نظرات حول شروط لا إله إلا الله
الأربعاء 23 ذو الحجة 1436//7 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد مصطفى الشيخ
نظرات حول شروط لا إله إلا الله
الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأرسل إلينا خاتمَ النبيِّين يدعونا إلى كلمة الإسلام ومفتاحِ دار السَّلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنَّ الشرع قد جعل الخيرَ كلَّه والنَّجاة في هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وجعل العذابَ والهلاك على من نكل عنها، ومعلومٌ أنَّ هذا الفضل العظيم غير معقودٍ على القول المجرَّد؛ بل قد بيَّن الشرع أنَّ لكلمة لا إله إلا الله حقوقًا ومقتضيات، مدارها كلها على الإقرار بالله تصديقًا وانقيادًا، وهو التوحيد الذي في القلب عِلمًا وعملاً.
فهذه أول قاعدة في الباب: أنَّ كلَّ قول رتَّب عليه الشارعُ وعدًا، فإنَّما هو القول التام المقتضي أثره.
يقول ابن القيم: (والشارعُ صلوات الله وسلامه عليه لم يجعلْ ذلك حاصلاً بمجرَّد قول اللِّسان فقط؛ فإنَّ هذا خلافُ المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام؛ فإنَّ المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدَّرك الأسفل من النَّار.
فلا بدَّ من قول القلب وقول اللِّسان، وقول القلب يتضمَّن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفةِ حقيقة ما تضمَّنَته من النَّفي والإثبات، ومعرفةِ حقيقة الإلهيَّة المنفيَّة عن غير الله المختصَّة به التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب عِلمًا ومعرفة ويقينًا وحالاً – ما يوجب تحريم قائلها على النَّار.
وكل قول رتَّبَ الشارعُ ما رَتَّب عليه من الثواب، فإنَّما هو القول التام؛ كقوله: ((من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرَّة، حُطَّت عنه خطاياه – أو غفرَت ذنوبه – ولو كانت مثل زبَد البحر))؛ [متفق عليه]، وليس هذا مُرتبًا على مجرَّد قول اللسان…؛ فإنَّ الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنَّما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورةُ العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصفِّ واحدًا، وبين صلاتيهما كما بين السَّماء والأرض)؛ [مدارج السالكين: منزلة التوبة، الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، 1 / 339 – 340].
الشروط السبعة:
ولهذا تكلَّم حافظ حكمي صاحب معارج القبول – وتابعَه أهلُ العلم – على “شروط” لا إله إلا الله.
قال في سلَّم الوصول:
(وبشروطٍ سبعةٍ قد قُيِّدَت
وفي نصوصِ الوحيِ حقًّا وَرَدَتْ
فإنَّه لم ينتفعْ قائلُها
بالنطق إلاَّ حيثُ يستكملُها
العلمُ واليقين والقبولُ
والانقيادُ فادْرِ ما أقولُ
والصِّدق والإخلاص والمحبَّهْ
وفَّقك اللهُ لما أحبَّهْ)
قال: (ومعنى “استكمالها” اجتماعُها في العبد، والتزامُه إيَّاها بدون مناقضة منه لشيء منها، وليس المراد من ذلك عد ألفاظها – أي: الشروط – وحفظها؛ فكم من عامِّي اجتمعَتْ فيه والتزمها، ولو قيل له: “اعدُدْها” لم يُحسن ذلك، وكم من حافِظ لألفاظها يَجري فيها كالسَّهم، وتراه يقعُ كثيرًا فيما يناقضها، والتوفيقُ بيد الله)؛ [معارج القبول: فصل في بيان النوع الثاني من نوعي التوحيد، شروط شهادة أن لا إله إلا الله، 2 / 418].
شروط أم حقائق أم مقتضيات؟
لا ضير في الألفاظ ما دامَت المعاني قد بينَت، ومعلوم أنَّ الشرط ما يَلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته، فقد يقال: إنَّ الشرط ما كان خارجًا عن الماهية، ومن هنا استُعمل في لوازم الكلمة التي هي غير ألفاظها وحروفها، وقد يقال: إنَّ استعمال غير لفظ الشَّرط أولى؛ لأنَّ هذه الأمور هي من معنى الكلمة وحقيقتها، والخلاف قريب.
لكن إذا قلنا: إنَّ من الأعمال ما هو شَرط كمال، ومنها ما هو شرط صحَّة في الإيمان، فهل يقال: إنَّ الأعمال خارجة عن ماهية الإيمان؟ فالجواب: لا يصحُّ ذلك، بل هي جزء مسمَّى الإيمان، داخِلة في حقيقته؛ منها ما لا يزول الإيمان بزوالِه، ومنها ما يزول الإيمانُ بزواله، فلا إله إلا الله ركنٌ من أركان الإيمان، والقبول والانقياد والإخلاص كلُّها من أركان الإيمان، وليسَت خارجة عن ماهيته.
