طرائق الوحي
الأحد 11 ربيع الأول1438 الموافق 11 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د.علي العتوم
حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك عن هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : (يا رسولَ الله، كيف يأتيك الوحيُ ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أحياناً يأتيني مثلَ صلصلة الجَرَس، وهو أشدُّه عليّ، فيُفصَمُ عنّي، وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي المَلَكُ رَجلاً فيكلِّمني فأعِي ما يقولُ، قالت عائشةُ رضي الله عنها ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحيُ في اليوم الشديدِ البردِ، فيَفصِمُ عنه، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقاً) .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري بعناية عبد العزيز بن باز – الجزء الأول، المطبعة السلفية، حديث رقم 2 ص 18 .
تعليقات:
11- الحارث بن هشام : هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، أخو أبي جهل . اشترك في معركة بدر كافراً، وفرَّ منها، وقد عيّره بذلك حسّان بن ثابت بقوله :
2- تركا لأحبّةَ أن يُقاتِلَ دونَهم ونجابر أسِطِ مِرّةٍ ولِجامِ
فاعتذر الحارث عن ذلك بقوله:
3- اللهُ يعلمُ ما تركتُ قتالَهم حتى علَوْا فرسيب أشقرَ مُزبِدِ
أسلم عام الفتح السنة الثامنة للهجرة وحسن إسلامه، وأعطاه الرسول «صلى الله عليه وسلم» مئة ناقة من غنائم حنين تألُّفاً له، وقد خرج بعد ذلك بأهله وماله إلى الشام مجاهداً في سبيل الله، واستشهد في معركة اليرموك عام 15 للهجرة.
44- أم المؤمنين: لقب يُقال لكل زوجة من زوجات الرسول «صلى الله عليه وسلم» لمكانتهن منهم في الحرمة والاحترام . الوحي: المقصود به هنا إمّا الموحى به للرسول «صلى الله عليه وسلم» من كلام الله، وإما حامله وهو جبريل «عليه الصلاة والسلام»، قال تعالى : } وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان{.
صلصلة الجرس : دقِّ الجرس وهو الناقوس الصغير، والصلصلة: صوت وقوع الحديد بعضه على بعض.
يفصم عني: يفارقني، يزايلني، يُقلع عني. يتمثّل لي الملك رجلاً: كما جاء يوماً ليسأله عن أمور : الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، وقال العلماء :« إنّ الرجل الذي كان يأتي جبريلُ الرسولَ بالوحي على شكله، هو الصحابي دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه».
إن جبينه ليتفصّد عرقاً : من شدة ثقل الوحي وشدة وقعه، بحيث لا يتحمله إلا رسول فكان هو محمّداً «صلى الله عليه وسلم» الذي صُنِع على عين الله، و (اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَه)، يتفصّد: يتصبّب.
ما يستفاد من الحديث:
أ. صور الوحي التي كانت تأتي الرسول صلى الله عليه وسلم من حامل ومحمول على عدّة أضرب: إمّا نفثاً (إلقاء بصوت) في رُوعه أي نفْسه وقال عنها مثل صلصلة الجرس، وإما بلقاء جبريل بصورته الطبيعية، وكان قد رآه على ذلك مرتين: الأولى بداية الدعوة بعد انقطاعه عنه فترة، إذ رآه في السماء بستمئة جناح والثانية في حادثة المعراج التي قال الله فيها:
}ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى{، وإما بصورة رجل كما أشرتُ سابقاً.
ومن صور الوحي كذلك الرؤيا في المنام، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء حق.
ب. ما جاء المسلمين عن الرسول «صلى الله عليه وسلم»، كله وحي من الله بواسطة وبغير واسطة سواء أكان قرآناً وهو الوحي المتلوّ أو حديثاً له (العادي والقدسي) وهو هنا الوحي غير المتلو، قال تعالى: } إن هو إلا وحيٌ يُوحى{.
ج. أهمُّ صفة من صفاته عليه الصلاة والسلام هي أنه رسول يُوحى له بالرسالة من الله جل وعلا وحده، وليس –كما يقول المفترون– إنها وسوسات أو خيالات وما إلى ذلك، } كَبُرت كلمةً تخرجُ من أفواههم إن يقولون إلا كذباً{.
الاثنين 5/12/20166م
-السبيل