قصة الإسلام في أوربا

السبت،15جمادى الثانية1436//4أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
طرق الإسلام أبواب قارة أوربا من الجهة الشرقية، وذلك بمحاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله عز وجل فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857هـ الموافق 1453م.
ومع أن دخول الإسلام إلى أوربا كان له أعظم الأثر علميًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا في قارة أوربا، فإننا نتعجب من هذا العداء الدفين في نفوس بعض الأوربيين للإسلام، والذي كانت آثاره واضحة في البوسنة والهرسك؛ حيث أعمل الصرب القتل في مسلمي البوسنة والهرسك بقصد واضح وهو التطهير العرقي.
ويعيش المسلمون في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى أخرى؛ وقد وَفَد السواد الأعظم من المسلمين إلى أوربا بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم بالبلدان الأوربية المستعمرة لها. كما أن أعدادًا كبيرة من سكان أوربا دخلت الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي؛مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية.
ويواجه المسلمون في أوربا الكثير من المشكلات، يأتي على رأسها جهل المسلمين هناك بكل شيء عن واقع وتاريخ أوربا التي يعيشون فيها، وافتقاد الجاليات المسلمة للقيادة الفكرية المستنيرة الناضجة التي تستطيع احتواء المهاجر المسلم وإرشاده إلى الطريق القويم، كما تعاني الجاليات الإسلامية من خلافاتها الداخلية مثل الخلافات العرقية والمذهبية، وتعاني أيضًا من مخاطر الاغتراب الفكري والروحي؛ لذا فإنَّ الحاجة أصبحت مُلِحَّة إلى فقهٍ للأقليات الإسلامية في الخارج، يدرس أحوال المهاجرين، ويحصر أمرها لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسِّر حياة إخواننا في الخارج.
وفي حين نجد نظرة إيجابية من بعض الدول الأوربية للمسلمين كبريطانيا وسويسرا، نجد على النقيض من ذلك رفض إيطاليا الاعتراف بالإسلام كدين رسمي، وينظر الألمان للمسلمين على أنهم خطر على المجتمع، ويدعو رئيس وزراء هولندا إلى إغلاق المدارس الإسلامية.
ويلاحظ ازدياد عدد المسلمين في أوربا، وازدياد شعورهم بالانتماء للإسلام؛ حيث يتمتع المسلمون في أوربا بصفة عامة بحقوق عديدة، مثل حق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وطمأنينة، وحرية إنشاء المؤسسات الإسلامية وبناء المساجد على الرغم من مواجهة بعض المصاعب الإدارية، ومع ذلك يواجه المسلمون صعوبات في تطبيق دينهم في ظلِّ مجتمع صناعي علماني اختفت منه المظاهر الدينية والروحية.

الإسلام في أوربا بدايات باكرة لفتح أوربا
تبلغ مساحة أوربا حوالي عشرة ملايين كم2، وتأتي في المرتبة الخامسة من قارات العالم من حيث المساحة، وتليها قارة أستراليا.
تُعَدُّ قارة أوربا شبه جزيرة غير منتظمة الشكل، حيث يحدها من الشمال المحيط المتجمد الشمالي، ومن الغرب المحيط الأطلسي، ومن الجنوب البحر المتوسط، وتحدها من جهة الشرق قارة آسيا.
وقد طرق الإسلام أبواب قارة أوربا من الجهة الشرقية، وذلك بمحاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان (41- 60هـ).
أمَّا من جهة الغرب فقد تمكَّن القائد المسلم طارق بن زياد من فتح الأندلس في عام (91هـ- 710م)، وتوغَّل المسلمون في شبه جزيرة الأندلس وعبروها لفتح فرنسا، حيث اجتازت جيوش المسلمين جبال (البيرنييه) الفاصلة بين الأندلس وبين فرنسا، وتقدموا شمالاً إلى أن وصلوا إلى مدينة (بواتييه) الفرنسية، والتي جرت على مشارفها معركة (بلاط الشهداء) في عام (114هـ= 723م)، وقد انهزم جيش المسلمين في هذه المعركة هزيمة قاسية وقُتِل منه الكثير، وبهذه المعركة توقف المدّ الإسلامي للقارة الأوربية من هذه الجهة[1].
