المريخي: المعاصي بعد الطاعة في رمضان غرور بالدنيا ونسيان للآخرة
السبت 9 شوال 1436//25 يوليو/تموز 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الدكتور محمد المريخي
محمد دفع الله
حذر فضيلة الشيخ د. محمد بن حسن المريخي من خطورة الذنوب والمعاصي التي تأتي عقب مواسم الطاعات بأنها هلاك في الآخرة وحجر عثرة في الدنيا، وقال إن الرجوع إلى المعاصي بعد ما كان من العباد من التوبة والإنابة والعهود والمواثيق، علامة سيئة وعلامة على رد العمل وتهيئة لخاتمة سيئة نعوذ بالله من الخذلان وغرور بالدنيا وطول أمل فيها ونسيان للآخرة، وبيَّن خلال خطبة الجمعة أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب والتي كانت بعنوان “الاستقامة بعد رمضان” أن الإنسان الرشيد هو الذي يوفق لتقييم العمل وتثمين الجهود وتقدير النعم واتقاء العواقب الوخيمة وتفادي المنازل الرذيلة، مضيفاً أن الرشيد أيضاً هو الذي وفقه الله وهداه فنظر في النعم وقلّب ناظره في المنن، وفكر فيما حوله من الدنيا وما ينزل فيها من الفتن فاسترشد فكان ذا عقل كامل ورأي سديد وتصرف حميد، ذلكم هو الراشد الرشيد الذي بحث لوط في قومه فلم يجده فتساءل عنه لحاجته إليه في ذلك الموقف الحاسم بعد الله تعالى ( أليس منكم رجل رشيد )، ولفت إلى أن الرشاد والرشد يصنعهما الإيمان بالله ورسوله ويصنعهما التدين بشريعة الله سبحانه، لذلك كان شعيب عليه السلام حليماً رشيداً بشهادة قومه الكفار وإن قالوها استهزاء وسخرية ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) والراشدون في القرآن هم الذين يحبون الإيمان وتتزين به قلوبهم، ويكرهون الكفر والفسوق والعصيان ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ).
عاقبة المتجبرين الظالمين
وانتقل بالحديث عن المتجبرين والظالمين قائلاً “فلم يكن فرعون رشيداً لكفره وانطماس بصيرته، فلم يكن يرى الأمور على حقيقتها ولم يكن يدرك العواقب والمنقلبات، بل هو أعمى البصر والبصيرة فلما قاد قومه أوردهم النار وبئس الورد المورود، لسوء إدارته وعمى قيادته وخبث طويته، يقول تعالى موبخاً إياه وقومه ومحذراً من مصيره وعاقبته ( فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) .
وذكر أن الاستقامة يوفق إليها الراشد برشده بعد إذن الله عز وجل، لأنه يوقن أن الاستقامة على الصراط المستقيم فلاح ونجاح ونجاة ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) كما إنها علامة القبول وأمارة المرور بإذن الله يوم البعث والنشور، وهي اعتدال في داخل النفس وانتهاج للتقوى والتزام بالصواب وقيام على السنة وهجر للبدعة، يقول بعض أهل العلم: أمران اثنان إذا تمكنا من القلب فاز بهما العبد: الاعتراف بالله رباً ثم الاستقامة على منهجه وشريعته ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) .
ومضى فضيلته في الحديث عن الاستقامة، بأن لضرورة الاستقامة على الدين الحنيف أمر الله تعالى أنبياءه ورسله وأتباعهم من المؤمنين، فأمر بها محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) كما أمر بها النبيين الكريمين موسى وهارون عليهما السلام ( قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) وهي – أي الاستقامة – محبوبة ممدوحة في كل أمر وإذا استقام العبد على دين الله فإنه يبلغ مقامات رفيعة ويرتقي لكمالات أسمى، وطاعات أفضل، ويبلغ مراقبة لله تعالى .
