قرار الضفة وانتصار حماس الجديد
الخميس،18 رجب 1436//7 مايو/أيار 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
مهنا الحبيل (كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي)
يعتبر تقدم القوائم الطلابية المنتمية لحركة حماس في جامعتين مهمتين من جامعات الضفة الغربية -خاصة فوزها في جامعة بيرزيت العريقة- رسالة مهمة جدا تعكس حجم المكانة الشعبية لحركة حماس في أوساط الشعب الفلسطيني.
ومما يزيد من وهج هذا النجاح أنه تم هذه المرة هذه المرة في الضفة الغربية حيث تهيمن سلطة الرئيس عباس وأنصاره من حركة فتح على مسارات الحياة اليومية المتزامنة مع مطاردات أمنية شرسة ضد أي كادر حماسي قيادي أو شبابي متعاطف.
هذا الفوز جاء في توقيت صعب ومهم للغاية لحركة حماس التي تحاصر بسبب قيادتها المشروع الفلسطيني المقاوم من الجانبين المصري والإسرائيلي، ويمارس عليها وعلى قاعدتها الشعبية في غزة خنق لم يسبق، في حين أن هذا القرار الانتخابي يأتي من الضفة الغربية حيث ملاعنة حماس مستمرة، وحيث يستخدم بعض الرخاء المعيشي النسبي كأداة ضغط على شعب الضفة، لتعزيز ربطه بسلطة الرئيس عباس ودفعه لمناهضة حماس قسرا.
صحيح أن جولات الانتخابات هي دورات مختلفة، كما أنها انتخابات طلابية لا تشريعية، لكن ذلك لا يغير من أهمية هذه النتائج وأنها تعكس حضورا وشعبية تحصدها حماس في الضفة الغربية بعد أن ارتفع رصيدها الشعبي بقوة في فلسطينيي المهجر، وكذلك باتت الواجهة الوطنية والقومية لعرب 48 في ظل التضييق عليهم كراية وجود ومقاومة ورمز للشخصية والشباب الفلسطينيين.
ودعوة الرئيس عباس قيادات طلابية من فتح وتوبيخها على هذه النتائج، وأمره بفتح تحقيق في مسببات الهزيمة رغم الدعم المادي الضخم الذي قدم لها دلالة مهمة على هذه الرسالة المؤثرة في توازنات المشهد الفلسطيني، ومشروع حماس للمقاومة العسكرية أو السياسية التي تعلن الحركة تبنيها في صراعها مع إسرائيل.. في مراحل زمنية تضطر لمرحلة المقاومة وترتيب بوصلتها الزمنية.
إن هذا الحرج الكبير الذي شعرت به السلطة وداعموها في إسرائيل أو الوطن العربي يأتي بعد كل الجهد الذي صب لتحجيم حماس بعد عدوان 2014 وما قبله، والحرب السياسية العنيفة التي تلتها لمحاصرة حماس بعد فشل الآلة العسكرية في تدمير قدرات القسام التي استمرت بعد جولات العدوان في معدلات الصعود والتطور، واليوم تأتي رسالة شعبية من عمق نفوذ سلطات رام الله لتقول إن هذا المشروع يحظى بإعجاب وتأييد قواعد الشباب في الضفة الغربية، وليس غزة وحسب.
هي إحدى دورات النجاح الذي تنحته حماس من الصخر، ومن ظروف صعبة للغاية في تحقيق الفكرة الإستراتيجية لمشروع دحرجة المقاومة وتثبيتها على الأرض الفلسطينية بعد انهيار كامل لحركة فتح في مسار المقاومة والكفاح الوطني والعربي، وانسحابها الكلي من ميدان المقاومة إلا من بعض المجموعات التي تدار بموقف شخصي وفكري لا يزال مرتبطا بالنضال والقدس، وليس جزءا من البناء التنظيمي وتعليمات القيادة العليا لحركة فتح.
لقد مورس على حركة حماس بأس عسكري وسياسي شديد، ومع تفوقها في الميدان -وفقا للمعادلة النسبية مع الاحتلال- فقد نجحت في الخروج من عنق الزجاجة الشرس سياسيا بعد جولة العدوان الأخير، واستمرت في تحقيق تقدم نوعي بدأت رسائله تأتي من الخليج العربي لفك هذا الحصار المزدوج الشرس وإن كان ذلك لا يزال مبكرا للقياس عليه.
