ماذا قدمنا لديننا ؟!

الخميس،19 رجب 1436//7 مايو/أيار 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
لطيفة أسير
قرأت قبل فترة مقالة لكاتبة يهودية تستنكر على المسلمين دعوتَهم لغيرهم للدخول في الإسلام، معلِّلة ذلك بأن المسلمين اليوم ليس لهم ما يقدِّمونه للعالم حتى يَقبلوا بالدخول في دِينهم؛ فهم يسفكون دماءَ بعضهم البعض بلا رحمة، وقد تفرَّقوا طرائقَ قِدَدًا، كلٌّ منهم يكفِّر الآخر، وكلُّ فِرقة تدَّعي لنفسها النجاة وتحكُمُ على الأخرى بدخول النار، فمن يرغب في الدخول للإسلامِ سيحتار مَنْ مِنَ الفرق سيختار، كما أن العالم الإسلامي يعيش حالةً من انعدام الأخلاق، وسيادة الظُّلم والاستبداد، وغلبة كل قِيَم الغِشِّ والفساد واللامبالاة بالمصالح العامة، وهذه أسبابٌ كافية لجَعْل الآخر ينفِرُ منهم ومن دِينهم، واستطردَتْ قائلة بأن الخلل ليس في الدِّين، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له جارٌ يهوديٌّ أسلَم بفضل أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يقرأَ القرآن أو يطَّلع عليه.
صراحة ودون أدنى مواربة وجدتُها صادقة في قولها.. فعلاً: ماذا قدَّمنا نحن للعالَم اليوم حتى نحبِّب لهم هذا الدِّين؟ هل كنا خيرَ سفراء لديننا؟ أم أننا تركنا الثغورَ التي استأمَنَنا عليها ربُّنا فأُتي الدِّين من قِبَلنا؟.
إن الإسلام لم يلِجْ قلوب الناس إلا بتعاليمه السَّمحة التي تنسجم مع الفِطَر السليمة التوَّاقة لكل جميلٍ في الفِكر والسلوك والمعاملة؛ ولهذا قال ربنا لرسوله الحبيب: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، فبالرحمة وحُسن الخُلق والرِّفق بهم التفوا حولك، ولو كنتَ خلاف ذلك ما حذا حذوَك أحدٌ.
حين شدَّد الظلم وطأتَه على الضعفاء وجَدوا في عدل الإسلام متنفَّسًا فاعتصموا به، وحين استباحت الحروبُ الهمجية دماءَ الشيوخ والأطفال والشباب وجَد الناسُ في عصمة الإسلام للدماء ملاذًا آمِنًا، فلاذوا بحِماه، وحين استحَلَّ الأقوياء أموالَ الضعفاء وكثُر السلبُ والنَّهب، وجَد الناس في حدود الإسلامِ خيرَ حماية لأموالهم.
ماذا يفعل مَن يُقبِل على الرسول صلى الله عليه وسلم كارهًا وناقمًا، فيُجابهه الرسول الكريم بالقول الحسَن إلا أن يعتنق هذا الدِّين! وماذا يفعل مَن يقرأ سيرةَ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول للأعرابيِّ الذي تبوَّل بالمسجد: ((إن المساجدَ لا تصلُحُ لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذِكْر اللهِ، والصلاة، وقراءةِ القرآن)) إلا أن يقفَ وقفةَ احترام لهذا النبيِّ الكريم الذي يجابه سلوكًا مَقِيتًا من أعرابي جاهل بهذا الأدب الجمِّ!
وماذا يفعل مَن يقرأ تلك النماذجَ المشرقة من سيرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام الذين كانوا مدارسَ متحرِّكةً تعلِّم الناس فنَّ التعامل في كل مجالات الحياة إلا أن يهُبَّ بكامل جوارحه مقبِلاً على هذا الدِّين المعلِّم!
وكُتُب التاريخ تذكُرُ لنا أن الإسلامَ إنما انتشر في دول آسيا بفضلِ أخلاق التجار العرَبِ، وليس بسيوفهم، أحسنَ القومُ الاختلاطَ بالناس، وتعامَلوا معهم وَفْقَ شرع الله، فكان أن لاَمَس ذلك شغافَ قلوبهم، وسألوا فعلِموا أن دِينَهم هو الذي أدَّبهم بهذه الخِلال، فدخَلوا فيه أفواجًا.
ما الذي جعَل مئاتِ الأشخاص يعتنقون الإسلام أو يتوبون عن غيِّهم على يدِ عالمٍ واحد – كابن الجوزي – سوى تلك الصورةِ المشرقة التي لمحوها في سيرتِه؛ من جدٍّ واجتهاد، ورحمة وألفة، وسمتٍ حَسَن، يقول – رحمة الله عليه – في كتابه الماتع: “صيد الخاطر”: “وقد أسلَم على يدي نحوُ مائتين من أهل الذِّمَّة، ولقد تاب في مجلسي أكثرُ من مائة ألف”، فأين نحن من أمثالِ هؤلاء البَرَرة؟! ماذا قدمنا لدِيننا حتى نحبِّبَه لغيرنا؟!