وقد تمكَّن الأغالبة حكام تونس من فتح الجهة الجنوبية للقارة الأوربية، وذلك بفتحهم جزيرة سردينيا عام (95هـ- 810م)، ثم جزيرة كريت، ثم قام أسد بن الفرات بقيادة أسطول مسلم لفتح جزيرة صقلية المنفذ الجنوبي لأوربا الوسطى عام (212هـ- 827م)، وتم فتح (باليرمو) عام (216هـ- 831م).
كانت مدن إيطاليا المتنازعة فيما بينها تستعين بالمسلمين ليحارب بعضُها بعضًا مما يسَّر للمسلمين الاستيلاء على بعض أجزاء إيطاليا الساحلية، بل ووصل الأمر إلى أن اضطر “البابا يوحنا الثامن” في عام (484هـ- 872م) إلى أن يدفع الجزية للمسلمين بعد أن هددوا مدينة روما نفسها، وقد كانت جزيرة صقلية همزة الوصل التجارية بين شمال إفريقيا وأوربا، كما كانت نقطة احتكاك حضاري على درجة عالية من الأهمية للمسلمين والأوربيين[2].
ولكن تظلُّ الأندلس هي أهم نقاط الاحتكاك الحضاري بين المسلمين والأوربيين، حيث كانت بمنزلة مركز إشعاع وتنوير في غرب أوربا، وقد أصبحت (مدينة طُلَيْطِلَة) التي استولى عليها الأسبان عام (478هـ- 1085م) مركزا مهمًّا وحيويًّا لنقل العلوم وترجمتها من العربية إلى اللاتينية، فكانت تُعَدُّ المنارة الهادية لطلاب العلم من كافة أنحاء أوربا الغربية والوسطى، وظلت (طليطلة) قرابة أربعة قرون المركز الثقافي والديني الأول في شبة جزيرة إسبانيا (الأندلس).
وكما ذكرنا فقد حاول المسلمون فتح جنوبي شرقي أوربا عن طريق (القسطنطينية) منذ القرن الأول الهجري، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله عز وجل فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857هـ الموافق 1453م، وتحقق في هذا القائد ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: “لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا”[3].وقد اتخذ محمد الفاتح مدينة القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي دار الإسلام، الذي حُرِّف بعد ذلك إلى (إستانبول)، واستمرت المدينة عاصمة للبلاد حتى سقطت الخلافة العثمانية[4].
وكذلك يعود للخلافة العثمانية الفضل في فتح وسط أوربا؛ حيث فتح العثمانيون منطقة البلقان في عام (756هـ- 1355م)، ودانت لهم كل بلدان أوربا الوسطى الواحدة تلو الأخرى، فتم فتح بلغاريا في عام (774هـ- 1372م)، وفُتِحت بلاد الصرب في عام (788هـ- 1386م)، والبوسنة والهرسك في عام (792هـ- 1389م)، وكذلك كرواتيا وألبانيا وبلجراد وبلاد المجر. كما أن الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني وصلت إلى أسوار فيينا وحاصرتها في عام (936هـ- 1529م)، ولم تتمكن من فتحها كذلك بعد أكثر من مائة وخمسين عامًا في عام (1094هـ- 1683م) في عهد السلطان محمد الرابع.
وقد بقيت معظم هذه الأراضي بيد المسلمين وتابعة للخلافة العثمانية طوال فترة قوتها، ولكنها بدأت تتفلَّت تدريجيًّا مع دخول الدولة العثمانية في مرحلة الضعف، ولم يبق للخلافة العثمانية في عام (1337هـ- 1918م) إلا مدينة إستانبول على أرض القارة الأوربية. وقد ترتب على بقاء هذه المناطق الأوربية لفترات طويلة في ظلِّ الخلافة العثمانية أن أصبحت مناطق بأسرها ذات أغلبية مسلمة، مثل: مقدونيا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، وجاليات إسلامية ضخمة في بلغاريا ورومانيا[5].
