انقلاب بشار وخروج الروس ومَن بعدهم!

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - alwafd.org -
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – alwafd.org –

د. أسامة جمعة الأشقر

الخميس 8 جمادى الثانية 1437// 17 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

كان كل شيء متعلِّقاً بقراره !

لم تكن هناك ثورة في سوريا ! كان هناك استقرار أمني وسياسي واقتصادي ورئيس محبوب !

وكان هناك الكثير من الظلم المكبوت تحت هذا الاستقرار المادي و(الحب) !

لم تبدأ الثورة كما بدأت في مصر أو تونس ، بدأت الثورة حقاً لمّا سقط بشار الأسد في أسهل مهمة وأصغرها : كيف يستوعب غضب فئة من الناس “الغلابا” في جنوبي البلاد ! كانوا يطالبون بإقالة ظالم مجنون ، وتوجّهوا إلى مقام السيد الرئيس ليحميهم منهم ! لكنه خذلهم وفجر في خذلانه لهم ، ورفع العصا في وجوهم ، فانفجر السيل المكبوت ! وانفجر الدم الحرام !

هذا العناد الذي كسر علاقة الرئيس”المحبوب” بشعبه وحوّلهم إلى ثوار وإرهابيين وقتلى ولاجئين ومسجونين وباحثين عن لقمة عيش وهاربين ومقهورين… هو نفسه الذي كسر علاقته مع أقوى حلفائه في تركيا وقطر ، وهو نفسه الذي يكسر اليوم أقوى علاقاته مع حلفاء راهنوا بقوتهم كلها في سباقه الخاسر سلفاً !

عندما دخلت روسيا إلى سوريا فإنها تقدّمت بكل ثقلها الدموي وعينها نحو واشنطن وأوروبا ومصالحها الاستراتيجية ، وقدّرت أنها قادرة على لعب دور سياسي في سوريا يحمي نفوذها ويؤكده، ويفكك مشكلاتها في القرم وشرق أوروبا ، وقادت روسيا الدبلوماسية السورية نحو التفاوض وفق اتفاقية جنيف الأولى التي تؤسس لحكم انتقالي … كان الخطأ الروسي أنه قرر أن بشار الأسد ليس مشكلة في أي اتفاق ولكن لا لا تبدؤوا به ! فنحن سنجعله يتخلّى عن الحكم ويسلّم السلطة !

اقرأ أيضا  ماذا لو كان ضياء ويسر ورزان يهودا؟

كان بشار الأسد يستخدم روسيا أيضاً ! استدرجها للوحل المغليّ ، واستخدمها ضد استطالة النفوذ الديني الإيراني ونفوذ حزب الله في سوريا الذين استغلّوا حضورهم العسكري للقيام بمهمتهم الحقيقة وهي إعادة الطائفة العلوية النصيرية إلى أحضان الديانة الاثني عشرية الشيعية لتكون إطلالتهم مباشرة على الساحل الشرقي كله للبحر المتوسط.

كانت قطاعات ليست قليلة من الطائفة يشدّها الإعجاب بالحرس الثوري ونضال الحزب في سوريا نحو قيمهم الدينية وبدؤوا يفرضون نمطاً دينياً يختلف عن النمط العلوي العلماني الذي لا يرعاه مشايخ وليس فيه علماء ولا معممون ولا التزامات ولا تكليفات بدنية … توقفوا عن شرب الخمر الذي لا تخلو موائدهم منه … إن العلويين يعودون إلى دين آخر غير الدين الذي نشأوا عليه لقرون !

اقرأ أيضا  الحرب السورية حصدت أرواح نصف مليون إنسان

كان الروس يشعرون بقيمتهم ويشعرون بحاجة بشار الاسد إليهم ، فهم الذين أقنعوه بالكثير من المبادرات السياسية الداخلية ، وهم الذين دفعوه للتفاوض في جنيف، وهم الذين دفعوه لفتح سجونه في عمليات تبادل، وهم الذين فرضوا عليه هدنة لا يريدها، وهم الذين أجبروه على فك الحصار الشامل عن مناطق منكوبة في سوريا …، نقلوه إلى بوتين في طائرة شحن ، منعوا حزب الله من الرد على الإسرائيليين ، ومنعوا فتح جبهة إشغال في الجولان … هم سادة سوريا الآن ، إنهم يحكمون كل شيء … أصبح الروس مزعجين جداً لبشار الأسد !

كانت اللحظة الحاسمة يوم قرر بشار أن يوقف الروس عند حدّهم بأنه ليس نقطة تفاوض في جنيف ، وأنه لن يتنازل لأحد عن موقعه ، ولن يسمح بحكومة انتقالية كما اتفق الروس مع الأمريكان ، وليذهب الروس إلى الجحيم … إنكم لا تعرفون بشار الأسد ! إنه فوق الجميع وأكبر من الجميع ، إنه من يفهم وحده ، وأنتم لا تفهمون سوى ما بين أقدامكم ، إنه ليس محتاجاً إلى روسيا ولا إيران ولا حزب الله ولا حتى سوريا… سيشعل سوريا كلها إذا لزم الأمر ، وسيحرق كل جيرانه وستصل النار إلى كل مكان وستدخل تل أبيب وعمّان والرياض وأنقرة … وسينجو بشار من بين النيران والدخان لأنه الوحيد الذي يعرف سبل النجاة فهو من أشعل النار ورسم مسار اللهب !

اقرأ أيضا  تركيا تقدم إنجازا جيدا في سوريا

إن الحفلة لم تبدأ بعدُ ! قالها الروس من قبلُ ، لكن من جعلها في لسانهم هو بشار الأسد !

لم يعد الآن سوى أن يلتف الجميع حول السوريين وحدهم ليقرروا كيف سيتعاملون مع الأسد المغرور الجريح والوحيد في الميدان … أي قرار يتجاوزهم ويريد فرض حلول عليهم سيطيل عمر النار !

المصدر : موقع مجلة “البيان”