أخشى ما نخشاه أن نكون السببَ في نفور غير المسلمين من الإسلام، حتى ذُكر أن أحدهم قال بعد إسلامه وزيارته للدول الإسلامية: “الحمد لله أنني أسلمتُ قبل أن أرى المسلمين، وأخشى أن نكون فعلاً ظَلمةً كما قالت تلك المرأةُ النَّصرانيَّة الَّتي حضرت أحد المؤتمرات الَّتي أقيمت للتَّعريف بالدِّين الإسلامي: “لئن كان ما ذكرتموه عن دِينِكم صحيحًا إنكم لظالمون! فقيل لها: ولماذا؟ قالت: إنَّكم لم تعمَلوا على نشرِه بين النَّاس والدَّعوة إليه!”.
نحن فعلاً ظلمنا ديننا؛ لأننا لم نحترم شعائرَه بيننا، ولم نسعَ لتبليغه لغيرنا كما كُلِّفنا بذلك، بل إن أجيال اليوم استهانت بهذا الدِّين وأصبحت أكثرَ جرأةً على نقض تعاليمه.
والكثير منا اكتفى بميراث الإسلام دون أن يكلِّفَ نفسَه عناء البحث في هذا الميراث، أو التنقيب عن كنوزه، استحللنا الحرامَ، واستهَنَّا بشرع الله، وقدَّسْنا غير المقدَّس، ووطِئنا بأقدامنا كلَّ مقدَّس، دماؤنا صارت رخيصة، أخلاقنا أضحَتْ في الحضيض مع بعضنا البعض قبل غيرِنا، المناصب عندنا صارت مغنَمًا، والأنانية صارت شعارًا، ونشر الدِّين أو الدفاع عنه صار ردَّ فعل فقط ضد أي هجمة على معتقد إسلامي.
حين يأتي السياح لزيارة بلداننا، ماذا نقدِّم لهم من أمور تخالف عاداتهم؟ فالخمورُ في المتناول، والدعارة مهيَّأة بالقانون، بل نقلِّدُهم في أبسط أمور العيش من ملبَسٍ ومأكل وغير ذلك.
أما الغشُّ والنصب فقد أضحى شعارَ كلِّ تاجر يجود عليه الزمن بسائحٍ مهووس بالتراث العربي.
ليست عندنا نخوةٌ ولا كرامة في تعاملِنا معهم، فطبيعي أن يحتقرونا ويُشعرونا بالدُّونية، ويرغبوا عن دِيننا؛ لأننا أعطيناهم انطباعًا سيئًا عن هذا الدِّين الذي ظُلِم بانتسابنا له.
صحيح هناك إقبال على الدخول للإسلام، ولكن هذا في الغالب نتيجة جهودٍ فردية من علماء أو مسلمين لديهم غَيرة على دِينهم، كما هو حال الداعية الكويتي والطبيب عبدالرحيم بن حمود سميط رحمه الله، الذي كان آيةً من آيات التضحية العظيمة في عصرنا من أجلِ رفعة هذا الدِّين ونشرِه بين الناس؛ حيث أسلَم على يديه 11 مليون شخص في إفريقيا، بمعدل 972 شخص يوميًّا، وقصص إسلامِ الكثير من غير المسلمين تؤكِّد أن السلوكات الفردية لبعضِ المسلمين هي الحافز لذلك، لكن ماذا لو جعلنا العالَمَ ينبهر بالإسلام حين يجدُه بيننا في مدارسنا ومعاملنا وشوارعنا وإعلامنا وثقافتِنا، وفي كلِّ ركنٍ من أركان دولنا! أكيد الأمر سيكون مختلفًا.
ليتنا نَعِي أن مهمةَ التبليغ ليست منُوطةً بفئة دون أخرى، وليتنا نخلعُ عنَّا جُبَّة الأنانية والفردانية ونعيش لدِيننا ولأداء مهمَّة الاستخلاف السليم الذي يريده اللهُ من عباده الذين اصطفاهم لحملِ راية هذا الدِّين، ليتنا نتعبُ لأجل هذا الدِّين كما تعِب لأجله رُسُلُ الله وأصفياؤُه، فأين نحن وما كابده هؤلاء الأتقياء؛ يقول ابن القيِّم رحمه الله في كتابه “الفوائد”: أين أنت والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدمُ، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجِع للذَّبْح إسماعيل، وبِيع يوسفُ بثمن بخسٍ ولبِث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبِح السَّيِّد الحَصُور يحيى، وقاسى الضرَّ أيُّوبُ، وزاد على المقدار بكاءُ داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالَج الفقرَ وأنواع الأذى محمدٌ صلى الله عليه وسلم”.
فهل بلغ بنا الجهدُ ما بلغه بهؤلاء الأطهارِ، أم أن كلَّ جهدنا لَهَاثنا خلف لقمة عيش أو تغذية شهوة أو اقتفاء أثر نزوة؟!
نسأل الله تعالى أن يُصلِحَنا ويُصلِحَ بنا، ويجعلنا هداةً مهتدين لا ضالِّين ولا مضلِّين.
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة: 5].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
– ياله من دين

اقرأ أيضا  الإيمان بالله ومقاصده العقدية
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.