ويرجع دخول أغلب سكان المناطق التي سيطر عليها العثمانيون في الإسلام إلى معاملة المسلمين لأهل هذه البلاد بالعدل والمساواة، فكان الشخص القروي الضعيف الفقير يستطيع أن يرتقي إلى أعلى المراكز وأكثرها نفوذًا في الإمبراطورية العثمانية، وهو شكل من أشكال العدالة الاجتماعية كان مستحيلاً في المجتمعات الأوربية المعاصرة للعثمانيين. كما حلَّ الأمن في هذه المناطق مكان الصراع والفوضى، واستفادت أوربا من التنظيم الدقيق للعسكرية التركية، وكذلك من النظم الإدارية التي تعتمد على الكفاءة بالدرجة الأولى.
وقد تمتع أيضًا أصحاب الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية في المناطق التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون بمعاملة كريمة تظهر آثارها واضحة في احتفاظ أهل هذه الديانات بلغاتها وثقافاتها ودياناتها؛ وعلى النقيض نجد ما فعله الأسبان بالمسلمين بعد استيلائهم على الأندلس في عام (897هـ= 1492م) فطردوا المسلمين إلى شمال إفريقيا والمشرق العربي، وظل من بقي منهم – وهم قلة – يعانون من آثار الاضطهاد والتعصب النصراني الأعمى في ظل حكم إسباني غير متسامح، وتحولوا في نهاية الأمر إلى الديانة النصرانية تحت ضغط محاكم التفتيش التي نصبت لهم في كل مكان.

اقرأ أيضا  الفيضانات تضرب أربع مناطق فرعية في بانغجاي بوسط سولاويزي

مأساة البوسنة والهرسكمأساة البوسنة والهرسك.. وعداء دفين!!
لم تنتهِ معاناة المسلمين مع التعصُّب الديني بانتهاء العصور الوسطى ودخول أوربا عصر العلم والعمل، بل نأخذ مأساة المسلمين في منطقة البلقان، وبالتحديد في البوسنة والهرسك كدليل على استمرار هذا المرض متأصلاً في نفوس البعض حتى عصرنا الحالي.
فقد منح مؤتمر برلين المنعقد في عام 1878م للنمسا والمجر الإدارة المؤقتة للبوسنة والهرسك، لترحل بذلك الدولة العثمانية عن البوسنة والهرسك، فأصبح الشعب المسلم في هذه المنطقة بحلول عام 1908م تحت سيطرة النمسا.
وبالرغم من أن معاهدة برلين نصت على احترام حقوق المواطن دون تمييز، فقد تعرَّض المسلمون بعدها إلى حروب تصفية مستمرة لم تتوقف على أيدي العصابات الصربية والكرواتية المدعومة من النمساويين والهنغاريين، ولم ينتهِ مسلسل اضطهاد المسلمين؛ ففي أثناء الحرب العالمية ساعدت ألمانيا النازية حليفتها كرواتيا لتضم البوسنة والهرسك إليها، ثمَّ شكَّل تيتو سنة 1943م حكومة مؤقتة مهَّدت لإنشاء يوغسلافيا الاتحادية، وضمت جمهورية يوغسلافيا ست جمهوريات هي: صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، مقدونيا، الجبل الأسود، والبوسنة والهرسك التي أُلحقت بيوغسلافيا سنة 1945م.
ولم تكن أيام الشيوعية بالأيام السعيدة بالنسبة للمسلمين؛ فلقد قضى الشيوعيون في هذه الدولة على أي نشاط دعويّ للإسلام. وبالرغم من ظهور بصيص من الأمل باعتراف الدولة الشيوعية بالقومية الإسلامية في دستور 1974م إلا أن الاعتراف لم يلغِ العصبية الصربية وأطماعها الممتدة للاستيلاء على أراضي البوسنة والهرسك لبناء صربيا الكبرى.
عندما بدأت يوغسلافيا في الانهيار خاصةً بعد وفاة تيتو وانهيار الشيوعية في شرق أوربا عام 1988م بدأت الجمهوريات اليوغسلافية الست تنفصل، وأعلن برلمان سراييفو (عاصمة البوسنة) استقلال جمهورية البوسنة والهرسك في 15/ 10/ 1991م، وأجرت الحكومة البوسنية استفتاءً أعلن فيه 99% رغبتهم في الاستقلال، ليعلن بذلك علي عزت بيجوفيتش استقلال الجمهورية رسميًّا في 4/ 3/ 1992م.
