قراءة في التقارب الحمساوي المصري
د. أيمن أبو ناهية
الثلاثاء 13 جمادى الثانية 1437// 22 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
لا أحد يناقش في سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، والأوضاع المعيشية الصعبة للغزيين نتيجة لإغلاق معبر رفح، وانتشار الفقر، وحاجة الناس للعلاج، وحالة الانقسام الفلسطيني، وأيضًا حالة العزلة السياسية لحركة حماس عربيًّا ودوليًّا، كل ذلك دفع حركة حماس للهروب إلى الأمام باتجاه السعي لترميم علاقاتها مع مصر ومحيطها العربي، وإن كلفها ذلك فاتورة باهظة من التنازلات على المستويين الداخلي والإقليمي لغايات الحفاظ على مستقبل الحركة المعزولة، وباختصار نجحت حركة حماس أخيرًا في إدارة علاقاتها الإقليمية ببراغماتية كبيرة، لم تستحضر فيها الشعارات، وغلبت المصلحة.
وقد ساءت العلاقات بين الطرفين باتهام مصر بصورة متواصلة عناصر من حماس بالاشتراك في عمليات ضد أمنها واستقرارها بالتدريب والتسليح أو المشاركة المباشرة، ولهذا هي تغلق معبر رفح بصورة شبه دائمة، وبدأت حملة هدم واسعة للأنفاق انتهت بعملية واسعة لغمر هذه الأنفاق بمياه البحر، ما أدى إلى تبعات معيشية أخرى، منها تهدم بعض المنازل أو تلوث مياه الشرب وغير ذلك، وكان آخر اتهام مصري لحركة حماس اتهامها بالمشاركة في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في شهر حزيران الماضي، وقد تصاعدت حدة الاتهامات والنفي إلى درجة أثارت بلبلة كبيرة، فكانت القاهرة ووسائل إعلام مصرية عديدة تشن حملة شعواء على حماس، وترد حماس وكبار قادتها بالنفي والتكذيب، ما أساء كثيرًا إلى القضية الوطنية بصورة عامة.
وقد تفاجأ الجميع باستقبال القاهرة وفدًا من حركة حماس على مستوى عالٍ لإجراء محادثات مطولة مع كبار قادة الاجهزة الأمنية وبعض المسؤولين، وقد كانت هذه خطوة إيجابية بامتياز، وتحركًا يعد السبيل الوحيد لمواجهة الخلافات والاتهامات، والبحث عن حلول للمأزق المأسوي في العلاقات المصرية الحمساوية وما يترتب على ذلك من تحسين لعلاقة مصر مع شعبنا عمومًا وأبناء غزة بصفة خاصة، وإذا كانت مصر تتهم وحماس تنفي فليضع كل طرف أوراقه على الطاولة أمام الآخر حتى تظهر الحقيقة ويغلق هذا الملف المؤلم.
لا أحد يمكنه إنكار دور مصر التاريخي على مر العصور في الدفاع عن أرضنا وشعبنا وحقوقنا، وقد قدمت الكثير من التضحيات، وتحملت الكثير من المعاناة في سبيل ذلك، ولا تزال حتى اليوم هي السند الرئيس لقضيتنا، وكلنا أمل في أن تؤدي اللقاءات إلى انتهاء الأزمة وتوقف حملات الاتهامات والحصار؛ فالتقارب بين حماس ومصر تقارب استدراك؛ فحماس تريد إشراك مصر والاستقواء بها مقابل تسهيلات، ومصر تريد لعب دور الوسيط، وترى أن غزة باتت محل حجيج دولي، ولا يمكنها التغافل عن ذلك وتركه يمر عبر قطر وتركيا والإمارات.
فمصر لا يمكن أن تقدم على إذابة الجليد في علاقاتها مع حركة حماس دون مقابل تقدمه الحركة يثبت ويؤكد حسن نيتها فيما يتعلق باستحداث العلاقات بين الطرفين، وعامل السلفية الجهادية غير كافٍ، فلا يمكن أن تكون اللقاءات بين المخابرات العامة وقيادات حماس تتعلق بالتعاون ضد السلفية فقط، هذه اللقاءات تعني أن حماس ومصر تلتقيان في ملف الهدنة المتوقعة، وأن مصر تريد دور الوسيط وحماس لا تمانع، الأمر الذي يفسره دخول الدوحة على خط العلاقات واللقاءات، كونها هي عراب الهدنة ولا يمكن تجاهلها من أجل تمرير الاتفاق، وخبرة مصر في هذا الملف تقتضي من حماس أن تشركها وتستشيرها وتستأمنها ضامنًا.
أقول: إن كل تضحية نقدمها يجب أن تصب في مصلحة شعبنا الذي يعاني من حصار هنا واستيطان هناك، ويكفي ما نحن فيه من انقسام وتشرذم، ويكفينا خلافات مع جهات عربية متعددة، ولابد من إيجاد المخرج، ومرة أخرى أقول: كلنا أمل في أن تثمر لقاءات القاهرة حلولًا، ولا مخرج من هذا المأزق إلا بالحوار والمصارحة، وفي هذا السياق لابد من تأكيد أهمية دورنا الفلسطينيين وحماس بصورة خاصة في إنهاء الحصار وفتح معبر رفح بصورة مستمرة، إن مصر تطالب بأن تتولى السلطة الوطنية المسؤولية عن المعبر والحدود مع القطاع، وأعتقد أن خطاب الحركة أصبح إيجابيًّا في هذا الموضوع، إذ أبدت موافقتها بهذا الشأن في مباحثات المصالحة مع حركة فتح التي جرت قبل أيام قليلة في قطر.
المصدر : فلسطين اليوم