آثار ترك الأمل
الخميس 24 جمادى الأولى 1437//3 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. محمد ابو صعيليك
لتركِ الأمل آثارٌ قاتلة للفرد والمجتمع، تفتك بالناس وهم لا يدرون، وتهدم بنيان مجتمعهم، وتهدُّ عزائمهم، ويمكن وصف هذه الآثار كما يأتي:
1- التسخط لقضاء الله وقدره:
ذلك لأن تاركَ الأمل محبطٌ كثير التبرم بأقدار الله والتسخط لها، لسانُ حاله ومقاله التأففُ من القضاء، والاعتراض على الأقدار. وهذا الصنيع منه هادم للإيمان، مخرجٌ عن الملة، كيف لا؟ وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أركان الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره؛ كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولو أنصف هذا من نفسه لعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه عائد إلى جريرة نفسه هو.
2- الإحباط:
إذا نظرت إلى فاقد الأمل وجدته مُحبطَ النفس، سوداوي النظرة، لا يأمل بخير، بل لسان حاله لاهج بالشر مترقب له، وهذه حالة خطيرة، إذا وقعت في حياة فرد أهلكته، وعطلت قواه، فكيف إذا وقعت في حياة أمة بكاملها؟ هناك تكون المصيبة العظمى، والكارثة التي ما بعدها كارثة؛ حين يسود الإحباط أمة من الأمم؛ فلا ترى لها عزيمة، ولا تسمع لها رِكْزاً، وترى أشباحاً لا تسر صديقاً، ولا تغيظ عدواً. وإذاً: فكم يعاني المصلح في معالجة هذا المرض العضال الذي استشرى في الناس، فأبدلهم إحجاماً بدل إقدام، وضعفاً بدل قوة، وعزيمة خائرة ضعيفة بدل الهمة العالية. وما واقع أمتنا الحاضر، وما يراد لها عبر الإحباط ببعيد.
3- ضعف القلوب:
ذلك لأن فاقد الأمل ضعيفُ القلب، قد ملأ الخوفُ قلبه فعطّل فيه مداخلَ الخير؛ فهو كالشاة التي تنتظر الجزار ليقوم بذبحها، يخاف من النسيم، ويرجف من الإشاعات، قد قطع أمله بالله ونصره، وقد جعل أفعالَ العباد ومخططاتهم قَدَراً كقدرِ الله لا يغيّر، ولسان حاله يقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
4- ضعف العزيمة:
ذلك لأن فاقد الأمل ضعيف العزيمة، قد بلغ منه اليأس والخور مبلغه، وأصبح لا قابلية عنده لأي عمل؛ فهو مُنْطوٍ على نفسه، قد ضعفت عزيمته، فلا ترجو منه تغييراً لحال، ولا التفاتاً إلى مواقف رجال. وقد ألقي في نفسه أنه لا يمكنه فعل شيء؛ وإن كان عنده الشيء الكثير، وهذا حال يراد أن يفرض على أمتنا في الوقت الحاضر بدعوى تفوق غيرها عليها. والمشكلة أنها قد صدقت هذه الدعوى العريضة – أو كادت- وما درت أنّ عندها من الإمكانات ما يضاهي ما عند الدول الكبرى؛ ولكنها العزيمة الضعيفة التي بلغ من ضعفها أن أحجم الناس عن الالتفات إلى المجد وتحصيله، واكتفوا بالسكوت والسكون.
5- الإحجام عن معالي الأمور:
فأنت ترى اليائس محجماً غير مُقدم، فما دعوته إلى أمرٍ إلا توانى عنه، ولا ندبته إلى فضل إلا تراخى عنه؛ فالطالب اليائس محجم عن درسه، والعاصي اليائس محجم عن توبته، والأمة اليائسة محجمة عن الإقدام نحو المجد والخطو نحو العلا، فهم يرون أنه لا تغيير لواقعهم، ولا تحريك لما سكن في الدنيا، ولا جدوى من أي فعل. وهل هذا إلا موت محقق؟ يرى الناس الرجل، فيظنون أنه من الأحياء، وما هو منهم؛ فهو ميت في ثوب حي، قد بلغ به القنوط مبلغه، فجرده حتى من مجرد التفكير بالعمل، فأضحى عاجزاً حتى عن مجرد تصور فعل من الأفعال. وهنا تكون المصيبة العظمى، والطامة الكبرى إذا أشربت الأمة هذا الإحجام في قلوبها، فلم تعمل على تغيير شيء في حياتها، ثم تلقي بضعفها وعجزها على أقدار رب العالمين. والله المستعان.
6- تفويت الفرص:
ذلك لأن من فقد الأمل ضعفت نفسه، وكلّت عزيمته، وتأخر عن أقرانه، وفاته خلانه، وتأخر عن بلوغ الآمال، وتحصيل معالي الأمور. ولذا، فكم من فرصة سانحة قد فَوَّت؟ وكم من مقامِ خير قد نكل عنه؟ وكم من موقف شجاع قد أحجم عنه؟ فلسان حاله اليأس، وعنوانه القصور، ولا ينطق إلا بعدم جدوى أيِّ فِعل؛ فهو جامد ساكن لا يتحرك، والساكن لا يحافظ على خواصه الأصلية، بل يفقدها؛ والماء الساكن مدعاة للفساد؛ والهمة الساكنة مدعاة للنضوب. ولذا، فكم جنى اليائس على نفسه أولاً؛ وعلى أمته ثانياً؛ بالفتِّ في عضدها، والإضعاف لقوتها، والإيغار لصدور أعدائها عليها، والتأخير لكل عمل خير فيها.. وهكذا.
-السبيل-