نشاط وتَحرُّكات “داعش” في اليمن

سلمان راشد العماري

الأربعاء، 4 ربيع الأول 1437 الموافق 16 ديسمبر / كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

أثار تبني تنظيم “الدولة” في اليمن لاغتيال محافظ عدن، اللواء جعفر محمد سعد، الذي لقي مصرعه الأحد الماضي 6 ديسمبر 2015م مع 8 من مرافقيه، إثر استهداف موكبه بسيارة مفخخة في مدينة التواهي بمحافظة عدن جنوبي البلاد الكثير من التساؤلات مجدداً عن حقيقة وجود هذا التنظيم، ولمصلحة من يعمل؟

فقد أعلن التنظيم الموسوم بـ (داعش) مسؤوليته عن عملية الاغتيال بحسب ما ذكرت وكالة “رويترز”، لا سيّما أن عملية اغتيال المحافظ المحسوب على الشرعية يصب بشكل كبير في مصلحة الانقلابيين (صالح والحوثيين)، وتشّكل العملية بحد ذاتها استهدافاً غير مباشر لقوات التحالف والشرعية والمقاومة الشعبية التي ساهمت بشكل رئيس في تحرير المدينة.

كما أعلن عن تبنّيه في وقت سابق لأكثر من 25 عملية بين تفجير واغتيال، جرى تنفيذها في أمانة العاصمة صنعاء وعدد من المدن الواقعة جنوب البلاد (المكلا ولحج وشبوة وأبين)، وكان من أبرزها العملية التي نالت فندق “القصر” في مدينة عدن الذي تقيم فيه الحكومة، ومقرين للتحالف والهلال الأحمر الإماراتي، في 6 أكتوبر 2015م.

وفي ما يلي رصدٌ تسلسلي زمني بأبرز العمليات التي تبنّاها تنظيم (داعش) في اليمن، من أول ظهور إعلامي له في أواخر مارس، آذار 2015م، عقب تفجير مسجدين وسقوط أكثر من 150 قتيلاً في أمانة العاصمة صنعاء، وحتى عملية الاغتيال التي نالت محافظ عدن اللواء جعفر سعد محمد في مدينة عدن مطلع ديسمبر 2015م.

(داعش) من صنعاء إلى عدن:

في أواخر مارس 2015م، دشن تنظيم (داعش) أُولى عملياته في العاصمة صنعاء، بتفجيرات عنيفة لم يسبق أن شهدها اليمن؛ إذ تبنى هجومين مزدوجين بواسطة أربعة انتحاريين، اثنان منهما فجرا نفسيهما الأول في جامع “بدر” أثناء صلاة الجمعة، والثاني فجر نفسه في الجامع نفسه أثناء محاولة المصلين الهروب من التفجير.

وبالتزامن، وبالطريقة نفسها فجر انتحاري نفسه في جامع “الحش حوش” في حي “الجراف”، وفجر الآخر نفسه أثناء خروج المصلين، ونتج عن التفجيرين مقتل ما يزيد عن 150 وإصابة مئات آخرين، ويعد الجامعان اللذان استُهدفا من الجوامع التي يقوم عليها حوثيون، غير أن المصلين في اليمن يحضرون إلى المساجد لأداء الصلاة، ولا يوجد فرز مذهبي، فهي مساجد للجميع.

وفي 24 أبريل 2015م بعد أسابيع من التفجيرات نشر تنظيم “داعش” تسجيلاً على الإنترنت تحت عنوان “ولاية صنعاء”، ظهر فيه عدد من مسلحي التنظيم في منطقة صحراوية يُجرُون تدريبات، وفي 22 مايو تبنى “داعش” تفجير عبوة ناسفة استهدفت المصلين، زرعت جوار مسجد “الصياح” في العاصمة صنعاء.

وفي 17 يوليو الماضي 2015م افتتحت “داعش” أُولى أيام رمضان بموجة تفجيرات متزامنة استهدف الأول جامع “الحش حوش” في حي الجراف، ووقع تفجير آخر بسيارة مفخخة أمام جامع “القبة الخضراء” قرب شارع الزبيري وسط العاصمة، أما الانفجار الرابع فقد استهدف جامع “الكبسي” قرب شارع “الزراعة”.

اقرأ أيضا  أرباش يبحث مع قاضي قضاة فلسطين سبل مواجهة اعتداءات إسرائيل بالقدس

وبعد ثلاثة أيام استهدف تنظيم (داعش) بسيارة مفخخة جامع “قبة المهدي”، كما تبنى التنظيم في يوليو 2015م استهداف أحد المساجد في منطقة “الرماح”، الذي تزامن مع تفجير سيارات مفخخة قرب مقرات للحوثيين في حي “الجراف”، لتتواصل عمليات استهداف المساجد في العاصمة صنعاء، ففي سبتمبر الماضي 2015م، تبنى (داعش) عملية انتحارية في جامع “المؤيد” قتل وأصيب فيها العشرات.

