السماء والسماوات في القرآن الكريم

الإثنين04 جمادى الأولى1436//23 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
وردت كلمة السماء 120 مرة في القرآن الكريم، بينما وردت كلمة السموات 190 مرة، أما كلمة الأرض، فقد وردت بالألف واللام 365 مرة، وبدونهما خمس مرات، ولنا هنا وقفة أولى مع معاني لفظ السماء في القرآن الكريم، ومعاني “السماء” في الحياة الدنيا غير معانيها بين يدي القيامة، وإليك أولاً معاني اللفظ في الحياة الدنيا:
أولاً: السماء مصدر إنزال الماء:
في نحو ستة وعشرين موضعًا يشير إلى أن الماء منزَّل من السماء، وأن الله وحده هو الذي ينزل من السماء ماءً، أو يرسلها على الناس مدرارًا، وذلك الماء ينزله الله تعالى من السماء؛ أي: من السحاب بقدر، فيسكنه في الأرض برحمته، بعد أن تقوم الرياح بأمر الله بدورها في إنزاله إلى الأرض، فيحيي الله بالماء الأرضَ بعد موتها، ويخرج به أزواج النبات والثمرات، فتصبح الأرض مخضرة، ومن صفات الماء المنزَّل من السماء أنه مقدر بقدر محدود، وأنه طاهر طهور، وصالح للسقيا والرعي، وأنه فُرات، منهمر، ثجَّاج، مُبارَك، كما أنه ليس لأحد أن يدعي أنه ينزل الماء من السماء؛ لأن الله وحده هو الذي يملِك ذلك؛ مصداقًا لقوله تعالى في آيات عديدة: ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ [البقرة: 22]، و﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ ﴾ [البقرة: 164]، و﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ [الأنعام: 99]، و﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ [المؤمنون: 18]، و﴿ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا ﴾ [الأنعام: 6]..إلخ.

أما ما يعرف الآن باستمطار السُّحب عن طريق معالجتها، فيلزم أن تكون السحب مهيأة أولاً لسقوط المطر، أما السحب التي لم يَنمُ الماء فيها – كأن تكون الريح المرسلة عليها عقيمًا – فلا تُمطر، بالإضافة إلى أن إضافة مواد ليست من أصل السحب، تؤدي الي تلوث بيئي؛ مثل: زيادة حموضة الماء، فيما يعرف بالأمطار الحمضية، وصدق الله تعالى حيث يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 – 70].

اقرأ أيضا  الدعوة القرآنية إلى مكارم الأخلاق ومعاليها

ثانيًا: السماء مصدر عذاب:
تتنوع صنوف العذاب النازل من السماء على الكافرين المعاندين؛ من الصيب، والرجز، والكسف، والحسبان، والآيات القاهرات، والصيب هو المطر من السماء في حال ظلمات، والرجز العذاب والغضب، وقيل: هو الطاعون، والكِسف القِطَع من السماء، والحسبان مرامي من السماء، واحدها حُسبانة، والحسبانة السحابة، والحسبانة الصاعقة، وصدق الله تعالى حيث قال: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 19]
ثالثًا: السماء جهة الاستواء والعلاء والصعود:
استوى إليها رب العزة – تبارك وتعالى – ويقول المفسرون: الاستواء بمعنى القصد والإقبال؛ لأنه عُدي بـ”إلى” “فسواهنَّ”؛ أي: خلق السماء سبعًا، والسماء جهة القصد لتحقيق الأماني، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سلَّم من صلاته إلى بيت المقدس، رفع رأسه إلى السماء، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 144].
رابعًا: الجهة الرمزية لوجود الله:
آيات تدل فقط على سمو وجلال الله، فهو – سبحانه – منزه عن الحلول في مكان دون آخر؛ ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17].
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84].
قال المفسرون في تفسير الآية الأخيرة: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما وكلهم خاضعون له، أذِلاَّء بين يديه.
خامسًا: السماء مصدر الرزق والرحمة والبركة:
يقول الله – عز وجل -: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3]، ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13].
سادسًا: لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يَعزب عنه فيها من شيء – صغر، أو كبر – يعلم ربي القول في السماء والأرض، ولا يغيب عنه شيء فيهما، العالم بما كان وما يكون وما لا يكون؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عبدالله بن عمر: ((إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء))، وصدق الله حيث يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5].
سابعًا: السماء مسرح للظواهر الجوية؛ من ريح ورياحٍ، وسحاب وبرق ورعدٍ… إلخ.
يسخر الله فيها الرياح ويصرفها، ويُنشئ فيها السحاب الثِّقال، ويسبح فيها الرعد بحمده، ويكفيك أن تقرأ الآية 43 من سورة النور، وتأمَّل الإيجاز المعجز، والصياغة التي يَعجِز علم العلماء عن الإتيان بمثلها، والتنوع في الألفاظ، وكأن كلاًّ منها يمثل مصطلحًا علميًّا دقيقًا؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].
ثامنًا: من معاني السماء:
السماء الدنيا التي تُزينها الكواكب والنجوم والأقمار؛ ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [الصافات: 6].
تاسعًا: السماء جنس يعني السموات السبع؛ أي: الكون كله؛ ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12].
عاشرًا: السماء جِرم مستقل بذاته، فهي بناء مسواة لها أبواب، وهي سقف محفوظ، وهي ممسوكة، وفيها كسف؛ أي: قطع، أصلها دخان ذات طرق، بُنيت بأيد وموسعة، مرفوعة، ذات الرجع.
المصدر:الألوكة

اقرأ أيضا  القرآن الكريم خير مدرسة تعلِّم الأخلاق
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.