دروس وفوائد من أقوال وأفعال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3) هيئة اليدين في الصلاة
السبت 24جمادى الثانية 1437// 2 أبريل/نيسان 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ مثنى الزيدي
سلسلة: دروس وفوائد أقوال وأفعال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الدرس الثالث: هيئة اليدين في الصلاة
قال الإمام أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ يَعْنِي ابْنَ أَعْيَنَ، عَنْ أبي بَدْرٍ، عَنْ أبي طَالُوتَ عَبْدِالسَّلَامِ، عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ أبيهِ، قَالَ: “رَأَيْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الرُّسْغِ فَوْقَ السُّرَّةِ”، قَالَ أبو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَوْقَ السُّرَّةِ، قَالَ أبو مِجْلَزٍ: تَحْتَ السُّرَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
والحديث رواه أبو داود[1].
حيث رأى جرير الضبي أبا الحسن رضي الله عنه يُمْسِكُ شمال يديه باليمين في الصلاة على الرُّسْغ ويَضَعُهَا فوقَ السُّرَّة، وهذا مِن أفعاله رضي الله عنه في هيئة اليدين في الصلاة، فهذا هو فعل الإمام علي رضي الله عنه في الصلاة.
فوائد حديثية:
الحديث بهذا الإسناد حسنٌ والله أعلم.
لأَنَّ فيه شجاع بن الوليد بن قيس السكوني وهو صدوق، وفيه رجلان مقبولان، وهما غزوان بن جرير الضبي، وجرير الضبي.
قال البيهقي: “حديثٌ حسنٌ”[2].
وقال المباركفوري: “إسناده صحيحٌ أو حسنٌ”[3].
أمَّا الألباني فقال: “في السنَد قولان، القول الأوَّل: محتملٌ للتحسين”، جاء قوله هذا في أثناء تضعيفه لحديث علي: قال: “إِنَّ مِن السنة في الصلاة وَضْعَ الأَكُفِّ على الأَكُفِّ تحت السرة”[4]، وقال: “وهذا إسناد ضعيف”، وبعد أن ساق أقوال الأئمة في تضعيفه قال: “قلتُ: ومما يدل على ضعفه أَنَّه رُوِيَ عن علي خلافه، بإسناد خير منه، وهو حديث ابن جرير الضبي عن أبيه قال: “رأيتُ عليًّا رضي الله عنه يُمْسِكُ شِمالَه بيمينه على الرُّسغ فوق السرة”، وهذا إسناد مُحتَمِل للتحسين، وجزم البيهقي بأنه حسن”[5].
فنرى أنَّ الألبانيَّ احتَجَّ به على تضعيف غيره، ويبدو أنه تأثَّرَ بجزم البيهقي أنه حَسَنٌ.
“والقول الثاني: ضعيف الإسناد”، وعلَّل تضعيفه بقوله: “ابن جرير ووالده لم يُوَثِّقْهما غيرُ ابن حبان، وابن حبان معروفٌ بتساهُله”[6].
وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، والبيهقي مِن طريق مسلم بن إبراهيم، كلاهما عن عبدالسلام بن أبي حازم بهذا الإسناد بلفظ: “كان علي، إذا قام في الصلاة وضع يمينَه على رُسغ يساره، ولا يزال كذلك حتى يركع متى ما ركع، إلَّا أنْ يُصْلحَ ثوبَه أو يَحُكَّ جسدَه، ولم يذكرا فيه “فوق السرة”، وقال البيهقي: إسناده حسن[7].
وبهذا اللفظ – أي دون قوله” فوق السرة” – علَّقه البخاري في الصحيح[8]، ووَصَله الحافظ ابن حجر من طريق مسلم بن إبراهيم وحسَّن إسناده بقوله: “وهو إسناد حسن”[9].
فالحديث بهذا الإسناد حسنٌ والله أعلم، ويحتمل أنْ يكون صحيحًا لغيره بالشواهد التي ذكرت، والله أعلم.
فوائد فقهية:
للفقهاء في هيئة وضع اليدين أقوال:
أ- ذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة[10] إلى أنَّ مكان وضع اليدين تحت السرة، فيُسَنُّ للمصلي أَن يضعَهما تحت سرته، لقولٍ نُقل عن علي رضي الله عنه: “مِن السنة وضعُ الكف على الكف تحت السرة”[11]، ولكنني تكلمتُ عن هذه الرواية في الفوائد الحديثية.
