هيئة المسلم الجديد.. الضوابط أولاً
الأحد،3شعبان 1435الموافق1 حزيران/يونيو2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
ملاحظات في دعوة غير المسلمين
الدخول في الإسلام نعمةٌ من أجلِّ نِعَم الله – تعالى – على العبد، وعندما يدخل المرء في الإسلام يكون أخًا لكل مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، بمجرد نطقه للشهادتين، فالأمر متعلق بقلبه ولسانه، لا بهيئته أو شكله أو اسمه.
والمسلم الجديد يفرح بما أنعم الله عليه به من الإسلام، وربما صاحَب هذه الفرحةَ رغبةٌ شديدة في إظهار فرحته لِمَن حوله، وقد يبالغ بعضهم في ذلك، أو يخطئ على نفسه أو على غيره، أو يسيء إلى الإسلام من دون قصد منه، ولذلك فإن من المهم في هذا المقام التذكيرَ بأمور، منها:
أولًا: إن بعض المسلمين الجدد يسعى إلى تغيير اسمه، أو يسعى مَن حوله إلى ذلك، وتغييرُ اسمه ليس من لوازم إسلامه، إلا إذا كان فيه ما يخالف الشرع، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله تعالى -: “ليس في الأدلة الشرعية ما يقتضي وجوب تغيير اسم مَن هداه الله إلى الإسلام، إلا أن يكون هناك ما يقتضي ذلك شرعًا”؛ “مجموع الفتاوى” (ج4، ص153).
ثانيًا: أن تغييره لهيئته وشكله الظاهر، منه ما يلزمه تغييرُه، كما هو الشأن في سنن الفطرة، وكذلك في اللباس من حيث نوعُه أو مشروعيته وآدابه، ومنه ما تراعى فيه المصلحة، فربما كان من المصلحة أحيانًا ألا يغير شيئًا من ذلك؛ لأنه قد يصدُّ غيرَه عن الإسلام بهذا التغيير، إذ قد يمتنع بعضُ غير المسلمين من الدخول في الإسلام؛ لأنه لا يرغب في تغيير شيء ممَّا اعتاده وألفه.
وهذا السبب صد الكثيرين عن قبول الحق والدخول في الإسلام، ولذلك لا ينبغي الاستعجال على المدعو في التغيير؛ بل يراعى في ذلك المصلحة، حيث يختلف ذلك بحسب الأحوال والأشخاص، والأزمنة والأماكن.
غربيًّا لا عربيًّا
وفي الملبس ينبغي للمسلم الجديد أن يراعي الضوابط الشرعية في اللباس، ولا يسوغ له أن يغير من لباسه من دون قصد صحيح ويخالف مجتمعَه بمجرَّد إسلامه؛ إذ قد يسيء إلى الإسلام بذلك، لا سيما إن كان يظن أن ذلك من مقتضيات إسلامه، أو كان في مجتمع غير إسلامي، يقول مراد هوفمان – وهو أحد الألمان الذين دخلوا في الإسلام -: “أرى أنه من غير المجدي أن يسلك الألمانيُّ الذي يعيش في وسط أوروبا في القرن العشرين مسلكَ عرب الحجاز في القرن السابع، سواء أكان ذلك في ملبسهم، أم في مأكلهم، أم في غيرها؛ لأنه بذلك يصبح غريبًا داخل وطنه، وهذا النهج يحوِّل الإسلام إلى ثقافة فرعية؛ بل إلى أحد أشكال الفولكلور الديني، وهذا يصيب الإسلامَ بلا شك بأضرار بالغة”؛ “الطريق إلى مكة” ص 174.
الختان والمصلحة!
ثالثًا: ومن المسائل المتعلقة بالهيئة الختانُ، حيث لا ينبغي أن تكون هذه المسألة ممَّا يشغل الداعية في دعوة غير المسلمين؛ إذ قد يصرف الختان بعضَ المدعوين عن الإسلام، قال العلماء: “ينبغي للدعاة الإغضاء عن الكلام في الختان عند دعوة الكفار إلى الإسلام إذا كان ذلك ينفره من الدخول في الإسلام”؛ “فتاوى اللجنة الدائمة” (ج5، ص 116).
