رمضان وفتح أبواب السماء

السبت 20 رمضان 1437/ 25 يونيو/ حزيران 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

د. خالد راتب

في سياق آيات الصيام وفرضيَّته على الأمة -كما فرض على الذين من قبلنا- ذُكِر قوله -تعالى-: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

  • يقول الشيخ سيد قطب في هذا المعنى:

“وقبل أن يمضي السياق في بيان أحكام تفصيلية عن مواعيد الصيام، وحدود المتاع فيه، وحدود الإمساك – نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفايا السريرة، نجد العِوَض الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم، والجزاء المعجَّل على الاستجابة لله، نجد ذلك العِوَض وهذا الجزاء في القرب من الله، وفي استجابته للدعاء”.

وذكر الدعاء في آيات الصيام يدل على أهمية الدعاء وأثره في التغيير؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يَزِيد في العمر إلا البر))؛ أخرجه الترمذي، وانظر: السلسلة الصحيحة 1 / 236.

الدعاء وفتح أبواب السماء:

الدعاء ملاذ العباد: مؤمنهم وكافرهم؛ فالكافر إذا أصابه الضُّر وضاقت عليه الدنيا، فإنه يلجأ إلى ربه؛ ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].

فدعاء الكافر في حالة الاضطرار مسموع، فكيف بدعاء عباد الله الصالحين، وهم ينادون؟!

  • ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ [آل عمران: 193].
  • ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201].
  • ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا ﴾ [الفرقان: 74].
  • ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10].

كل هذه النداءات والدعوات تُفتَح لها أبواب السماء “.

فالدعاء هو سفينة النجاة، وهو السيف البتَّار الذي يهلك الظالمين، فكم من ظالم أهلكه الله بالدعاء، ولا سيما في جوف الليل، حين يعتصر المظلوم ألمًا من الظالم، فهو يدعو متيقنًا بقول الله في الحديث القدسي: ((وعزتي وجلالي، لأنصرنَّك ولو بعد حين))؛ رواه الطبراني وقال الشيخ الألباني: حسن لغيره، ولما حُبس خالد بن بَرْمَك وولده في نكبة البرامكة المعروفة، قال ولده : “يا أبتي، بعد العز صرنا في القيد والحبس”، فقال: “يا بني، دعوة المظلوم سَرَت بليلٍ، غفَلنا عنها ولم يغفل الله عنها”؛ انظر: كتاب الكبائر، ص ( 107).

اقرأ أيضا  في صوم يوم عاشوراء

هل أنت أهل للإجابة؟

إن الذي يدعو ربه فائز في كل الأحوال، إما باستجابة دعوته، أو ادِّخارها له في الآخرة؛ عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما من مؤمنٍ ينصب وجهه إلى الله، يسأله مسألة، إلا أعطاه إيَّاها: إما عجَّلها له في الدنيا، وإما ذخَرها له في الآخرة ما لم يَعجَل))، قال: يا رسول الله، وما عجلته؟ قال: ((يقول: دعوت ودعوت، ولا أراه يستجاب لي))؛ قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وهذا يدفع الكل أن يرفعوا أيديهم إلى الله، ويلوذوا بـ”يا ذا الجلال والإكرام” في سجودهم، وقيامهم في رمضان، وفي وقت السَّحر، وهم صائمون سائحون في رياض الطاعات، في شهر القرب من الله، الكل يرفع الأيادي إلى الله، ولكن لماذا تتأخر الإجابة؟

تتأخر الإجابة؛ لأن الذي يدعو لم يكن أهلاً للإجابة، ولكي يكون العبد أهلاً لاستجابة الدعاء، لا بد أن يعرف أن استجابة الدعاء لها شروط، وهي:

1- أن يدعو وهو موقن بالإجابة، ولقد فتح الله لنا باب الأمل لعباده بهذا الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي))؛ (متفق عليه)، والظن هنا بمعنى اليقين؛ أي: إذا تيقَّنت بالإجابة، وفي قدرة من يقول للشيء: كن فيكون، فسوف يُستجاب لك، وإن شكَكت لحظة واحدة في هذه القدرة، فلا تلومنَّ إلا نفسك.

