في “كيدال” بمالي .. “أجراس المدارس” تهزم أصوات الرصاص

الإثنين 23محرم 1438 الموافق 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

باماكو

لأوّل مرّة منذ 4 سنوات، تدبّ الحياة من جديد في مفاصل “كيدال” شمالي مالي، مع فتح مدارسها أبوابها لاستقبال طلاّبها من جديد.

أجساد ضئيلة متفاوتة الأحجام تتدفّق على مدار اليوم باتجاه مدارسها، وتسلك طرقات كانت إلى وقت قريب تضجّ بأصوات الرصاص، وبأشباح المسلّحين من المتشدّدين ممن يتنازعون سيطرة المدينة مع بقية المجموعات المسلحة.

وشاح حزن ودّعته “كيدال” الإثنين الماضي، وهي تفتح مدارسها من جديد، معلنة عهدا يأمل السكان استدامته، من أجل وداع نهائي لانعدام الأمن المخيّم على مناطق الشمال المالي منذ 2012، تاريخ الانقلاب العسكري واندلاع الأزمة السياسية والأمنية في البلاد.

ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، فإنّ 62 مدرسة (إبتدائية وإعدادية وثانوية) فتحت أبوابها، الإثنين الماضي، في كيدال لاستقبال 3 آلاف و800 طالب.

المنظمة الأممية أشارت أيضا إلى أن “أكثر من 380 ألف طفل تتراوح أعمارهم من 7 إلى 15 عاما لم يرتادوا مدارسهم شمالي مالي في 2015″، موضحة أن “79 % من المدارس أغلقت في هذا العام بكيدال”.

استئناف الدروس يأتي بناء على اتّفاق بين “تنسيقية الحركات الأزواد”، أبرز المجموعات المسلّحة من الطوارق (حركة تمرد سابقة)، وائتلاف المجموعات المسلحة الموالية لباماكو، ينصّ على ضمان سلامة الطلبة والمدرّسين، في هذه المنطقة الخاضعة لإدارة المجموعات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام في مايو/ آيار ويونيو/حزيران 2015.

علامات الإرتياح بدت جليّة على وجوه سكان “كيدال”، ممن يشعرون أنه بإمكانهم اليوم ملامسة السلام ولو جزئيا من جديد عقب سنوات الخوف التي أجبرتهم إما على ملازمة منازلهم أو على الفرار بحثا عن ملجأ آمن في دول الجوار، بحسب شهادات لعدد منهم للأناضول.

اقرأ أيضا  الأزهر: جماعات العنف لطخت الإسلام بألوان الدماء

بوبكر، أحد هؤلاء السكان، إلتقته الأناضول متوجّها نحو مدرسة حيّه حيث يتابع ابنه دروسه.. لم يكن بحاجة إلى سؤال ليسترسل في حديث طويل عن سعادته البالغة برؤية ابنه ذو الـ 9 سنوات يعود إلى مقاعد الدراسة من جديد.

“خسر ابني 4 سنوات دون تعليم”، يقول باستياء: “ولقد كنا مجبرين على ذلك، لأن أصوات الرشاشات كانت تملأ المنطقة، حتى أننا كنا نضطر إلى ملازمة منازلنا أسبوعا دون الخروج منها”.

وأضاف: “أنا سعيد لاستئناف الدروس في المنطقة، ولعودة السلام إليها”.

موسى كيتا، أحد الأساتذة بمدرسة في “كيدال” قال، من جانبه، للأناضول إنّ “حفل افتتاح مدارس المدينة انتظم الإثنين الماضي، ولقد شكّل الحدث بالنسبة لنا جميعا، سواء الأساتذة أو الطلبة”.

“سعداء لأننا استأنفنا الدروس بعد 4 سنوات بأكملها”، يتابع، “ونتمنّى أن تستعيد الحياة في مجملها نسقها الطبيعي في هذه المنطقة التي مزّقتها الصراعات الطائفية وأنشطة التهريب بجميع أشكالها”.