وفي أول ظهور لداعش في عدن بثَّ صوراً على الإنترنت منتصف يوليو الماضي 2015م أكد فيها أنه نفذ عملية ضد الحوثيين في “كريتر”.

وفي 6 أكتوبر الماضي 2015م ظهر تنظيم (داعش) من خلال أكبر عملية يتباها، استهدفت فندق “القصر” الذي تقيم فيه الحكومة، ومقرين للتحالف والهلال الأحمر الإماراتي.

وأعلن (داعش) رسمياً عن وجوده في حضرموت من خلال تبني الهجمات التي استهدفت مواقع عسكرية في مدينة “شبام” في الـ 20 نوفمبر الماضي.

وفي مطلع ديسمبر الجاري 2015م أقدم (داعش) على إعدام اثنين من منتسبي الأمن المركزي من أبناء محافظة شبوة، ونشر صوراً توثق عملية الإعدام التي لاقت إدانات واسعة.

كما تبنى التنظيم اغتيال محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد، الذي لقي مصرعه الأحد الماضي 6 ديسمبر 2015م مع 8 من مرافقيه إثر استهداف موكبه بسيارة مفخخة في مدينة التواهي بمحافظة عدن، وفي يوم الجمعة الماضي بث (داعش) تسجيلاً مصوراً يوثق فيه عملية إعدام لـ 24 شخصاً، قال إنهم من الحوثيين، وجرى إعدامهم بثلاث طرق، كانت حادثة دامية واجهت استنكاراً واسعاً.

تحرُّكات(داعش) والمستفيد منها:

بات معلوماً حضور ما يسمى بـ “تنظيم الدولة ” (داعش) في المناطق المأزومة لتكون مسرحاً له، ويتضح هذا على الأقل في سوريا والعراق وأفغانستان، وأخيراً في اليمن حيث توعد التنظيم الحوثيين بالمجيء لـ “ذبحهم”، لكن حديث وجودهم في اليمن تنوع بين النفي والتشكيك والترجيح.

ولا تزال تحيط بتنظيم “الدولة – ولاية صنعاء” و “ولاية عدن – أبين” حالة من الغموض، لا سيّما أنه بدا غير مرتبط بما يعرف بـ (تنظيم القاعدة) الذي لم يبايع تنظيم “الدولة” وأبدى ملاحظات حولها، لكن مؤشرات كثيرة تشير إلى ارتباطه بقوى داخل اليمن تستخدم ورقة (داعش) وتنظيم القاعدة لتحقيق أجندتها وضرب خصومها السياسيين.

كما أنّ ظهور (داعش) في اليمن يزيد من تعقيد المشهد السياسي، وسيؤدي إلى صراع متعدد بين (داعش) و “الحوثيين” من ناحية، وبين تنظيم الدولة الإسلامية و (تنظيم القاعدة) من ناحية أخرى، وسيؤدي إلى صراع القبائل والجماعات المتطرفة أو التعاون معها، وهو ما يعني مزيداً من تفتت الدولة اليمنية، واتساع وتيرة الصراع، وتعدد أوجهه من سياسي إلى طائفي ومذهبي.

اقرأ أيضا  سيادة الدين وسيادة الأمة

هذا ويُجمِع مسؤولون ومراقبون يمنيون على نفي وجود أيٍّ من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، بعد تجدد الحديث عن هذا الأمر عقب نشر موالين للتنظيم مقطع فيديو باسم “ولاية صنعاء” على موقع “تويتر” يتضمن رسالة تهديد لجماعة الحوثي. يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية: “إن تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن ظهر عندما أعلن من أطلقوا على أنفسهم اسم “مجاهدو اليمن” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014م مبايعتهم تنظيم الدولة الإسلامية وزعيمه أبا بكر البغدادي”.

وأضاف في حلقة برنامج “الواقع العربي” بتاريخ 6/12/2015م التي ناقشت عوامل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتناميه في اليمن: “إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن منشطر بين جزء موال لأبيٍ بكر البغدادي، وآخر موال لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري”.

وأوضح هنية “أن تنظيم الدولة في اليمن يتبع استراتيجية تنظيم الدولة في العراق وسوريا، مشيراً إلى أن هذا التنظيم يتنامى في اليمن ويأخذ من رصيد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، معتبراً أن العنوان الأساسي لتنظيم الدولة هو صراع الهوية؛ إذ إنه يجد أرضاً خصبة عندما يحدث انقسام مذهبي، وهو يستثمر جميع الانقسامات المذهبية والطائفية والسياسية”.

كما أشار إلى أن أهم ميزات تنظيم الدولة (داعش) هي السيطرة المكانية وإعلان الخلافة، بينما تنظيم القاعدة براغماتي يستند إلى مبدأ النكاية في قتال العدو البعيد وليس مهتماً بالسيطرة المكانية.

من جهة أخرى قال الباحث السياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية نبيل البُكيري: إن ظهور تنظيم الدولة في اليمن يأتي في إطار سياق إقليمي ودولي لنمو تيار التنظيم في العراق وسوريا مقابل تراجع تنظيم القاعدة.

