عبودية السعي وعبودية التوكل

السبت،22جمادى الثانية1436//11أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د.خالد راتب
دكتوراه في الشريعة والقانون
العبودية لله تحتم على العباد السعي نحو تحقيق صلاح الدنيا والآخرة، فالمسلم الحق من يمشي في مناكب الأرض بجسده، وروحه معلقة في السماء، يغذي جانبه المادي مما خلق منه وهو الطين { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ } (ص:71)، وجانبه الروحي من الجانب العلوي بنور السماء { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} (الحجر: 29 )، وهذه هي التوازنية والوسطية في التعامل مع غذاء البدن والروح، وبهذا التوازن عبر التاريخ استطاع المسلمون أن يجدوا لهم مكانا في مسار الحضارات، وأجبروا العالم كله أن يقف وقفة المتعلم من الحضارة الإسلامية الباهرة، تلك الحضارة التي انطلقت من {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }(البقرة:30).
ومعنى استخلاف الله للبشر، وخلافتهم عن الله في الأرض يتطلب إطاعة المستخلف إطاعة كاملة، ولأن السيطرة على الأرض بتمكين الله للبشر تقتضي استغلال كل أوجه الخير فيها، من استنبات الزرع، وإحياء الضرع، وتشجير الأشجار، واستخراج المعادن والزيوت، واستثمار المناجم والمحاجر والمقالع، وإقامة المساكن والمصانع والقرى والمدن، حتى يعرف بكل ذلك ونحوه عظمة الله وقدرته، لأنه هو مانح الحياة لكل الموجودات.
فالخلافة الحقيقية هي التي تجمع بين تعمير القلوب والأبدان وتعمير الأكوان، بمنهج الله وفق سننه التي لا تتغير ولا تتبدل، ومن تلك السنن المطردة التي تغافل عنها كثير من الأجيال، أن السعي في الأرض والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، بل إن السعي الباب الأول الذي يدخل منه البشر على التوكل، ولا توكل بدون أخذ بالأسباب عند التمكن منها، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(المائدة: 23)، وقوله سبحانه: { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}(يونس: 84)، فجعل الله التوكل على الله شرطا في الإيمان، وكلما قوي الإيمان قوي التوكل والعكس، فالتوكل أصل مراتب الدين، لأنه يشمل الإيمان والإسلام والإحسان.
وأما الآثار الظاهرة للتوكل فيأتي في مقدمتها صحة التعامل مع الأسباب دون الاعتماد عليها أو التعلق بها، فهي وسيلة من وسائل الامتثال والطاعة لرب العالمين ؛ وذلك لأن الله قدر مقدورات مربوطة بأسباب، وأمر عباده بتعاطي هذه الأسباب، ولم ينف عنهم التوكل عليه، قال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10)، كما أن الأخذ بالأسباب من قدر الله، والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ولو نقص هذا الركن من أبجديات الإيمان لنقص مخزون الإيمان, ولو فقد لفقد الإنسان الإيمان كله. اتخاذ السبب عبادة بالطاعة وتحقق النتيجة قدر من الله مستقل عن السبب لا يقدر عليه إلا الله، وبذلك يتحرر شعور المؤمن من التعبد للأسباب والتعلق بهذا، وفي الوقت ذاته هو يستوفيها بقدر طاقته لينال ثواب طاعة الله في استيفائها.
ـــــــــــــــــــــــــــ
– الوعي الإسلامي

اقرأ أيضا  القرارات العقابية الأمريكية ضد الفلسطينيين إلى أين؟
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.