ميانمار.. أية تجربة تنتظرها؟

عبد الحسين شعبان

كاتب ومفكر عراقي

الاثنين 3 ربيع الثاني 1438 الموافق 2 يناير/ كانون الثاني 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

لم تكن التحدّيات التي تواجه التجربة الجديدة في ميانمار بشرية فقط، تتعلّق بالانتقال الديمقراطي والعقبات التي تقف في طريقه فحسب، بل كانت كارثية طبيعية أيضاً، فقد واجهت البلادُ كارثتين طبيعيتين هما: الزلزال الذي ضربها والفيضانات الكبرى التي اجتاحتها لدرجة أن أكثر من 600 ألف مشرد عانوا من ظروف قاسية، وأدت الأمطار الغزيرة إلى انهيارات أرضية كانت نتائجها وخيمة.

لنحو قرن من الزمان خضعت ميانمار (وهو اسمها الجديد بعد أن استبدل باسمها القديم “بورما” في عام 1989) للاستعمار البريطاني الذي حكمها خلال 1852-1948، وبعدها عانت من حكم الدكتاتورية العسكرية نحو نصف قرن أيضا (من الاستقلال ولغاية عام 2016)، علماً بأن الانتقال إلى الحكم المدني بدأ في 2011 وحقّق إصلاحات سياسية محدودة، لكنه تباطأ وتلكأ وانتكس في العديد من القطاعات، على الرغم من وجود بعض هوامش الحريات، ولا سيما حرية التعبير وخصوصا في الإعلام.

ولهذه الأسباب نستطيع أن ندرك المصاعب الجدية التي تواجه التجربة الميانمارية للانتقال الديمقراطي -ولا سيما في ميدان العدالة الانتقالية- إذا ما عرفنا تاريخها خلال القرن ونصف القرن الماضيين، تُضاف إليه عوامل جديدة هي انفجار عناصر التعصب والتطرف المجتمعية، خصوصا بعد وصول تجربة الحكم السابقة إلى طريق مسدود، الأمر الذي وضع البلاد على مفترق طرق؛ فإما استمرار القديم على قدمه وهذا ما قد يؤدي إلى الانفجار، أو حلحلة الأوضاع باتجاه تغيير يتم عبر الانتخابات وهذا ما حصل بالفعل.

اقرأ أيضا  اسطول الغداء الماليزي للروهينغيا يجذب انتباه الشعب الفلسطيني

وقد شهدت ميانمار -التي يبلغ عدد سكانها 51 مليون نسمة، وتتكوّن من 130 مجموعة ثقافية دينية وسلالية وإثنية، وفيها نحو 30 لغة- تطوراً سياسياً جديداً بإجراء أول انتخابات حرة، وتشكيل حكومة منتخبة، واختيار رئيس جديد للبلاد (مارس/آذار 2016).

ولا تزال التجربة الوليدة تواجه تحديات كبرى، خصوصا أن التركة العسكرية الدكتاتورية ثقيلة وتأثيراتها ونفوذها لا يزالان باقيين، إضافة إلى استمرار تأثير القوات المسلحة، سواء على الصعيد الدستوري (النص بأن يكون 25% من أعضاء البرلمان من العسكريين وفقا لدستور عام 2008) أو على الصعيد العملي والسياسي.

وعلى الرغم من أن ميانمار كانت خلال الحرب العالمية الثانية بؤرة مواجهة يابانية/بريطانية فإن علاقاتها اليوم طيبة مع اليابان وكوريا الجنوبية، وجيدة مع الهند والصين التي تتحدث النسبة الأكبر من السكان بلغتها، وهي في الوقت ذاته عضو في المجموعة الآسيوية.

كما أن علاقة ميانمار وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد رفع عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما عقوبات بلاده الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، حيث كانت تعتبر “دولة منبوذة”، وأعلن ذلك عند زيارة زعيمة الرابطة الديمقراطية وزيرة خارجية ميانمار أونغ سانسوتشي المكتب البيضوي، وتأتي هذه الخطوة المهمة بعد سنوات من التقارب الميانماري/الأميركي.

