الوفاء بالوعد وحفظ العهد

www.youtube.com
www.youtube.com

الأحد 16 ربيع الأول 1437//27 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إنَّ من الأخلاق الجميلة والصفات الحميدة التي يتحلى بها أهل الإيمان أيها الأحبة والإخوان هي وفائهم بالوعود،وحفظهم للعهود، يقول عنهم العزيز الودود: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [ المؤمنون :8].
يقول الشيخ الشنقيطي – رحمه الله- :” ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الفردوس : أنهم راعون لأماناتهم وعهدهم : أي محافظون على الأمانات ، والعهود .
والأمانة تشمل : كل ما استودعك الله ، وأمرك بحفظه ، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله ، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس ، والعهود أيضاً تشمل : كل ما أخذ عليك العهد بحفظه ، من حقوق الله ، وحقوق الناس “. أضواء البيان ( 5/321)
وحرصُ هؤلاء الأخيار على الاتصاف بهذا الخلق النبيل والوصف الجميل لعدة أسباب من أهمها أيها الأحباب:
-فيه الامتثال لما أمرهم به الكبير المتعال،حيث قال جل وعلا :(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) [ الإسراء:34].
يقول الشوكاني – رحمه الله- :” والوفاء بالعهد : هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي ، إلاّ إذا دلّ دليل خاص على جواز النقض { إِنَّ العهد كَانَ مَّسْئُولاً } أي : مسئولاً عنه ، فالمسئول هنا : هو صاحبه ، وقيل : إن العهد يسأل تبكيتاً لناقضه “. فتح القدير (3/226)
-الاقتداء بسيد المرسلين وخير ولد آدم أجمعين ، حيث كان يُضرب به في الإيفاء بالوعود وحفظ المواثيق والعهود المثل بين الأنام ، ولقد أمر العزيز العلام أهل الإسلام بالتأسي به عليه الصلاة والسلام ، حيث قال سبحانه: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [ الأحزاب :21].
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله- :”هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله”. تفسير ابن كثير (3/475)
ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :” وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو اللّه واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف اللّه ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم”.تفسير السعدي ( ص420)
ومن أنبياء رب العالمين ورسُل أرحم الراحمين الذين مدحهم الحكيم العليم على تحليهم بهذا الخلق العظيم و الوصف الكريم نبي الله جل وعلا إسماعيل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حيث قال عنه العزيز الحليم:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا) [ مريم :54].
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :”أي: واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب وأجلها، الذي منهم سيد ولد آدم.
{ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ } أي: لا يعد وعدا إلا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له وقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }[الصافات:102]وفى بذلك ومكَّن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تُصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي هي أكبر منن الله على عبده، وأهلها من الطبقة العليا من الخلق”. تفسير السعدي ( ص309)
– أنهم يعلمون أنَّ من لم يتصف من المسلمين بهذه الخصلة الرفيعة والصفة الكريمة التي يحبها العزيز الرحمن فهو ناقص الإيمان، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال ما خَطَبَنَا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ قال:” لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ له،وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ له “.رواه الإمام أحمد في المسند (3/135) ،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع ( 13135)
يقول المناوي – رحمه الله- : “معنى (لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ له) أنَّ من جرى بينه وبين أحد عهد ثم عذر لغير عُذرٍ شرعي فدينه ناقص أما لعذر كنقض الإمام المعاهدة مع الحربي لمصلحة فجائز “.فيض القدير ( 6/381)
بل أنه اتصف بخصلة هي من علامات المنافقين ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا ائتمن خَانَ “. رواه البخاري (33) ومسلم ( 59)
يقول ابن الجوزي – رحمه الله- :”خلف الوعد : الرجوع عنه ، وهذا محمول على من وعد وهو على عزم الخلف ، أو ترك الوفاء من غير عذر ، فأما من عزم على الوفاء فعرض له عذر منعه من الوفاء فليس بمنافق ، إلا أنه ينبغي أن يحترز من صورة النفاق كما يحترز من حقيقته “.كشف المشكل ( 3 / 409)
ويقول الإمام ابن رجب – رحمه الله-: ” (وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ)، وهو على نوعين:
أحدهما: أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف، ولو قال:أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل، كان كذباً وخلفاً، قاله الأوزاعي.
الثاني: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له، فيخلف من غير عذر له في الخلف”. جامع العلوم والحكم (ص 431)
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :”الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه: فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه : أنَّ هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومُتخلق بأخلاقهم، فإن النِّفاق هو إظهار ما يُبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس،لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر”. الشرح على صحيح مسلم ( 2/ 47)
ومما ينبغي أن نعلمه أيها الإخوة والأخوات أن الوعد المنهي عن إخلافه وجاء ذمه في حديث رسول رب البريات هو الذي يكون في الخيرات ، يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله- :”فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة “.فتح الباري ( 1/90)
-أنَّ علماء المسلمين أجمعوا أنه ينبغي الإيفاء بالوعد وحفظ العهد إذا لم يكن في ذلك مخالفة للعزيز الصمد ، يقول الإمام النووي – رحمه الله-:”أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه، فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجبٌ أم مستحبٌ ؟ فيه خلاف بينهم…”. الأذكار ( ص 250)
-ويعلمون كذلك أنَّ من أخلف وعده ولم يحفظ عهده بدون سبب فقد وقع في خُلقٍ ذميم الذي هو جماع كل شر ألا وهو الكذب!،يقول الماوردي–رحمه الله-:”الكذب جماع كُلِّ شَرٍّ وأصل كُلِّ ذَمٍّ،لسوء عواقبه وخُبْثِ نَتَائِجِهِ؛لأَنَّه يُنْتِجُ النَّميمة،والنَّميمة تُنْتِجُ البغضاء،والبغضاء تؤول إلى العداوة،وليس مع العداوة أَمْنٌ ولا راحَةٌ”.أدب الدنيا والدين(ص321)
-وهم على علم كذلك أيها الأفاضل أنَّ الفطر السليمة والعقول القويمة والعادات المستقيمة تذم إخلاف الوعد وعدم الإيفاء به، يقول الإمام ابن القيم–رحمه الله-:”وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه”.إغاثة اللهفان(2/ 47)
فعلينا أيها الأحباب أن نقتدي بأهل الإيمان ونحرص على التحلي بهذا الخلق القويم والوصف الكريم وذلك ببذل الأسباب التي تعيننا على ذلك بإذن العزيز الوهاب.
ولنجتهد في تربية أبنائنا على الاتصاف به لما في ذلك من خير كثير ونفع كبير يعود على الجميع بإذن العزيز القدير ، يقول الطاهر بن عاشور – رحمه الله- :” نعمة الولد تكون أكمل إذا كان صالحاً فإنَّ صلاح الأبناء قُرة عين للآباء ، ومن صلاحهم برُّهم بوالديهم” . التحرير والتنوير (23/ 148)
ولنحذر أشد الحذر من التفريط في تعليمهم ما ينفعهم، ومن ذلك حثهم على الوفاء بالوعود وحفظهم العهود لأنَّ مآل هذا التقصير خطير وضرره كبير ، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :”فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم،ولم ينفعوا آباءهم كبارا “.تحفة المودود بأحكام المولود ( ص 229)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأله سبحانه وهو العزيز الودود أن يُوفقنا جميعا لكل ما يحبه ويرضاه، ومن ذلك الحرص على حفظ العهود و الوفاء بالوعود، وأن يُجنبنا كل أسباب الحرمان والخسران و الخذلان، فهو سبحانه ولي ذلك والرحيم الرحمن.
———————-
الكاتب : حمزة النايلي

اقرأ أيضا  من أحكام صيام الست من شوال