رحمة الله بالإنسان

الخميس 6 ذو الحجة 1437/  8 سبتمبر/ أيلول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

الشيخ وليد بن فهد الودعان

رحمة الله بالإنسان

أما أنت أيها الإنسان، فمَن الذي برحمته أوجَدَك ولم تكن شيئا مذكورًا؟ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 1، 2]، ومَن الذي كلَأَك برحمته وأنت في بطن أمِّك في ظلماتٍ ثلاث لا حول لك ولا قوَّة، يأتيك طعامك وشرابك وأنت في قرارٍ مَكين وحِصنٍ أمين؟

ومن الذي برحمته سهَّل لك مخرجك، ثمَّ رقَّق لك قلبَ أمِّك حتى تقبِل عليك فتقبِّلك وتضمك بعد ذلك الجهد الجهيد الذي أصابها، ثمَّ هداك لطعامك وشرابك، ورقَّق لك قلبَ أبيك حتى سعى في تحصيل لقمتك وتسهيلِ معيشتك، وخلَقَك خلقةً سويَّة ووهبك عقلًا تدرِك به محاسِنَ أمورك ومساوئها، ثمَّ أحاطك بنِعَمه ومنَنِه، وأرسل لك رسلَه ليرشدوك إلى نجاتك وسعادتك، وخصَّك برسول الهدى والرَّحمة الذي أرسله بالرَّحمة للعالمين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، قال ابن القيم: “فإنَّ رحمته تَمنع إهمالَ عِباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غايةَ كمالهم، فمَن أعطى اسمَ الرحمن حقَّه عرف أنَّه متضمن لإرسال الرُّسل وإنزالِ الكتب أعظم من تضمنه إنزالَ الغيث وإنبات الكلَأ وإخراج الحبِّ، فاقتضاءُ الرَّحمة لِما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لِما تحصل به حياةُ الأبدان والأشباح، لكنْ المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك”[1].

اقرأ أيضا  شهادات المنصفين لمكانة المرأة في الإسلام

وإنَّ من أعظم النِّعم أنْ هداك الله للإسلام ووفَّقك للإيمان دون سبَبٍ منك أو نسَب؛ بل بفضل مَحض، ثمَّ إنَّ من رحمته سبحانه أن شرع للعباد شرْعَه، فلا تظن أنَّ رحمته مختصَّة بما وهَب وأعطى؛ بل إنَّ من رحمته أن شرع فأوجب ومنَع، ولعلَّ مِن أوضح الأمثلة على ذلك الصلاة؛ فهي تفيض بمعاني الرَّحمة لمن تأمَّل، ويكفي أنَّها صِلَة بين العبد الضَّعيف وخالقِه وسيِّده ومولاه، فهذه الصِّلة وتلك المخاطبة بكلام الملِك العظيم في اليوم خمس مرَّات بل وأكثر لِمن تطوَّع لَهي من أعظم ما يبيِّن رحمةَ الله بعبده، وهل سعادة العبد وسلوته وأنسه إلَّا بخالقه؟ ومَن مِن ملوك الدنيا يأذَن لرعيَّته بأن يلِجوا عليه في اليوم خمس مرَّات؟ قال أبو بكر المزني: “من مثلك يا ابن آدم، خلَّى بينك وبين المحراب وبين الماء، كلَّما شئتَ دخلتَ على الله عزَّ وجل، وليس بينك وبينه ترجمان؟”.

اقرأ أيضا  حقيقة الإيمان

ثمَّ إن الله تعالى أذِن لك أن ترفع حوائجَك إليه في أيِّ وقتٍ شئتَ؛ بل ورغَّبك في ذلك دون أن تستأذن حاجبًا أو خادمًا، ثمَّ وعدك على ذلك بإجابة سؤالك وطلبك، فأي رحمةٍ أعظم من تلك الرحمة؟

وهذه المرأة المسلِمة لو تأمَّلَت ما شرَعَه الله لها من منطلق هذا الاسم العظيم – لاطمأنَّ قلبها وسمَت بالإيمان نفسُها، ولم تعترِض على أحكام ربها، وكيف تعترض على ما هو رحمة بها وحِفظ لها؟! فالله برحمته شرَع لها ما حفِظ لها حياءها وحشمتها، وجعلها دُرَّةً مَصونة وجوهرةً مكنونة.

[1] “مدارج السالكين” (1 / 14).

-الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.