لكن المقصود قدرة المكتب السياسي بقيادة خالد مشعل، وتناغمه الدقيق مع الميدان، والبناء الاجتماعي للشعب في غزة والضفة والـ48 وفي المهجر، وتحول شريكه في المسيرة إسماعيل هنية (أبو العبد) -الذي تنازل عن موقعه بحيوية لكي تتشكل حكومة الحمد الله- إلى أيقونة كفاح كارزمية متواضعة بين شعبها، ومتسامية على كل الضغوط، هذه التشكيلة المؤثرة للمكتب السياسي تنجح مجددا في تجاوز مفصل صعب جدا خاصة بعد محاولة إيران الأخيرة استغلال هذا الحصار الشرس لحماس لاجتذابها من جديد.
لقد نفذ على حماس وشعب غزة حصار يجيز أكل الميتة، وأخذ رمق من أي يد، وليس فقط سلاحا عسكريا تدفع ببعضه إيران لشراء موقف حماس، لكن البناء السياسي القوي للحركة وبقيادة مشعل رفض كليا أي محاولة لاستقطاب حماس في المحور الذي انفكت عنه وكفرت به وإن خاطبته دبلوماسيا للضرورات، ورغم أن إيران دفعت بكل قوتها لاختراق حماس بموقف يتزامن مع تقهقر الثوار السابق أمامها في سوريا لتسترد وهجها المزيف مع حزبها في لبنان.
لكن القيادة السياسية الصلبة والذكية رفضت بقوة، مما دفع طهران لحرب شرسة على خالد مشعل، مستغلة اجتهادات وأخطاء د. محمود الزهار، غير أن طبيعة البناء لحركة حماس وتوازنات فريق المكتب السياسي وقيادة خالد مشعل المذهلة فوتت الفرصة عليها، وهكذا عادت حماس قوية متوازنة، وأسقطت كل حملات الأكاذيب عليها، وهي اليوم تفرض نفسها على طاولة المشهد العربي كممثل قوي للشعب الفلسطيني تعرض المصالحة على أجندة الشعب لا أجندة تل أبيب وحلفائها العرب والغربيين.
إن رفض حكومة الحمد الله المساهمة ولو بشق تمرة للتخفيف عن غزة، واستغلال الحصار الإسرائيلي والعربي الشرس عليها رغم كل التنازلات التي قدمتها حماس وتخليها عن حقوق مشروعة لها كممثل شعبي أول -وهو ما أكدته انتخابات الضفة الغربية الطلابية- يؤكد حقيقة طالما حاول إخفاءها الرئيس عباس، وهي أن رفض المصالحة والمراهنة على كسر شعب غزة بل الشعب الفلسطيني هو أزمة رام الله وفريقها، لعدم مصداقيتهما في تحقيق هذه المصالحة، مراعاة لشريك يبتزهما في تل أبيب ومراهنة على شريك عربي يعزز خنق حماس والتأييد الشعبي لها.
كل ذلك كان يخفي حقيقة مهمة، وهي أن رفع الحصار عن غزة لا يوجد له عائق مادي وإنما جدار من الأعذار يجب أن ينهار اليوم لحق شعب غزة، ومصلحة فلسطين الكبرى ومصلحة الاستقرار العربي، ولقد قدمت الأحداث الأخيرة دليلا على حجم وعي حماس ومسؤوليتها في الحفاظ على ضبط البندقية أمام العدو الأساسي، وصبرها على ضغوط شرسة لجرها للمستنقعات الخطيرة التي انفجرت في برنامج مطاردة الربيع العربي، ورأى الناس عيانا الفرق بين مسؤولية حماس المظلومة عربيا، وبين فوضى العنف الذي فجرته هذه المطاردات في سيناء وغيرها، والدماء التي تراق من المصريين.
ولذلك فإن تبليغ الرياض حماس رسميا أنها طرف رئيس محترم ومدعو لجولة مصالحة ستعود بها الرياض راعية، ونقل رد حماس وترحيبها في وسائل الإعلام الرسمية هما في صالح كل الشعب الفلسطيني وقضيته، كما أنهما يساهمان في تخفيف أعباء التوتر في المنطقة العربية، ولذلك فمن المهم المباشرة بفك الحصار عن غزة من الجانب المصري بتدخل سعودي عربي، كما أن مشروع الجسر المائي لغزة من تركيا المطروح في اتفاق وقف إطلاق النار يحتاج لدعم مماثل واتحاد فيه مع تركيا.
إن الشعب الفلسطيني قال كلمته مرارا في تمثيل حركة حماس له، ولذلك فإن مرحلة القطيعة أو التضييق -التي أفاد منها الكيان الصهيوني ولم تستفد منها الشعوب والمصالح العربية- يجب أن ترفع تقديرا لحق الأقصى وواجب نصرته وتجاوبا مع قرار فلسطين من المهجر إلى الضفة.
المصدر : الجزيرة.نت