجه التناظر.

ومما تتأكد أهميته في هذا الشأن الأساليب التي تقوم على الألعاب اللغوية والاستخدام اللغوي المفعم باللعب.

5) تعزيز النمو ما وراء اللغوي:
يتوجه الأسلوب خاصة إلى تنمية الوعي ما وراء اللغوي؛ ويعني إلى أي حد يكون الفرد قادرًا على التفكير في طبيعة اللغة؛ تتمثل العوامل التي تساعد على تنمية الوعي ما وراء اللغوي في اللعب اللغوي، والخبرات القرائية، والتعليم المنظم، وتعلم لغة أو لغات أجنبية؛ ولهذه العوامل تضميناتها في التعليم والعمل مع الأطفال؛ كما يلي:

1- أن نساعد الأطفال على استكشاف المعاني المتعددة من خلال المواد أو المعلومات التي تنطوي على غموض، أو تتضمن دعابات أو ألغازًا أو متناقضات، أو ما شابه ذلك: فاللغة بقدر ما تنطوي على لذة التعلم واكتساب المعرفة، فإنها تنطوي أيضًا على الإمتاع والمؤانسة؛ فالأطفال يمكنهم أن يندمجوا في أنشطة وألعاب لغوية غنية بهذه الخبرات؛ كي يكتشفوا المعاني المزدوجة أو المفارقات الطريفة في بعض الجمل متعددة المعاني أو الصياغات المتغايرة أو الدعابات أو الألغاز.

فمثل هذه الاستكشافات اللغوية بقدر ما تستثير من شغف الأطفال ودهشتهم، فإنها تساعد أيضًا على تنمية الإبداع عندهم، وتعمل على توثيق العلاقة الشرطية بين اللغة كخبرة معرفية واللغة كخبرة وجدانية.

2- أن نشجع الأطفال على قراءة الأدب الذي يتضمن طرائف لغوية تعتمد على طبيعة اللغة: فكتب الأطفال ينبغي أن تستفيد وظيفيًّا من خصوصيات اللغة، وما تتضمنه من معاني الكلمات والتعبيرات الشائعة والنماذج اللغوية الإبداعية.

3- أن نشجع الأطفال على التخمين الذكي وطرح البدائل لمشكلات أو قضايا تتضمن فجوات معرفية، أو غموضًا معرفيًّا، أو مفارقات مما تحتويه الصياغات اللغوية في تعددها وتنوع دلالات معانيها: وذلك أسلوب فعال في تنمية الإبداع اللغوي والتفكير الإبداعي عند الأطفال.

4- أن نشجع الأطفال على تعلم لغة أجنبية في مرحلة عمرية مناسبة بعد استقرار تعلم اللغة الأم وتعزيزها: حيث إن من أبرز فوائدها تنمية الوعي فوق اللغوي، وما لهذا من مردود أيضًا على الإثراء اللغوي للأطفال وتعزيز مكتسبات اللغة الأم والاعتزاز بها.

المصدر: إدارة المرأة والأسرة والطفولة، جامعة الدول العربية.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.