أهل الاستقامة محفوظون
وأكد أن أهل الاستقامة يحفظون دين الله ويحرسونه ويحيطونه بسياج من الكرامة والتقدير والقدسية ويدفعون عنه العابثين والمخرفين أهل البدعة والمنافقين المتقلبين. فكم دفع عن دين الله باستقامة أهل التقوى، وكم دفع من البدع وكشف من الخرافة والدسائس، وكم مات وهلك من دعاة الفساد في الدين وكم تراجع وانخرس من دعاة التحريف والتأويل في العقيدة والملة، ومن دعاة الخلط والتمييع والعبث ومن دعاة التفرنج والتعولم، كل ذلك بفضل الله تعالى ثم استرشاد أهل الرشاد والاستقامة من أهل السنة .
وتابع القول بأن من الرشاد صيانة ميثاق الله والوفاء به وبالعهد وها هو الله تعالى يذكر العباد بذلك فيقول(واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور)، مضيفاً أن من الرشاد احتجاب المرأة بالحجاب الشرعي والتزامها بآداب الشريعة وهجر الاختلاط مع الرجال وعدم الغرور بدعوات التفرنج ومتابعة الغرب الذي فشل في كل كبيرة وصغيرة ( يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين )، واستكمل حديثة عن الرشاد، بأن منه استقامة الفكر والثقافة عند المرء المسلم وثباته وموافقة ثقافته للوحي الذي أنزله الله على رسوله، ومن رشاد المرء أن ينظر إلى الدنيا وشؤونها نظرة شرعية يحق الحق ويبطل الباطل ويحكم دين الله في كل الأمور وخاصة فيما ظهر من عجائب هذا الزمان .
عقيدة السلف رشاد
وشدد على أن من رشاد المرء أيضاً أن يحذر من الشيطان الرجيم عدو ابن آدم وحاسده والحاقد عليه الذي تعهد لربه أن يغوي العباد ويضلهم ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) ومن رشد المسترشدين مداراة القلوب وحفظها من الوسخ والنجاسة الحسية والمعنوية بعدما تطهرت بالطاعة والإيمان والاستسلام للديان، ولأنها محل نظر الرحمن جل جلاله، يقول رسول الله ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم )، وتابع بأن من الرشاد أن يستقيم المسلم على عقيدة السلف الصالح عقيدة الصحابة والتابعين، يقول رسول الله (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) ومن الرشاد ألا يكون المسلم إمعة لا رأي له بل يستوثق ويتحقق مما يعرض عليه ويترك ما لا يعنيه والحمد والثناء على الله تعالى وذكر نعمه ومننه وإظهار فضله ورسوله والوالدين والأرحام، لافتاً أن من كبير الرشاد الدعاء لولاة الأمر ومعاونتهم على البر والتقوى وتطهير القلوب من كل الأضغان عليهم وتصفيتها.
سبيل الخاسرين
وقال في ختام الخطبة إن الغيّ والغواية والعمى والتخبط هما عكس الرشاد تماماً، فهي سبيل الخاسرين الذين اتخذوا دين الله هزواً ولعباً، الذين خسروا الدنيا والآخرة فاغتروا بها أو بشهادة أو درجة أو منصب في هذه الدنيا، منوهاً بأن من الغي والغواية أن يكون المرء على دين متين وعقيدة صلبة فيتحول عن هذا الخير إلى خرافة وبدعة وحزب وجماعة وفكر وثقافة متطرفة يبيع وقته وعمره لتصرفات الأفراد وسلوكيات عقول مخرفة مظلمة يقتصر دينه على تمتمات وكلمات من شيخ الطريقة أو مفكرها، (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها)، وأضاف أن الغواية والضلالة أن يمن الله تعالى على عبده في الشهر بالباقيات الصالحات من الصيام والصلاة والدعاء والقيام وتلاوة القرآن والبر والإحسان والمسارعة للخيرات فإذا أتم عليه النعمة فأكمل له العدة، نكص على عقبيه وحار ورجع إلى سابق عهده مع الذنوب والمعاصي والتجاوزات ونسي ما عمل من الصالحات والعهود والمواثيق التي عاهد عليها ربه عز وجل وهذه علامة سيئة تخوف وتنذر بخطر.
– بوابة الشرق-