علاقة المسلمين وغير المسلمين في نسيج المجتمع المسلم

السبت 26 جمادى الثانية 1438 الموافق 25 مارس/آذار 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية

أ. د. فؤاد محمد موسى

سبق أن تناوَلْنا في السابق أن المجتمعَ المسلم نسيجٌ اجتماعي، يجب أن تسُودَه المحبةُ الكلية النابعة من حب الله تعالى، هذا الحب الذي يغشى الأمة بالسعادة والمودة والرحمة والألفة؛ نتيجة تطبيق منهج الخالق العالم بصلاح المجتمع ونسيجه الاجتماعي، فقد حدَّد الخالق طبيعة عَلاقة النسيج الاجتماعي بين كل عناصر المجتمع وأفراده، ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 388]، وهنا نتناول جزءًا مِن نسيج  المجتمع، وكيف يظله الحبُّ كله.

العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين:

المجتمع الإسلامي لا ينفي وجودَ أصحاب العقائد الأخرى غير الإسلامية ضمن المجتمع المسلم، فقد كانوا جزءًا مُعايِشًا للمجتمع الإسلامي في المدنية، وتعاهَدَ معهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على العيش مع الجماعة المسلمة، ضمن الدولة الإسلامية، كما كان الحال أيضًا عندما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصرَ، وكان بها طوائف غير إسلامية من المسيحيين، وقد عاشوا في مصر في ظل الدولة الإسلامية في حرية عقيدة وإقامة شعائرهم، ولم ينالوا هذه الحريةَ في ظل الدولة الرومانية التي كانت تَدين بالمسيحية أيضًا، ولكن على مذهب مخالف للمسيحيين في مصر، ولاقوا الكثير من الاضطهاد الديني من الرومان.

فالدين الإسلامي يأمُرُ الجماعة المسلمة بحرية العبادة للجميع في دولة الإسلام؛ ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 2566]، كما يأمرهم بالبرِّ بهم ومعاملتهم بالقسط؛ ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 88].

وهكذا ظلل هذا الحبُّ الكلي الإلهي على الكل في المجتمع المسلم، مسلمِه وغيره من غير المسلمين، وما أروع خاتمة الآية ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾! فحب تنفيذ العبد لمنهج الله تعالى يقابله حبُّ الله تعالى لعبده.

وهنا يجب أن نُفرِّق بين الدين والعقيدة، فالدين أعمُّ في مدلوله من العقيدة، إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة، وهو في الإسلام يعتمد على العقيدة، وفي الإسلام يمكن أن تخضع إجراءات متنوِّعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحدَه، ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدةَ الإسلام، فالإسلام إعلان عامٌّ لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو يهدفُ ابتداءً إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكميَّة البشر للبشر، وعبودية الإنسان للإنسان، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارًا بالفعل في اختيار العقيدة التي يرونها بمحض اختيارهم، بعد رفع الضغط السياسيِّ عنهم، وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم على أن يعتنقوا هذه العقيدة أفرادًا، فلا يكونون سلطة قاهرة يَدِين لها العباد، فمَن قَبِل هذا المبدأ وأعلنه قُبِل منه إعلانه هذا، ولم يفتِّشوا عن نيته وما يخفي صدره، وتركوا هذا لله تعالى.

ومِن صور العدل في المجتمع الإسلامي، الذي أمر به الإسلام: العدل لأهل الذمة، فلهم حريتهم في العبادة والعقيدة، فلا إكراه في الدين، وهم متساوون مع المسلمين في الحفاظ على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ظلم معاهَدًا، أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفس، فأنا حجيجُه يوم القيامة))؛ [سنن أبي داود].

كما كان عمر رضي الله عنه وأرضاه حريصًا على ذلك في وصيته لمن يخلفه مِن بعده قبل وفاته، فكتب له: (أن يُوفِّي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلَّفوا فوق طاقتهم).

وكم كان عمر رضي الله عنه عادلًا في معاملة غير المسلمين، حينما أتى إليه أحدُ أقباط مصر يشكو له اعتداء ابن عمرو بن العاص عليه بالضرب؛ لأنه سبقه في إحدى المسابقات، فأمر عمر رضي الله عنه بالقصاص من ابن عمرو بن العاص بأن يضربه القبطي كما ضربه، وقال قولته المشهورة لعمرو بن العاص معاتبًا: (متى استعبدتُم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا؟).

وقد خطب عمر في الناس، فقال: (إني والله ما أبعث إليكم عمَّالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا من أموالكم، ولكني أبعثهم إليكم ليُعلِّموكم دينكم وسُنَّة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فمَن فُعِل به سوى ذلك، فليرفَعْه إليَّ، فو الذي نفسي بيده، لأقتصنَّ له).

إن غياب هذا الفهم في مناهجنا التعليمية وفي وسائل الإعلام – قد أوقع الأمة في مشاكل داخلية وخارجية لا حصر لها؛ لبعدها عن الحب كله لمنهج ربِّها، والنور الذي بُعِث به نبيُّها صلى الله عليه وسلم، ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 1744].

ومن هنا يجب تربية أنفسنا وأبناء الأمة على ما يلي في مناهجنا التعليمية:

1- تعريف التلاميذ أن الإنسان له حرية الاعتقاد، فلا إكراه في الدين، وأن  للجميع حريةَ العبادة، وهم متساوون في المواطنة والحفاظ على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.

2- تعريف التلاميذ أن المجتمع يشمل المسلمين وغير المسلمين في  وطن واحد، وأن الحاكمية فيه لله تعالى، وعلى الجميع العيش معًا تحت سمائه في أمن، وعلى الجميع احترام حقوق الآخرين، والمحافظة على وحدة المجتمع وسلامته.

3- دراسة لأمثلة واقعية التي عاش فيها كل مِن المسلمين وغير  المسلمين تحت راية الإسلام في أمنٍ وسلامة، وكيف حافظ الإسلام على حقوق غير المسلمين، وذلك في موضوعات الدين والدراسات الاجتماعية والقراءة والنصوص الأدبية.

كما يجب على وسائل الإعلام أن يكون لها الدَّور الكبير في توحيد صف الأمة، بنشر هذا الفهم، لا ببثِّ الفتنة والفُرقة بين نسيج المجتمع، بحجة حرية الإعلام، ومن هنا نحقق سلامة النسيج الاجتماعي للأمة، بدلًا من مهاترات المغرضين والكارهين لمنهج الحب كله.

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 311].

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

إن حبنا لله تعالى سيُظِلُّنا جميعًا بظلِّ حبه، وما أعظمه من حب!

وكالة معراج للأنباء الإسلامية

اقرأ أيضا  رئيس الوزراء الكندي: قلوبنا مع المسلمين
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.