قال الحنابلة في روايةٍ: “ومعنى وضعِ كفِّه الأَيمن على كُوعه الأَيسر وجعلِها تحت سُرَّتِه أَنَّ فاعلَ ذلك ذو ذُلٍّ بين يدَيْ ذي عزٍّ”[12]، لكنَّ الحنفية خصُّوا هذا بالرجل، أَمَّا المرأةُ فتضعُ يدها على صدرها عندهم، والحكمةُ مِن ذلك هو الابتعاد عن التشبُّه بأَهل الكتاب”[13].
ب- وذهب الشافعية والرواية الأُولى عند الحنابلة[14] إِلى أَنه يُسَنُّ وضعُ اليدين تحت الصدر وفوق السرة، لحديث وائل بن حجر: “صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليُمنى على يده اليسرى على صدره”[15]، والحكمة في جعلهما تحت صدره: أَنْ يكون فوق أَشرف الأعضاء وهو القلب، فإِنَّه تحت الصدر، وقيل: الحكمةُ فيه أَنَّ القلب محلُّ النية، والعادةُ جاريةٌ بأَنَّ مَن احتفظ على شيء جعل يديه عليه[16].
ج- وأما المالكية[17]: ففي النفل القبض، وفي الفرض الإرسال، واستدلوا بحديث وائل بن حجر السابق، والقصد من القبض المذكور تسكين الجوارح.
فوائد عملية:
1- دلَّ الحديث على أَنَّ المشروعَ وضعُ اليُمنى على اليُسرى دون العكس، ولا خلاف فيه بين القائلين بمشروعية الوضع[18]، والخلافُ في مكان الوضع وهو خلافٌ فرعيٌّ.
2- المرأة تخالف الرجل، فتضع يديها على صدرها سترًا لها، وهو رأي الأئمة الأحناف رحمهم الله تعالى.
________________________________________
[1] سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة 1/ 201 برقم 757.
[2] ينظر: السنن الكبرى، سنن البيهقي، حققه: محمد عبد القادر عطا، 2/ 130.
[3] ينظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 2/ 79.
[4] سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، 1/ 201 برقم 756، ومسند أحمد، مسند الخلفاء الراشدين، مسند العشرة المبشرون بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، 2/ 222 برقم 875.
[5] إرواء الغليل، 2/ 69-70.
[6] ينظر: ضعيف أبي داود، 1/ 294.
[7] سنن البيهقي، كتاب الصلاة، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، 2/ 45 برقم 2333، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب الصلاة، وضع اليمين على الشمال، 1/ 343 برقم 3940، وأخرجه أيضاً في كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة، باب الرجل يسترخي ازاره في الصلاة، 2/ 255 برقم 8722.
[8] صحيح البخاري، كتاب الصلاة، أبواب العمل في الصلاة، باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة، 1/ 400.
[9] تغليق التعليق على صحيح البخاري، 2/ 442.
[10] ينظر: المبسوط، 1/ 24، والعناية شرح الهداية، 1/ 287، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، لمصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيباني مولداً ثم الدمشقي الحنبلي (ت: 1243هـ)، 1/ 425.
[11] أخرجه أبو داود في سننه، وقال الزيلعي: قال البيهقي في المعرفة: لا يثبت إسناده، تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك. ينظر: نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، لأبي محمد، جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت: 762هـ)، حققه: د. محمد عوامة، 1/ 314.
[12] ينظر: كشاف القناع، 1/ 334.
[13] ينظر: المبسوط، 1/ 24.
[14] ينظر: المجموع شرح المهذب، 3/ 313.
[15] حديث وائل بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة،باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة قبل افتتاح القراءة 1/ 243 برقم 479، وإسناده ضعيف لكن له شواهد تقويه. ينظر: صحيح ابن خزيمة، حققه: د. محمد مصطفى الأعظمي، 1/ 243.
[16] ينظر: المجموع 3/ 313، وأسنى المطالب، 1/ 145، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، 1/ 548.
[17] ينظر: بداية المجتهد 1/ 146، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل، 2/ 411.
[18] ينظر: نيل الأوطار، 2/ 219.
-الألوكة-