الصوم بذل وسخاء وعطاء

الجمعة 9 رمضان 1436//26 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
خميس النقيب
شهر الصوم مَوْسم البذل والعطاء، موسم الإنفاق والسخاء، موسمٌ للأيتام والفقراء، موسم الجود والكرم، من فطَّر فيه صائمًا، كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مِثل أجر الصائم؛ لا ينقص من أجر الصائم شيئًا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ربه العبدَ الطائع، ومع نفسه الرسولَ القانع، ومع الناس الجوادَ الكريم، ومع أهله المحبَّ الودود، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”، وفي رواية أحمد زيادة: “لا يُسأل عن شيء إلاَّ أعطاه”.

بل الله تعالى هو الجواد الكريم؛ في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جواد يحب الجود، كريم يجب الكرم))؛ رواه الترمذي، وروى الفضيل بن عياض أن الله تعالى يقول كل ليلة: ((أنا الجواد ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم))، فالله سبحانه هو أكرم الأكرمين، وأجود الجوَّادين، وقد ذكر أهل العلم أنه سبحانه يضاعف جوده على عباده في الأوقات الفاضلة؛ كما في يوم عرفة، ويوم النحر، وعشر ذي الحجة، وليلة القدر، وغيرها من مواسم الخيرات، والتي مِن أخصها شهرُ رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هُدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان، والله تعالى يعطي السائلين؛ حيث قال في أواخر آيات الصيام في سورة البقرة: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

اقرأ أيضا  وجوب التوبة إلى الله

ولن يُنال البِرُّ إلا بالإنفاق؛ قال سبحانه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، آياتٌ كثيرة في القرآن الكريم توجِبُ الإنفاق، وتبغض الإمساك، الله سبحانه وتعالى أمر بالإنفاق مِمَّا رزقَكَ، والإنفاقُ أشمل من المال؛ قد تنفقُ من علمِكَ، وقد تنفقُ من خِبرتك، وقد تنفقُ من وقتك، وقد تنفق من جهدك، وقد تنفق من عضلاتك، وقد تنفقُ من جاهك، وقد تنفقُ من مالك، وقد تنفق من ابتسامتك؛ ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))، وكل رزق وهبه الله لك يجب الإنفاق منه؛ ﴿ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 254].

وزكاة الفطر في رمضان عطاءٌ من رزق الله؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان”؛ رواه الجماعة، لماذا؟ لتطهير الصائم من اللغو والرفث، وعلاجًا له من الشُّح والإمساك، ولإطعام المساكين ومواساتهم في العيد، وحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين”؛ رواه أبو داود، وكذلك لتُغنيهم عن السؤال يوم العيد.

اقرأ أيضا  عاشوراء والهجرة النبوية

وعن أبي أمامة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله عند كل فطر عتقاء))؛ رواه أحمد، [صحيح الترهيب].

وعائشة رضي الله عنها، ربيبة بيت النبوة، الخيِّرة كأبيها، الكريمة كزوجها، كانت من الأجواد؛ تصدقت يومًا بمائة ألف وهي صائمة، فلم تُبقِ لنفسها ما تشتري به فطورًا، تقول لها جاريتها: لو أبقيتِ لنا ما نفطر به، قالت: لو ذكَّرْتِني لفعلت، جاءها يومًا المنكدر، فقال: يا أم المؤمنين، أصابتني فاقة، فقالت: ما عندي شيء، فلو كان عندي عشرة آلاف درهم لبعثت بها إليك، فلما خرج جاءتها عشرة آلاف مِن عند خالد بن أسيد، فأرسلت بها في أثره، فأخذها، ودخل السوق، فاشترى جارية بألف درهم، فولدت له ثلاثة أولاد، فكانوا عُبَّاد المدينة: (محمد بن المنكدر، وأبو بكر، وعمرو) وكلهم في ميزانه.

اقرأ أيضا  وصية لقمان.. "تنمية بشرية" حقيقية تُعمر الأكوان، وتُدخل الجِنان

رحم الله عبدًا أطعم أفواهًا، وكسى أجسادًا، ورحم أيتامًا، وطوبى لعبد نصر مظلومًا، وواسى مكلومًا، وأعطى محرومًا.

فأنفقوا، ينفق الله عليكم.. فما نقص مال من صدقة.. ومن يقرض الله قرضًا حسنًا يضاعفه له أضعافًا كثيرة.. اللهم أعطِ مُنفقًا خلَفًا، وأعط ممسكًا تلفًا.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.