ولما كانت صربيا تريد تشكيل يوغسلافيا جديدة تشمل منطقتي البوسنة والهرسك إليها، فقد تفجَّر الموقف في البوسنة والهرسك في 9/ 3/ 1992م عندما أعلن الصرب الحرب على جمهورية البوسنة والهرسك، وقَدِم الصرب إلى البوسنة والهرسك بالمدرعات والدبابات التي ورثوها عن جيش الاتحاد اليوغسلافي المفكَّك؛ حيث كان معظمه من الصرب، وبعثت الأمم المتحدة بقواتها لحفظ السلام في 23/ 3/ 1992م، وإيقاف اعتداء الصرب على كلٍّ من كرواتيا والبوسنة، وأوقف الصرب اعتداءاتهم على كرواتيا بينما امتدَّ الاعتداء على المسلمين واتسع حتى عمَّ القتال غير المتكافئ جميع مدن البوسنة والهرسك، لتبدأ البوسنة صفحة دامية من حياتها.
أعمل الصرب القتل في مسلمي البوسنة والهرسك بقصد واضح وهو التطهير العرقي، ولجأوا إلى أبشع الوسائل وأخسِّها، ولم يفرِّق بين محارب ومدني، بل شملت المجازر حتى الأطفال، وتم اغتصاب الآلاف من الفتيات والسيدات المسلمات بهدف نشر الرعب والفزع، ودفع المسلمين إلى الهرب وترك وطنهم. وقد قُدِّر عدد الفتيات والسيدات اللاتي تم اغتصابهن بعشرين ألفًا في أقل التقديرات، ولا يزال إلى يومنا هذا اكتشاف المقابر الجماعية التي أعدَّها الصرب للمسلمين بهدف طمس معالم جريمتهم.
ولا يعلم أحدٌ سرَّ هذا العداء الدفين في نفوس بعض الأوربيين للإسلام، وكأنه ثأر قديم مع المسلمين، ويتعجَّب المرء لذلك أشدَّ التعجُّب؛ فلم يسجِّل التاريخ معاملة حضارية وإنسانية من جيش فاتح ومنتصر مثلما سجَّل للجيوش الإسلامية على مرِّ العصور، بل لقد استفاد العالم -وأوربا على وجه الخصوص- بالفتوح الإسلامية في كل المجالات ما لا يستطيع أن ينكره أحد.
فقد كان لدخول الإسلام في قارة أوربا أعظم الأثر، وذلك باعتراف الأوربيين أنفسهم، وليس أدلّ على ذلك مما جاء في كتاب (حضارة العرب) للمستشرق الفرنسي الشهير جوستاف لوبون؛ حيث ذكر صراحة أنَّ الحضارة الأوربية في القرن التاسع والعاشر من ميلاد المسيح عليه السلام كانت غارقةً في الجهل والتخلف، وكان أمراؤها يفخرون بأنهم لا يقرءون، وقد دامت هذه الهمجية الأوربية البالغة زمنًا طويلاً، وعلى النقيض كانت الحضارة الإسلامية في إسبانيا ساطعة ومشرقة، وحينما أرادت أوربا التحرر من قيود الجهل والتأخر ولَّت وجهها شطر المسلمين الذين كانوا الأئمة وحدهم، ثم يعترف جوستاف لوبون بأن الحروب الصليبية لم تكن هي السبب في إدخال العلوم إلى أوربا، وإنما دخلت العلوم إلى القارة الأوربية عن طريق إسبانيا وصقلِّيَة وإيطاليا؛ حيث بدأت في مدينة طليطلة الأندلسية حركة الترجمة التي نقلت أهم كتب المسلمين من العربية إلى اللغة اللاتينية، ولم يتوانَ الغرب في أمر هذه الترجمة طوال القرنين الثاني عشر والثالث عشر من الميلاد، فتمت ترجمة كل كتب نوابغ المسلمين من أمثال الرَّازي وابن سينا وابن رشد وغيرهم الكثير، كما لم تعرف أوربا شيئًا عن علماء اليونان القديمة أمثال جالينيوس وأرسطو وأرشميدس إلاَّ من خلال ما قام المسلمون بنقله إلى اللغة العربية، ولم يكن في القرن العاشر من الميلاد على مستوى العالم بلاد يمكن الدراسة فيها غير الأندلس وبلاد الشرق الإسلامي، كما لم يظهر في أوربا حتى القرن الخامس عشر الميلادي أيُّ عالِمٍ لم يعتمد على استنساخ كتب المسلمين؛ فقد ظلَّت هذه الكتب طوال ستة قرون تقريبًا مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا[6].