شروط حُكمٍ أم انتفاع؟
ممَّا ينبغي معرفته أنَّ أهل العِلم إنَّما ذكروا الشروط السبعة، وعَنَوا بها ما في القلب من قول وعملٍ، لا ينتفع صاحبُ الكلمة إلاَّ بهما معًا،والانتفاع المشروط بها إنَّما هو في الآخرة، أمَّا أحكام الدنيا فمبناها على الظَّاهر، ولها شروطها الظاهرة، وهي طرق ثبوت الحكم بالإسلام؛ فمتى أقرَّ بالشهادتين ولم ينقضهما بناقضٍ، فقد ((حَرُم مالُه ودمُه، وحسابُه على الله))؛ [مسلم].
وقد زلَّ في هذا كثيرون، فجعلوا انتفاء العِلم أو القبول أو المحبَّة ناقضًا مننواقض الإسلام، محتجِّين بكلام أهل العلم في غير مناطه.
شروط لا إله إلا الله في الكتاب والسنة:
لقد استنبط العلماء الشروطَ من النُّصوص التي تجعل أمرًا ما لازمًا للانتفاع بلا إله إلاَّ الله، أو عدمه ناقضًا لذلك، قال البخاري: “قيل لوَهْب بن مُنَبِّه: أليس مفتاح الجنَّة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلاَّ له أسنان؛ فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنان فُتح لك، وإلاَّ لم يفتح لك”؛ [البخاري: ك / الجنائز، باب ما جاء في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله].
فأما الكتاب: فقد قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45].
وقال: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: 165]، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]..
وأمَّا السنَّة: فقد استدلُّوا بأحاديث النَّبي صلى الله عليه وسلم التي رتَّب فيها حصولَ الثواب على القول التام لهذه الكلمة:
فعن عثمان قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يَعلم أنَّه لا إله إلا الله دخل الجنَّة))؛ [مسلم].
وعن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اذهب بنعلَيَّ هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يَشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبُه، فبشِّره بالجنَّة))؛ [مسلم].
وعنه أيضًا: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسولُ الله، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌغير شاكٍّ فيهما، إلاَّ دخل الجنة))؛ [مسلم].
وعنه أيضًا: قيل: يا رسول الله، مَن أسعد النَّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولُ مِنك؛ لِما رأيتُ من حِرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلاَّ الله خالصًا من قلبه – أو نفسه -))؛ [البخاري].
وعن عبادة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبدُ الله وابنُ أَمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنَّ الجنَّة حقٌّ، وأنَّ النَّار حق – أدخله الله من أيِّ أبواب الجنة الثمانية شاء))؛ [متفق عليه].
وعن أنس بن مالك: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم – ومعاذٌ رديفُه على الرَّحْل – قال: ((يا معاذ بن جبل))، قال: لبَّيك يا رسول الله وسعديك، قال: ((يا معاذ))، قال: لبَّيك يا رسول الله وسعديك – ثلاثًا – قال: ((ما من أحد يَشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسول الله صِدْقًا من قلبه، إلاَّ حرَّمه الله على النَّار))، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيَستبشروا؟ قال: ((إذَنْ يتَّكِلوا))، وأخبَر بها معاذ عند موته تأثُّمًا؛ [متفق عليه].
وعن معاذ قال: كنتُ رِدْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلاَّ مؤخرة الرَّحْل، فقال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبَّيك رسولَ الله وسعديك، ثمَّ سار ساعة، ثمَّ قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبَّيك رسول الله وسعديك، ثمَّ سار ساعة، ثمَّ قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبَّيك رسول الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حقُّ الله على العباد؟))، قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّ حق الله على العِباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا))، ثمَّ سار ساعة، ثمَّ قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبَّيك رسولَ الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حقُّ العِباد على الله إذا فعلوا ذلك؟))، قلت: الله ورسولُه أعلم، قال: ((ألا يعذِّبهم))؛ [متفق عليه].
ولمسلم من حديث عِتبان: ((لا يشهدُ أحدٌ أنْ لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله فَيَدْخُل النار))؛ [متفق عليه].
فغالِب النصوص أعلاه تَشترط للانتفاع بالكلمة: اليقين والإخلاص ونحو ذلك، وحديث معاذ يشترط شرطًا ثقيلاً يشمل الظَّاهر والباطن: ((لا يشركوا به شيئًا)).
لكن هل هناك شروط للحكم بالإسلام في الدُّنيا ونجاة قائلها وعِصمته فيها؟ وما توجيه قول الزُّهري: إنَّ الإسلام الكلمة؟ وكيف تَستوعب الشروطُ الظاهرَ والباطن؟ هذا بعض ما تتناوله المقالة الثانية إن شاء الله.
وصلى الله على محمد وآله وسلم.
المصدر:الألوكة