الصين تهدد شابا من مسلمي الإيغور يدرس بأمريكا

الصين(معراج) – تعاني أقلية الإيغور المسلمة، من تهديدات متكررة من قبل السلطات الصينية، حتى لمن هم خارج تركستان الشرقية التي تحتلها الصين، وفق تقرير لصحيفة “فورين بوليسي” الأميركية.

ورصد التقرير جانبًا من معاناة مسلمي الإيغور تحت الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية؛ حيث أورد شهادة شاب إيغوري يدرس في الولايات المتحدة، انتُزِع من جامعته الأميركية التي كان يدرس فيها، إلى “غولاغ” صيني. (الغولاغ هو الاسم الذي تُعرَف به معسكرات الاعتقال السوفييتية سيئة السمعة)،وفق السوسنة.

وقد شارك الشاب الذي منحته الصحيفة الاسم المستعار (إيمان) قصته على مدار 4 لقاءات بين عامي 2017 و2018. حيث جاء إيمان، الذي ينتمي إلى أسرة إيغورية متوسطة، للدراسة بالولايات المتحدة قبل عدة سنوات. وكان قد نجح في النظام التعليمي الصيني؛ بل وحصل حتى على درجة علمية من إحدى الجامعات شرق الصين. وفي 2017، عاد إيمان إلى الصين لقضاء عطلة صيفية.

وبينما بقي رابطاً حزامه في مقعده، اقتربت إحدى مضيفات الطائرة وقالت له: “إنَّهم يسألون عنك. ربما من أجل مسألة متعلقة بالتأشيرة فقط”.

انتظر 3 ضباط حرس حدود صينيين، من قومية الهان، يرتدون زيهم الرسمي، الشاب الإيغوري عند جسر الطائرة. وبعد احتجازه، خضع لتفتيشٍ جسدي شامل وفُتِّشَت أجهزته الإلكترونية. كانت عملية التفتيش دقيقة أكثر من المعتاد، وكان الضباط أكثر تدقيقاً وأقل وُداً.

واقترب ضابط آخر من إيمان وأبلغه أنَّه سيُنقَل إلى سجنٍ محلي. طالب الشاب بتفسير الأمر أو على الأقل توجيه اتهام رسمي أو حتى الاتصال بوالدته، لكنَّه لم يحصل على أيٍ من ذلك.

واحتُجِز إيمان 9 أيام بسجنٍ محلي. وكان هو الشخص الإيغوري الوحيد في غرفة بها 34 شخصاً. وفي اليوم التاسع من احتجازه، وصلت فرقة من شرطة شينجيانغ (الاسم  الذي تطلق الصين على تركستان الشرقية) وقيَّدوه بإحكامٍ ونقلوه إلى محطة القطار.

ونزل الأربعة من القطار في مدينة توربان شرق “شينجيانغ”، ووضع أحد الضباط غطاءً على رأس إيمان، ثُمَّ اقتادوه إلى سيارة واتجهوا صوب مسقط رأسه. واشتد التوتر بينما كان يُقتاد إلى مركز الاحتجاز، أو “الكانشوسو”. وقال: “كان المجمع مُحاطاً بجدران مرتفعة جداً، وكان حراسٌ عسكريون يخفرون البوابة المعدنية. وفي الداخل، كان هناك ضوءٌ خافت، وكان المكان مظلماً للغاية”.

ونُقِل إيمان إلى حجرةٍ بها 19 شخصاً آخرين من الإيغور. وقبل دخوله إلى مهاجع السجناء، حصل على سترة صفراء زاهية اللون، ثُمَّ بدأ الشاب يتفحص الزنزانة. كانت الزنزانة المُبلَّطة مزوَّدة بمرحاضٍ واحد وصنبور ومصطبة تُستخدَم كسرير على غِرار أسِرَّة الكانغ التي كان السجناء كافة ينامون عليها. وقُدِّمت له أدوات أكل بسيطة: وعاء معدني رفيع وملعقة.

وقال إيمان إنَّ الروتين اليومي كان رتيباً ويسير وفق التعليمات إلى حدٍ كبير. وأضاف: “كان يجري إيقاظنا في الخامسة صباحاً يومياً، ونحصل على 20 دقيقة للاغتسال. لكن الحراس لم يُقدِّموا سوى 3 أوعية حافظة للحرارة (ترموس) من المياه الساخنة يومياً لـ20 رجلاً. كان عليّ أن أتنافس مع الآخرين على الماء الساخن… كان الإفطار يُقدَّم في السادسة صباحاً، ولم تتغيَّر قائمة الطعام؛ فكنَّا نحصل دوماً على الموما أو الخبز المطهو بالبخار. وبعد الإفطار، نسير إلى زنزانتنا بخطًى منتظمة مُردِّدين بصوتٍ عالٍ باللغة الصينية: (تدرَّب بجد، ادرس بجد). ولا أستطيع تذكُّر بقية المقطع. أراهن أنَّه موجود على محرك البحث الصيني بايدو. على أي حال، سرنا بخطًى منتظمة عدة ساعات. ثُمَّ شاهدنا أفلام (إعادة تعليم) حتى وقت الغداء”.

