“صاروخ” بتر قدمي الجريح “محمود” وقتل أحلامه!
ياسمين عنبر صحافية وكالة معراج في غزة
كانت الشمس تميل إلى الغروب حين كان “محمود أبو غنيمة” ذو الخمسة عشر عامًا يستعد للذهاب إلى المسجد برفقة أصدقائه، يخططون بعدها للذهاب إلى ملعب كرة الطائرة!
ضجيج مفاجئ فوق رؤوسهم شتت انتباههم ولم يستمروا في الحديث موزعين أنفسهم كفريقين في الملعب، حين علا صوت طائرات الاحتلال الصهيوني في سماء غزة.
لم يكن يتوقع “محمود” أن حلمه في اللعب مع رفاقه قد تبدد، ليس في يومها فقط، بل إلى الأبد.. أدرك ذلك حين استيقظ على سرير المستشفى بعد ساعات ليرى أن قدمه قد بُترت.
كان “محمود” وقتها في عنفوان نشاطه وحركته، ليجد نفسه أنه بصاروخ غادر أصبح جليس سرير المستشفى بلا قدم.
فصول الحكاية لم تنته هنا، أدرك “محمود” ذلك حين كان حديث الأطباء يدور حول اضطرارهم لبتر قدمه الأخرى حتى لا يتسلل التسمم إلى جسمه العلوي ويفقد الحياة.
خمسة وأربعون يومًا كان يجب على “محمود” أن يلزم فيهم سرير المستشفى، غير أن جرحه قد التأم بسرعة أدهشت الأطباء وكل من رافق محمود في رحلة بتر قدميه في مستشفى الشفاء بغزة.
كان السؤال الذي نخشى أن نصله و”محمود” يروي حكاية وجعه لـ”وكالة معراج”، هو “كيف استقبلت أم محمود” هذه الفاجعة، ليبتسم “محمود” وهو يعبث بأزرار كرسيه الكهربائي ويحمد الله أن أمه انتقلت إلى جوار ربها قبل الحادثة، ويضيف “خاصة أن أخي قد استشهد بعد إصابتي وبتر أقدامي بسنوات قليلة”.
كرسي رياضي كان محمود يستخدمه منذ إصابته، يتحرك فيه إلى مدرسته ومسجده وشوارع غزة، إلا أن هذا الكرسي قد كسر مرارًا، ولم يستطع “محمود” تغييره كما أخبر “وكالة معراج” بسبب الضائقة المادية التي تعصف بغزة وأهلها منذ أن حكم عليهم بالحصار الخانق لمدة اثني عشر عامًا.
بتر ذلك الصاروخ قدمي “محمود” وأقعده عن السير، لكنه لم يمنع عنه أن يتخيل أن عصافير أحلامه في يوم ما سوف تعود لتغرد في قلبه ويمثل فلسطين في بطولات عالمية، وهو المعروف باحترافيته العالية في ألعاب القوى “القرص والجُلا والرمح”، فقد حصل على المركز الأول على مستوى قطاع غزة في مسابقات القوى حتى بعد إصابته وبتر قدميه.
“كيف ستصبح حياة محمود بعد تركيب الأطراف الصناعية؟” أجاب “محمود” على سؤال “معراج” بابتسامة ملأت قسمات وجهه، معتبرًا أن السؤال وحده كما التخيل فقط أعاد له الحياة، لا سيما حين روى لنا موقفًا مع طفلته “مرح” التي تسأله دائمًا “وين رجليك يا بابا”؟!
“مرح” التي تتعلق به كثيرًا كانت برفقته في نزهة ذات يوم، فسقطت أرضًا وهي تلعب فاضطروا للذهاب بها إلى المستشفى وإسعافها بسرعة ليظل “محمود” عاجزًا أمامها متألمًا بكل ما أوتي من حنان تجاهها، يقول دامعًا: “كنت بتمنى يومها يكون لي أقدام أجرى فيها عالمستشفى”.
خرج “محمود” والذي يبلغ الآن من العمر ثمانية وعشرين عامًا من مدينة غزة مرارًا، يقاسي ما يعانيه المسافرون منها، لكنه هذه المرة حين خرج إلى تركيا يأمل أن يتحقق حلمه في أن يعود إلى غزة بقدمين صناعيتين ويتمكن من حمل أطفاله كما يحلم منذ سنوات، وأن يقذفهم في السماء يضحكون ويعيدهم إلى حضنه واقفًا على قدميه.
وكالة معراج للأنباء