اقرأ أيضا  اشتية يدعو الكونغرس الأمريكي للاعتراف بدولة فلسطين

الجاليات المسلمة في أورباالجاليات المسلمة في أوربا
أمَّا الآن وفي عصرنا الحالي فيعيش المسلمون في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى الأخرى ما بين الآلاف والملايين، فيُقدَّر تعداد المسلمين بالملايين في روسيا الاتحادية، وبعض بلاد أوربا الشرقية، وهناك دولة واحدة يشكِّل المسلمون فيها الأغلبية الساحقة من السكان وهي ألبانيا.
أمَّا المسلمون في بلاد أوربا الغربية فأحوالهم مختلفة، ذلك أن عددهم في أيٍّ من هذه البلاد يبدأ بالمئات في بعضها، وينمو حتى يقارب بضعة ملايين في بعضها الآخر، والسواد الأعظم من المسلمين في هذه البلاد وفدوا إليها بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم والبلدان الأوربية التي يعيشون فيها، وقد حضروا إلى تلك البلاد بحثًا عن عمل، أو سعيًا وراء فرصٍ أفضل في الحياة لم تتيسر في بلادهم الأصلية.
وإذا عرفنا أن معظم بلاد العالم الإسلامي كان واقعًا تحت وطأة الاستعمار الأوربي في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أمكننا أن نتعرف إلى طبيعة الجاليات الإسلامية التي استقرت في كل بلد على حدة.
ففي بلد مثل إنجلترا نجد معظم المسلمين بها قادمين من دولٍ كانت خاضعة للاحتلال البريطاني في قارتي آسيا وإفريقيا، وخاصةً من الهند وباكستان وبنجلاديش.
وفي فرنسا نجد غالبية المسلمين من دول المغرب العربي التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي مثل الجزائر وتونس والمغرب، وكذلك في هولندا نجد الجانب الأكبر من المسلمين بها من إندونيسيا التي ظلَّت خاضعة للاحتلال الهولندي فترة طويلة.
أمَّا في ألمانيا فنجد الجاليات الإسلامية بها يغلب عليها العنصر التركي، وهم الذين هاجروا من تركيا بعد إلغاء الخلافة الإسلامية ودعوة مصطفى كمال أتاتورك إلى العلمانية[7].
هذه الجاليات هي التي تشكل الغالبية العظمى للجاليات الإسلامية في بلاد أوربا الغربية، وقد انضم إليها مهاجرون من بلاد إسلامية أخرى، كما أن أعدادًا كبيرة من سكان أوربا دخلت الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي التي سبقت الإشارة إليها؛ مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية، وكذلك إتاحة الفرصة للأوربيين للقراءة عن الإسلام في مصادره الأصلية، بعيدًا عن تشويه المستشرقين ومغالطاتهم التي حاولت الأجيال السابقة منهم أن تروِّجها عن الإسلام بين الأوربيين.
أيضًا كان من الأسباب ذات الأثر البعيد في تغيُّر نظرة الأوربيين للإسلام اعتناقُ عددٍ من المثقفين الأوربيين ذوي المكانة الاجتماعية المرموقة للإسلام؛ لما اكتشفوه في الإسلام من وضوح الرؤية، واستقامة العقيدة ومسايرتها للمنطق السليم.
ــــــــــــــــــــ
– قصة الإسلام

اقرأ أيضا  مقررة أممية: قتل "خاشقجي" جريمة ارتكبت على مستوى دولة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.