وأضاف: “أظهرت مقاطع الفيديو إماماً مُعيَّناً من الدولة، شرح الممارسات الدينية الشرعية والتفسيرات الملائمة للإسلام. وفي بعض الأحيان، كان بالفيديوهات قصص فكاهية تحذرنا من عواقب المشاركة في (نشاطاتٍ دينية غير قانونية)، والتي تُعرَض على ملصقات كبيرة خارج كل موقعٍ ديني في الإقليم.

في إحدى القصص، أُلقي القبض على شاب؛ لدراسته القرآن في مدرسة متوارية تحت الأرض، وهي الممارسة التي تحاول السلطات القضاء عليها. ظللنا نشاهد حتى حان وقت الغداء، حين قُدِّم لنا الموما مجدداً إلى جانب (حساء الخضراوات) الذي تنقصه الخضراوات. وبعد الغداء، سُمِح لنا بالاستراحة في مهاجعنا، لكن لم يُسمَح لنا إلا بالجلوس على السرير المصطبة؛ إذ كان الاستلقاء ممنوعاً. بعد هذه الاستراحة، كرَّرنا الروتين الصباحي -المزيد من الخطى المنتظمة ومقاطع الفيديو- إلى أن حصلنا على الطعام نفسه في العشاء”.

وتابع: “احتُجِز معظم زملائي في الزنزانة بالفعل ما يزيد على شهرين دون توجيه اتهام رسمي. وتصادقتُ مع رجل ستيني، كانت فترة احتجازه، عندما كنتُ مُحتَجزاً، قد بلغت 6 سنوات. وما جريمته؟ أنَّه أرسل تعاليم دينية أو ما يُعرَف بالتبليغ -وهي تفسيرات بسيطة للقرآن، لكن ليس مصدرها رجل دين مُعيَّن من الدولة- إلى ابنته باستخدام هاتفه المحمول. ثُمَّ شاركتها مع أصدقائها. فأدانته السلطات بحيازة ونشر محتوى ديني متطرف”.

ومرَّت الأيام تلو الأيام على إيمان في الحجز، لكن مع ذلك لم تُوجَّه إليه أي اتهامات رسمية. وفي اليوم الـ17 من احتجازه، أُطلِق سراح إيمان، وقال له قائد الشرطة المحلي مُحذِّراً: “أنا متأكد أنَّك ربما طرأت عليك بعض التغييرات الأيديولوجية جرَّاء تجربتك المؤلمة تلك، لكن تذكَّر: مهما قلت أو فعلت في أميركا، فإنَّ أسرتك لا تزال هنا ونحن أيضاً لا نزال هنا”.

وبعد 30 يوماً من الوصول إلى الصين، وصل إيمان إلى منزله أخيراً. لكن الآن، بات محتجزاً خلف الأسوار الإلكترونية. فبطاقة هُوية المقيمين خاصته، التي ستُمسَح ضوئياً عند نقاط التفتيش الأمنية في كل مكانٍ بالإقليم، أصبحت تحوي الآن معلومات حول ماضيه “الإجرامي”. ولن يُسمَح له بأن تطأ قدماه أي مبنى حكومي أو وسيلة مواصلات عامة أو حتى الدخول إلى أي مركز تسوق!

ومع أنَّه أصبح حراً، يواجه إيمان الآن قيود المنفى. فلا يعرف متى يمكنه العودة إلى دياره، أو إن كان بإمكانه العودة من الأساس.

واتصاله أو إرسال رسالة إلكترونية إلى والدته، التي دخلت هي الأخرى معسكر إعادة تعليم منذ أكتوبر 2017؛ بسبب زيارتها تركيا- قد يُعرِّض سلامتها للخطر؛ فالتواصل مع الأقارب بالخارج أمرٌ يُعاقَب عليه بالاستجواب والاحتجاز.

وكالة معراج للأنباء

اقرأ أيضا  كيف أنقذت حركة بسيطة بأصابع اليد فتاة صينية؟
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.