في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة
الأحد 5 محرم 1437//18 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. نوح علي سلمان (رحمه الله)
إن كل أمة من الأمم تجعل بداية تأريخها من حادث مهم في تاريخها، له أثر في حياتها المعاصرة، كما كان له أثر في أيامها الغابرة، ونحن أمة الإسلام تاريخنا حافل بالأحداث الجسام، منها ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها نزول الوحي عليه صلوات ربي وسلامه عليه، ومنها الهجرة المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ومنها الإعلان الرباني عن إكمال الإسلام وإتمام النعمة، ورضي الله عز وجل بالإسلام دينا لهذه الأمة الماجدة الخالدة.
ولكن الصحابة الكرام عندما اجتمعوا بقيادة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ليحددوا بداية للتأريخ الإسلامي، اتفقت كلمتهم على أن تكون البداية من العام الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وعلل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: “ما زال الإسلام عزيزاً منذ الهجرة”، أي أننا أمة وُجدت بالإسلام، والإسلام أخذ وضعه الصحيح الكامل بالهجرة النبوية، ويستوقفنا في هذا ثلاثة أمور:
الأول: إجماع الصحابة الكرام على أن من مظاهر استقلال الأمم أن يكون لها تاريخ خاص بها، يعبر عن خصوصية من خصوصيتها، ومقوم من مقومات شخصيتها، ولا يجوز أن تتبع أمة أخرى في تأريخها للحوادث الوقائع، ونحن بحمد الله تعالى ما زالت أمتنا تؤرخ بالهجرة تعبيراً عن اعتزازها بدينها، وتميزها واستقلالها عن غيرها، وولائها وحبها لصاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم.
وجزى الله القائمين على رصد وتدوين هذا التقويم كل خير، ففيه إلى جانب ما ذكرت الحفاظ على عباداتنا لنؤديها كما أمر ربنا عز وجل، سواء في ذلك الصلاة، والصيام والحج والزكاة.
والأمر الثاني: أن الهجرة أعز الله بها الإسلام وما ذلك إلا لأن المسلمين اجتمعوا في المدينة المنورة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم وصار للإسلام دولة تُعنى بنشره، وتحمي المسلمين من عدوان الظالمين وأذاهم، وصار المجتمع المدني الإسلامي يُجسد مبادئ الإسلام، ويعبر عنه في نظامه وتصرفات أفراده، فساد العدل والإحسان، صلة الأرحام، وقُطع دابر الظلم والعدوان، والفحشاء والمنكر عملا بقول الله عز وجل: “إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (النحل: 90).
والإسلام ما نزل ليكون مُثلاً يعجب بها الناس، ثم لا تجد طريقها إلى التطبيق، بل نزل ليطبقه الناس، فيسعد به كل الناس، وهكذا كان بعد الهجرة، فأخذ الإسلام وضعه الصحيح الذي أراده الله له، فحُق للصحابة أن يؤرخوا بالهجرة وأن نمضي على طريقهم في ذلك، لقد وجد الناس بعد الهجرة نماذج حية للإسلام ومبادئه، فأعجبوا بذلك إعجاباً جعلهم يدخلون في دين الله أفواجاً.
وإذا قارنا بين عدد المسلمين في العهد المكي وعدد الذين أسلموا بعد الهجرة، نجد الفرق كبيراً جداً، مع أن الداعي واحد، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنقصه الفصاحة ولا البلاغة، ولا الحكمة ولا الإخلاص، لكن تغيير الأسلوب بتغير الظروف، فإن الناس يتأثرون بما يرون أكثر من تأثرهم بما يسمعون، بل هم لا يستمعون للضعيف، ولا يقدرون الحق إلا إذا كان مشفوعاً بالقوة، وما زلنا إلى اليوم والحمد لله، نجد الدول الإسلامية تحمي المسلمين، وتعمل على نشر الإسلام، وإعلان شعائره.
أما الأمر الثالث: فهو أن الحاجة ماسة في هذا الزمان وفي كل زمان إلى أن يُعبر المسلمون بتصرفاتهم وسلوكهم عن الإسلام العظيم، الذي ندعو إليه، والذي يجب أن نظل ندعو إليه إلى قيام الساعة، يحمل راية الدعوة جيل بعد جيل، فإن الإسلام هدى الله الذي أنزله رحمة للناس ما بقي الناس.
وإذا كان البعض قد شوهوا صورة الإسلام بمخالفتهم للإسلام فإن على الغيورين على هذا الدين أن يجلوا الشبهة بتصرفاتهم الجميلة، المعبرة عن دينهم العظيم.
وإن مما يثلج الصدر أن الإقبال على الإسلام ما زال مستمراً إلى اليوم، بجهود المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية، ويدعون إلى الله بأقوالهم وأفعالهم، أينما حلوا في ديار الإسلام وغيرها.
وما زال الثناء والإعجاب بالإسلام ونبيه متواصلاً من كل العقلاء، حتى من غير المسلمين، وإذا وجدنا كلمة طائشة، أو تصرفاً أحمق، أو تعبيراً حاقداً للنيل من النبي محمد صلى الله وسلم فإن قدرة أعلى وأجل من أن ينال منه حقد الحاقدين، كيد الكافرين.
على أن هذه الإساءات يجب أن تزيدنا حباً لنبينا صلى الله عليه وسلم وتمسكاً بشريعته المطهرة،
فبارك الله لنا معشر المسلمين بالعام الهجري الجديد، وجعله الله عام خير وبركة، ونصر للأمة كلها، ولنعبر عن الإسلام بسلوكنا المستقيم وخلقنا الرفيع، تأسياً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.