سعادة لم يتردّد مامادو سيديبي، والذي يرابط في باب مدرسة كيدال الابتدائية في انتظار خروج ابنه، في التعبير عنها للأناضول، فـ”أن نرى أبناءنا يعودون من جديد إلى مقاعد الدراسة”، يقول، “يمنحنا بعض الطمأنينة بشأن مستقبل منطقتنا المثقلة بالنزاعات، وكل ما أتمناه هو السلام الدائم في مالي”.

اقرأ أيضا  محنة مالك بن أنس

أما نجله الذي لم يتجاوز الـ 8 من عمره، فبدا بغاية السعادة وهو يصافح أصدقاءه.. وبصوت خافت متقطّع قال “أنا سعيد لأنني أخيرا التقيت أصدقائي وأساتذتي.. تغمرني سعادة عارمة لذلك”.

عودة لم يفوّت علي أغ محمد من “أكاديمية التعليم في كيدال” (لجنة تابعة لتنسيقية الحركات الأزوادية) فرصة الترحيب بها، رغم النقص المسجّل على مستوى الأساتذة بالمنطقة، على حدّ قوله.

أغ محمد أضاف للأناضول أن “الأمور ستتحسّن بشكل كبير مع الوقت، سيما وأن الجميع في كيدال يدركون أهمية المدرسة في حياة الناس، ولذلك فإن معظم السكان يحرصون على إرسال أبنائهم للحصول على نصيبهم من التعليم”.

من جهته، أّكّد إكنان أغ حامد حامد، المكلّف بالتعليم باللجنة، أن “قادة التنسيقية والمتطوّعين لطالما تبرّعوا بما تيسّر من الأموال للمساعدة على تعليم الأطفال حتى في الفترات الحالكة التي شهدتها المدينة وانقطعت خلالها الدروس”.

سعادة قال بعض سكّان كيدال إن موقف نقابات التعليم بالمدينة المنضوية ضمن ائتلاف واحد، لم ينجح في التقليص من منسوبها.

والثلاثاء الماضي، حذّر موديسامبا توري، المتحدّث باسم الائتلاف النقابي في تصريحات لوسائل الإعلام، من مغبّة تلبية الدعوة إلى العودة المدرسية، قائلا: “رفاقي الأساتذة بمنطقة كيدال، لا تولوا اهتماما بالأخبار التي بثّتها نشرة الثامنة”، في إشارة لأخبار العودة للمدارس.

ومشدّدا: “لازلنا على موقفنا: لا وجود لعودة مدرسية دون تأمين من دولة مالي”.

اقرأ أيضا  مقدمات غير مطمئنة

وبالنسبة له، فإن عودة مدرسية ناجعة تعتمد على التزام حقيقي من جانب الحكومة، والتي ينبغي أن تشرع قبل ذلك في “تقديم تعويضات للأساتذة، واستعادة المعدّات المدرسية المنهوبة، وإقرار منحة خطر لهيئة التدريس”.

مطالب لم يصدر بشأنها أي تعقيب من جانب السلطات المعنية حتى مساء أمس الخميس.

وتعيش مناطق الشمال المالي على وقع الاشتباكات وهجمات الجماعات المسلحة المنتشرة فيها، رغم توقيع اتفاق سلام، في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2015، بين الحكومة المركزية في العاصمة باماكو، وأبرز المجموعات المسلحة الأزوادية.

وفي 2012 سيطرت حركات أزوادية وجماعات إرهابية (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حركة التوحيد والجهاد في الغرب الإفريقي، وجماعة أنصار الدين) على شمال البلاد وخاصة على ثلاث مدن رئيسية (كيدال وتمبكتو وغاو).

وأدى تدخل القوات الفرنسية بدعم دولي في يناير/ كانون الثاني 2013، إلى طرد الجماعات الإرهابية من مدينتي غاو وتمبكتو، وأبقت منطقة كيدال تحت سيطرة الحركات الأزوادية (تضم مسلحين من سكان المنطقة) ،، وفقا الأناضول.

وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.