وأشار إلى أن اليمن من أكثر الوجهات التي يتجه إليها تنظيم الدولة في العراق وسوريا للتمدد، كما أوضح البكيري أن العمليات التي ينفذها التنظيم وتوقيتها – وآخرها اغتيال محافظ عدن – تأتي في وقت يشهد الاستعداد لتحرير باقي مدن البلاد من سيطرة الانقلابيين (صالح والحوثيين)، مضيفاً أن: “التنظيم يستغل الفراغ الأمني في المناطق المحررة لتنفيذ عملياته، ولذلك فإنه على الحكومة الشرعية وضع خطة أمنية سريعة في تلك المناطق.

واعتبر البكيري أن المستفيد الأول والأخير من عمليات التنظيم داخل اليمن هم الانقلابيون، أما إقليمياً فإن المستفيد هي إيران، وأنحى باللائمة على الفراغ الأمني الذي تركته الحكومة الشرعية، عدا عن غياب الرؤية لدى التحالف العربي في إيجاد كيان وطني جامع لإعادة سلطة الدولة إلى المناطق المحررة”.

كما نفى الخبير اليمني في شؤون تنظيم القاعدة سعيد الجمحي ما تردد عن وجود (داعش) في اليمن معتبراً ذلك “مبالغة لعدم تسجيل أي تحركات أو نشاط على الأرض”، لكنه لم يستبعد وجود بعض الأفراد المتعاطفين الذين قد يكونون أعلنوا مبايعتهم له.

وقال الجمحي في تعليق له حول ذلك: “إن التنظيم نفسه لم يعلن عن قيادة له، وما تمت ملاحظته خلال الفترة الماضية هو تسجيلات صوتية لجهات ليس لها حضور على الأرض تبايع أبا بكر البغدادي، مثل ما يسمى بالجماعة اليمانية ومجاهدي جزيرة العرب”. وفي تفسيره للتسجيل الذي نشره موالون للتنظيم رجح الجمحي أمرين:

اقرأ أيضا  الجامعة العربية تتابع قرارات قمة عمان حول مكافحة الارهاب

–         الأول: أن التنظيم يحاول استغلال الأوضاع الحالية لتسجيل حضور إعلامي وانتهاز فرصة إطلاق اسمه في خطاب الحوثيين لكل معارضيهم.

–         والثاني: قد يقف وراءه طرف خارج اللعبة بهدف الترويج لخلط الأوراق لصالح الحوثيين”.

وأشار تقرير أبعاد 2015م إلى تحديات أمنية كبيرة خلقها انقلاب المتمردين الحوثيين وصالح، أبرزها الفراغ الذي استغلته ميليشيات متطرفة بعضها طائفي وبعضها مناطقي، وقال إن أبرز الميليشيات التي استغلت ظروف الحرب هي الجماعات الجهادية المنتمية لتنظيم القاعدة بعضها تحت مسمى (أنصار الشريعة) والبعض الآخر تحت مسمى (دولة العراق والشام الإسلامية – داعش).

حول (داعش) قال التقرير: “هناك غموض يلف التنظيم الذي استطاع استقطاب بعض الشباب النازحين والمقاتلين رغم أن غالبية قياداته لم تشارك في الحرب ضد الحوثيين بخلاف المنتمين للقاعدة”، مشيراً إلى أن التنظيم الذي يقدَّر عدد أفراده بالمئات يمتلك 3 معسكرات تدريب في عدن ولحج وحضرموت.

وجاء في التقرير: “حسب المعلومات الأولية فإن ضابطاً ينتمي لجهاز مخابرات صالح وأحد أقارب اللواء الذي يوصف بأنه القائد العام لقوات الانقلابيين المسلحة يقدم تسهيلات واسعة لـ (داعش) عبر غرفة عمليات خاصة، جعلها تحصل على أسلحة وآليات ومدرعات من بينها 19 دبابة، حصلوا على عشر منها متاح تركها الانقلابيون، بينما تم تسهيل شراء تسع دبابات أخرى من فصائل حراكية جنوبية بلغ قيمة الواحدة منها حوالي 50 ألف دولار”.

وعن تحركات داعش قال التقرير: “يتحرك أفراد داعش بشكل علني بأعلام وميكرفونات ولديهم معسكرات معروفة كمعسكر القوات البحرية سابقاً في عدن ومعسكر آخر في البريقة بالقرب من مصفاة النفط والميناء، كما لديهم معسكر في مديرية الحد في يافع التابعة لمحافظة لحج وآخر في منطقة سر في سيؤون بمحافظة حضرموت، ويتجنب قادة (داعش) الظهور إعلامياً لكن الدوائر المقربة منهم تتحدث عن شخص يكنى أبا محمد العدني هو من يقود التنظيم الذي يضم داخله خبراء أجانب بعضهم فرنسيين وسوريين متخصصين في تدريب المجندين والإنتاج السينمائي والإعلامي، وقد بثوا مقاطع فيديو لعمليات قتل بشعة”.

المصدر : موقع مجلة البيان