ولذلك فلا ضير على المدعوِّ إذا كان كبيرًا أن يَدَعَ الختان إذا كان يشق عليه؛ لأن مصلحة إسلامه أعظمُ من مصلحة ختانه.
قال العلماء: “فإن تركه – أي الختان – بعد أن كبِرت سنُّه، فلا شيء عليه”؛ “فتاوى اللجنة الدائمة” (ج5، ص 117)، ثم إن على الداعية ألا يستعجل في ذلك، فكثير ممن دخلوا في الإسلام وامتنعوا من الختان، اختتنوا بعد أن ثبتوا على الإسلام وتشرَّبت نفوسُهم تعاليمَه وآدابه.
الإخلاص لا الشكل
رابعًا: ومن المسائل الرئيسة فيما يتعلق بالهيئة أن يتفطَّن في تغيير الهيئة إلى الإخلاص والنية، وأن يحذر المسلم الجديد من الشهرة وحب الظهور أمام الناس، وإن كان هذا الأمر فيه مشقَّة ظاهرة، حيث يعتري المسلمَ الجديد – والتائب أيضًا – رغبةٌ في أن يُظهِر لمن حوله بأنه حدَثَ في حياته حدثٌ عظيم، وتحوُّل كبير، والمسلم الجديد يفعل ذلك أحيانًا؛ ليحصن نفسه، وليخبر من حوله أنه أسلم فيعاملوه معاملة الأخ المسلم، والتائب قد يفعل ذلك ليصرف عن نفسه رفقاءَ السوء، ويشعر أهل الصلاح بتوبته، فيقفوا معه ويثبِّتوه على توبته، ومع ذلك كله فلا بد أن يذكر هذا وهذا وجوبَ إخلاص العمل لله – تعالى – وتصحيح النية، ويذكر أيضًا خطورة الرياء وضرره على المرء في الدنيا والآخرة.
زهد أم إهمال؟
خامسًا: إن بعض المسلمين الجدد قد يهملون هيئتهم بعد دخولهم في الإسلام؛ ظنًّا منهم أن ذلك من الزهد أو التواضع، وهذه وإن كانت مقاصد صحيحة، ينبغي أن تراعى فيها الضوابط الشرعية، لا سيما أن سلوك المسلم الجديد له أثرُه على الدعوة؛ فهو إما أن يرغِّب من حوله في الإسلام أو ينفرهم منه، وذلك من خلال سلوكه وهيئته بعد أن يسلم؛ إذ إن من حوله يحكمون على الإسلام من خلال ذلك، وقد يتعمَّد بعضهم لبس الدنيء من الثياب، أو يشعث نفسه، وهذا ليس بمحمود؛ بل قد يُذم صاحبه.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: ولبس الدنيء من الثياب يذم في موضع ويحمد في موضع؛ فيذم إذا كان شهرة وخيلاء، ويمدح إن كان تواضعًا واستكانة، كما أن لبس الرفيع منها يذم في موضع ويحمد في موضع؛ فيذم إن كان تكبرًا وفخرًا وخيلاء، ويمدح إذا كان تجملاً وإظهارًا لنعمة الله. اهـ.
ويتعلق بذلك أيضًا النظافة في اللباس والبدن، فلا ينبغي إطلاقًا أن يهمل بعض المسلمين الجدد أمرَ النظافة؛ فهي مما حثَّ عليه الإسلام، وهي من دواعي الإيمان، ولقد كان النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يحافظ على النظافة، وكان يربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان لا يدع السواك ولا الطِّيب، ويتعهد أحوال نفسه في الحضر والسفر.
إن الهيئة وحسن المظهر هي أوَّل رسالة يقدِّمها المسلم الجديد عن الإسلام، فجديرٌ بالمسلم أن يحافظ على ذلك، وأن يعلم أن حسن الهيئة والنظافة والمحافظة على سنن الفطرة من هدي الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – وهو مأجور بامتثاله لها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
– الألوكة