كيف نربي بناتنا على الحجاب؟
الثلاثاء 25 صفر 1437//8 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أ. صالح أحمد الشمري
كيف نربي بناتنا على الحجاب؟
لا زالت التربية تَحمِل هاجسًا في قلوب الكثير مِن الآباء والأمهات، وكلما كبر الولد وكبرت البِنت بدأ القلب يَخفق، والقلق يزيد، كيف لا، ونحن في عالم شديد التسارُع والتغيير؟ فما كان سائدًا في السابق مِن قِيَم واعتبارات يوشك اليوم أن يكون باليًا، وبما أننا نعيش في مجتمعات يَصدُق عليها قول الصادق المصدوق – عليه الصلاة والسلام -: ((يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر))؛ وذلك مِن شدة ما تموج به الحياة حولنا مِن فِتَن.
يأتي أمر الحجاب كقيمة تعبُّدية وأخلاقية تعدُّ مِن أولى ما ينبغي تعليمه وتدريبه للفتاة، خاصة حينما تبدأ تظهر عليها علامات البلوغ، ولا زلت أتذكَّر ما أخبرنا به الطنطاوي حول تجربته مع بناته في تعليم الحجاب؛ كما جاء في مذكراته، حيث يخبرنا الأديب المربِّي علي الطنطاوي – رحمه الله – عبر مقالة له تحت عنوان: “كيف ربيتُ بناتي؟” يَنقل لنا فيها تجربة عملية في تعويد أولى بناته على الحِجاب، وخلاصة تجربته أنه طلب مِن الأم شراء أثمن حجاب في السوق، وكان الموجود آنَذاك ثمينًا لدرجة معادلته لأكثر مِن ثلث الراتب الشهري، ورغم ذلك اشتراه وألبسه البِنت وهي ذاهبة لمَدرستها، فأعجب زميلاتها وانبهرنَ به فارتبط الحجاب بالإعجاب؛ لكننا اليوم اختلفَت أحوالنا عما كان عليه الحال زمان الطنطاوي – رحمه الله – وأصبَح الكثير مِن الآباء قادرين على شراء أغلى ما في السوق، ومع ذلك ليس مِن السهل إقناع البنت بلبسِه، فمُشاهدات الفتاة للعالم مِن حولها مزيج مِن صور متعدِّدة مِن التبرُّج، سواء ما يُعرض عبر الفضائيات أو غيرها مِن وسائل الإعلام الجديد، أو ما تُشاهده وتسمَع به في المدارس أو الجامعات، بل حتى دائرة الأسرة والأقرباء، إن مجموع تلك المُشاهَدات هو بمثابة درس للفتاة بدون مُعلِّم؛ فهي الآن في طور تشكيل القَناعة في اللاشعور لعدة محاوِر تتعلَّق بالحجاب؛ كالأهمية، والعمر الملائم، وطريقته أو أسلوبه، وغيرها.
والمشكلة أن المربِّين في غفلة عن هذا التشكيل غير المباشر، إنهم حينما يرون أن أمره لديهم من المسلَّمات يظنون أنهم بعيدون عن مسألة إقناع الفتاة به، وبذل أي جهد في ذلك، على اعتبار أن السلطة والقوامة حتى الآن بأيديهم، وهذا غير صحيح في زمن الانفتاح ووسائل التواصل الاجتماعي، صحيح أن بعض البيئات ربما تُساهم في انسيابيَّة لبس الفتاة للحجاب، وارتدائها له دون عوائق؛ حيث إنَّ الأقران مِن الأقرباء وأهل الحيِّ كلهم قد لبسوه والتزموا به في سنٍّ معيَّنة من سِني الدراسة النظامية، بيد أن ما نسعى إليه هو أن نوصِّل هذا المفهوم السامي والعظيم الذي أمر الله به إلى قلب ووجدان الفتاة؛ وذلك تحقيقًا لمرضاة الخالق – عز وجل – وامتثالاً لأمره، ولكي لا يكون هناك انفصام في نفس الفتاة، وصراع داخلي تحاول إخفاءه يدور حول عدم قناعتها به، بل ربما تعلَّقَ قلبُها الصغير بإحدى نماذج الإعلام الهادم مِن الممثلات وغيرهن؛ مما يُعزِّز بين الفَينة والأخرى تلك القناعة السلبية.
في السطور التالية أَذكُر بعض الخطوات الهامة، التي تُسهم بحول الله في تهيئة الفتاة وتربيتها على الحجاب إزاء النقاط التالية:
أولاً: الاهتمام المبكِّر بموضوع الحجاب حتى قبل بلوغ الفتاة سنَّ التكليف، له أثر في غرس هذا المفهوم في نفسها بسهولة ويسر؛ فالتنويه والإشارة المباشرة وغير المباشرة للحجاب وميزاته وفضائله بحسب ما تَفهمه الفتاة وتعقله.
ثانيًا: طرح ومدارَسة أمره مع المعنيين مِن الأقرباء والأصدقاء يُسهم في جمع معلومات وأفكار يُمكن للمربي انتقاء المناسِب منها، والملائم لظروف البيئة الاجتماعية بكل صورها.
ثالثًا: قبل أن تقرِّر الحجاب، اجلس جِلسة حوار مع الفتاة تبيِّن فيها عظم أمره مِن قِبَل المولى – عز وجل – والفوائد الجليلة التي تعود عليها، وليكن ذلك بالمنطق والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم اطلب منها رأيها، وتأكَّد من أنها قد اقتنعت به.
رابعًا: بعد التأكد مِن اقتناعها به، اطلب منها اختيار اليوم الذي يُناسِبها لارتدائه، واجعل ذلك اليوم مناسبة سعيدة يَشترك فيها جميع أفراد الأسرة في المنزل أو خارجه.
خامسًا: بعد التأكُّد مِن قناعتها وردِّك لجميع ما يُمكن أن يكون شبهة حول الموضوع، اطلب منها دعوة صديقاتها لارتدائه، مبيِّنًا لها عِظَم الدعوة إلى الله، والفضلَ الذي يعود عليها إن ساهم ذلك في ارتداء إحداهنَّ عن طريقها، إنك في هذا ستُثبِت وترسِّخ أمر الحجاب في نفسها عبر دعوة غيرها له، وهي مِن أقوى الوسائل للثبات على الخير، كما سوف تصنَع في نفس فتاتك بذور وبدايات خلق شخصية فاعلة ومؤثّرة بين قريناتها؛ لتُصبح بعد ذلك فاعلة في مجتمعها، فالنجاحات العظيمة كانت – ولا زالت – تالية لنجاحات يَسيرة وصغيرة.
الألوكة