2- أن تُغذَّى بالحلال الطيب، فلا يسري في جسدك لقمة أو شربة من حرام؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وأمر رُسله أن يأكلوا من الطيبات قبل أن يعملوا صالحًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51].

والدعاء عمل صالح، لا يقبله الله إلا إذا أكل الإنسان من الطيب الحلال، وهذا ما نبَّه عليه قُدوتنا – صلى الله عليه وسلم – حيث ((ذكر الرجل يُطِيل السفرَ، أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، ومَلبسه حرام، وغُذِي بالحرام؛ فأنَّى يستجاب لذلك))؛ (رواه مسلم).

اقرأ أيضا  إدريس عليه السلام

3- ألا يتعدَّى في الدعاء، بأن يقول: دعوت ولم يستجب لي، أو يدعو بقطيعة رحمٍ أو إثم، أو أن يتكلف في الدعاء بالمبالغة في السجع وينسى حرارة الدعاء.

4- الدعاء بالمأثورات القرآنية والنبوية: هناك أدعية في القرآن دعا بها الأنبياء والمرسلون والصالحون، فكشف الله بها الضُّر، وجلَب لهم بها النفع.

انظر إلى دعاء يونس – عليه السلام – وهو في بطن الحوت، وفي ظلمة البحر والليل، ماذا قال؟

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فماذا حدث: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].

وزكريا – عليه السلام – بماذا دعا؟ وكيف كانت الإجابة؟!

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 89 – 90].

ونوح – عليه السلام – دعا، فقال: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10].

فماذا كانت النتيجة؟

﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾ [القمر: 11 – 13].

وأما الدعوات النبوية المأثورة، فهي كثيرة جدًّا، تُراجع في كتب السُّنة.

5- استفتاح الدعاء بالثناء على الله والصلاة على نبيه – صلى الله عليه وسلم – وهذا ما نتعلمه من سورة الفاتحة؛ حيث بدأت بالثناء على الله: الحمد لله الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ثم جاء الطلب وهو الدعاء: اهدنا الصراط المستقيم، والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – لأننا مأمورون بالصلاة عليه في كل وقت: ﴿ صَلُّوا عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 56]، وهذا أمر مطلق يدخل فيه الدعاء.

اقرأ أيضا  الغضب عاصفة هوجاء

6- الإلحاح والتذلل في الدعاء: ولاسيما إذا كان ساجدًا بين يدي الله، وهو مسكين ذليل لصاحب العزة.

7- تخيَّر الأوقات الفاضلة للدعاء، ومنها: ساعة السحر وقت نزول الرب – سبحانه وتعالى – والساعة التي بعد صلاة العصر إلى المغرب من يوم الجمعة، يوم عرفة، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند إفطار الصائم.

8- كثرة الاستغفار قبل الدعاء وبعده: الدعاء من أجلِّ الطاعات، وكان من هَدي النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يستغفر قبل الطاعة وبعدها، وقد شهِد بذلك أصحابه؛ أخرج النسائي من حديث أبي هريرة، قال: “لم أر أحدًا أكثر أن يقول: ((أستغفر الله، وأتوب إليه)) من رسول الله – صلى الله عليه وسلم”.

وكان كذلك عندما ينتهي من صلاته يقول: ((أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)).

9- شعورك بعد هذه المقدمات بين يدي الدعاء بالنقص، وأن تتَّهم نفسك أنك قصَّرت في استلهام خزائن الله، وأنه ينبغي عليك أن تُظهِر أقصى ما عندك من افتقار ومسكنة، ففي يوم بدر سقط الرداء من على ظهر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو يدعو ربه.

ويتحتَّم عليك في كل وقت ألا تقطعَ صلتك بالله، وأن تكون دائمًا موصولاً بالله، عن طريق هذه العبادة، التي قال عنها خير البرية: ((الدعاء هو العبادة))؛ (صحيح أبي داود والترمذي).

ورمضان فرصة عظيمة لأن تتعلَّم فيها كيف تُفتح أبواب السماء عن طريق الوسائل التسع السابقة التي عرضتُها عليك.

-الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.