ولكن وجهاً آخر سلبياً رافق التطورات الإيجابية التي حصلت في ميانمار، ففي السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت وتيرة التعصب وأعمال العنف ضد المسلمين الذين يزيد عددهم على مليون نسمة، خصوصا مع ظهور وتنامي نزعة قومية فوقية في البلاد قادها اتجاه أحادي عرقي وديني تزعمه راهب بوذي، ويُعرف التشكيل التنظيمي لهذا الاتجاه اختصاراً باسم “ماباثا”.

اقرأ أيضا  العفو الدولية: جيش بورما ارتكب جرائم في حق المسلمين

وقد نجحت “الماباثا” في صياغة أربعة قوانين تمييزية رجعية ومتخلفة، الأول قانون حماية العرق والدين، والثاني قانون الحد من عدد السكان، والثالث قانون زواج النساء البوذيات، والرابع تغيير الديانة والزواج الأحادي.

وهي قوانين أحدثت صراعاً وعنفاً في المجتمع، واتهِم من عارض هذه القوانين بأنه “خائن”، واعتبِرت هذه القوانين استهدافاً للمسلمين، في حين بررها أنصارها بأنها تحدّ من “الغزو الإسلامي”.

وخلال عام 2015 ارتفع عدد سجناء الرأي وتعرضت حركات احتجاج لأعمال عنف، كما ازدادت هجرة المسلمين المعروفين باسم “الروهينغا” من ميانمار إلى بنغلاديش بحكم أصولهم البنغالية وإلى بلدان أخرى.

وحسب الأمم المتحدة؛ فقد خاض هذه المغامرة نحو 100 ألف شخص ما بين 2014 و2015، وغرق العديد من القوارب وتوفي العشرات من الفارين، ومُنع اللاجئون من الوصول إلى تايلند وماليزيا وإندونيسيا إضافة إلى نزوح داخلي شمل نحو 140 ألف نازح من مسلمي الروهينغا، ومُقاساتهم أوضاعا صحية ومعيشية ونفسية سيئة للغاية.

وإذا كان الحكم العسكري الاستبدادي قد تعامل مع الجميع بمنطق القوة؛ فإن الانتقال إلى الوضعية المدنية فجّر صراعات عديدة كانت غير منظورة، وقد كان نصيب المسلمين الجزء الأعظم منها.

فهل سيستطيع الرئيس المنتخب هيتين كياو أن يضع حداً لها، خصوصاً أنه بدأ عهده بشيء من الانفراج السياسي فقام بإطلاق سراح عشرات المعتقلين والسجناء السياسيين وأصدر عفواً عاماً، الأمر الذي رجّح موضوع المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية ووضعه في جدول عمل الحكم الجديد، إضافة إلى مطالبات مؤسسات المجتمع المدني.

وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد هيتين كياو حاز 360 صوتا من مجموع 652 نائبا، فإنه سيكون -بحكم المراتب الحزبية- خاضعا لقيادة “حزب الرابطة من أجل الديمقراطية” التي تتزعمها سوتشي الحائزة لجائزة نوبل للسلام، والتي كان من المؤمل أن تكون في موقع الرئاسة لولا قيود وُضعت أمام توليها هذا المنصب في حقبة النظام السابق، وتتعلق بالجنسية البريطانية التي يحملها نجلاها، لكنها أنيطت بها حقيبة وزارة الخارجية.

اقرأ أيضا  الفلسطيني بين الانتخابات التونسيّة والانتخابات الإسرائيليّة

وإذا كان السلام المنشود وتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية هدفاً يُراد الوصول إليه كما هو معلن، خصوصاً بالتخلص من إرث الماضي، فإن الأمر يقتضي تحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة، وجبر الضّرر وتعويض الضحايا، وإصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية، لمنع تكرار ما حدث من جهة ولمواجهة أعمال التطرف والعنف من جهة ثانية.

وهو ما دعا سوتشي إلى التصريح -خلال زيارة كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة في 6 سبتمبر/أيلول 2016- قائلة: “علينا تحقيق السلام المنشود”.

وكان أنان قد دعا لإعادة الثقة وإيجاد السبل الكفيلة بالتمسك بالقيم المشتركة القائمة على العدل والإنصاف والمساواة، وهو ما قابله البوذيون بفتور ملحوظ، خصوصا أن البلاد قد هيمنت عليها نزعات الإقصاء والاستئثار، وهو ما يضعها على مفترق الطرق.

المصدر : الجزيرة.نت

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.