أحكام أضحية العيد
الإثنين،5 ذوالحجة1435ه الموافق29أيلول/سبتمبر2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو الحسن هشام المحجوبي و وديع الراضي
أحكام أضحية العيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تعريف الأُضْحِيَّة: الأضحية من الشعائر العظيمة في دين الله تعالى يوم العيد، وأصل تسميتها – كما قال النووي رحمه الله في “المجموع” (8 /382) -: “قيل سميت بذلك؛ لأنها تُفعَل في الضُّحى، وهو ارتفاع النهار”، وهي كل ما يُذبَح من بهيمة الأنعام؛ من إبل وبقر وغنم، أيام النحر.
مشروعيتها: نجد أنها منصوص عليها في الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة؛ يقول سبحانه: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، ومن السنَّة ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشينِ أملحينِ، ذبَحَهما بيده، وسمَّى وكبَّر ووضع رِجله على صِفاحِهما”، وأما الإجماعُ فقد ذكره زمرةٌ من أهل العلم، منهم ابن قدامة رحمه الله.
وقد شُرِعت من أجل التقرب إلى الله جل وعلا؛ قال سبحانه: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]، واقتداءً بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، الذي أمره ربه سبحانه وتعالى بذبح ولده إسماعيل، فامتثل أمره عليه السلام، فكافأه ربه بأن فداه بذِبْح عظيم؛ قال سبحانه: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]، ومن حِكَمها أيضًا: إظهار السرور في العيد، والتصدق على فقراء الأمة ومحتاجيها، ومشاركة الأهل والأحباب في الأكل منها، ومشابهة الحجَّاج في بعض المناسك؛ كالتكبير؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، ومن التشبُّه بهم كذلك: أنْ سَنَّ لنا عدم حلق الشَّعر وقص الأظفار لمن سيقوم بالتضحية.
حكمها: الراجح انطلاقًا من أقوال أهل العلم – حتى لا نخوض فيما اختلفوا فيه – أنها سنَّة مؤكَّدة، وهو قول الجمهور، ومن بين حُججِهم التي استدلوا بها على ذلك: ما ورد في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شَعره وبشَرِه شيئًا))، ومحل الشاهد: أنه علقه على الإرادة، مع العلم أن الواجب لا يأتي معلَّقًا على الإرادة، وهذا لا يمنع أن من استطاع شراء الأضحية أن يبادر إلى ذلك؛ لنيل الثواب والأجر؛ فالمسلم التقيُّ يسارع دائمًا في الخيرات، ولا يتقاعس؛ يقول سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، ومن كان فقيرًا معسِرًا لا يستطيع شراء الأضحية، فليعلم وليفرح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى عمن لم يضحِّ مِن أمَّته ممن كان موحِّدًا، وإن استطاع أن يجد مَن يُقرضه مالاً – من الناس وليس من البنوك الربوية – فليفعل، بشرط أن يكونَ له وفاءٌ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إن كان له وفاءٌ فاستدان ما يضحِّي به فحسَنٌ، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك”، ويمكنه هو وكلُّ مَن ضحَّى أن يأكل ويتصدَّق ويدَّخر.
شروط الأضحية:
• أن تكون من بهيمة الأنعام، كما أسلفنا الذكر، وهي الإبل والبقر والغنم، وأفضل هذه الأنواع كلها هو الغنم الذي يضم كلاًّ من (الضأن والمعز)، ثم يليه البقر، ثم الإبل، ونذكر في هذا الباب أنه يجوز اشتراك سبعة أشخاص في البقرة والبَدَنة، كما هو قول الجمهور، فيكون السُّبُعُ مجزِئًا له ولأهل بيته؛ لِما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (نحَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البَدَنةَ عن سبعة، والبقرة عن سبعة)، أما الشاة فلا تجزئ إلا لواحد.
• لا بد أن تبلُغ السنَّ المحدَّدة شرعًا، وهي خمس سنوات بالنسبة للإبل، وسنتان للبقر، وسنة للماعز، وستة أشهر للضأن.
• ألا تعتريَها العيوب الواردة في حديث البراء بن عازب: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البَيِّن عَوَرُها، والمريضة البَيِّن مرَضُها، والعرجاء البَيِّن ظَلْعُها، والكبيرة التي لا تُنقِي))، والكبيرة التي لا تُنقِي: هي الهَرِمةُ التي لا مخَّ في عظامها.
• أن يكون الذبح أو النحر في الوقت المعلوم لذلك؛ أي: بعد صلاة العيد، ويمكن أن يستمر إلى اليوم الثالث عشر من أيام التشريق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن ذبَح قبل أن يصليَ، فليُعِدْ مكانها أخرى)).
آداب الذبح:
هناك من يغفُلُ عن مراعاة بعض الأمور أثناء القيام بالذبح، يمكن أن نلخصها فيما يلي:
1- الحرص على إراحة ذبيحته، باستعمال أداة حادةٍ، ويسرع على تمريرها؛ لكون ذلك من الإحسان؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلمٌ عن شدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه: ((إن الله كتَب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قَتلتم فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذَبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه، وليُرِحْ ذبيحته)).
2- أن يتجنب ما يمكن أن يخيف ذبيحتَه؛ كأن يشحَذَ السكين أمامها، أو يذبحها أمام أخرى، أو يجرها بعنف عند مباشرته الذبح؛ لِما أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “مرَّ برجل يشحَذُ سِكِّينه أمام الأضحية، فقال: ((أفلا قبْلَ هذا! أتريد أن تُميتَها موتتين؟ هلا حدَدْتَ شفرتك قبل أن تُضجِعَها!)).
3- يتم وضع الأضحية على جانبها الأيسر، ويضع المضحي قدمَه اليُمنى على جانبها الأيمن.
4- الحرص على توجيه وجه الأضحية إلى القِبلة، كما دل على ذلك حديثُ جابر رضي الله عنه عند أبي داود حين قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يذبَحَ ذبيحتَه وجَّهها…”؛ أي: إلى القِبلة.
5- الحرص كذلك على ذِكر اسم الله عند الذَّبح، حتى يخرج المضحِّي من خلاف العلماء في شأن مَن ترَك التسمية، فيقول: “بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبَّلْ مني”.
6- ينبغي تركُ الشروع في سَلخ الذبيحة وكسرِ عظمها قبل خروج روحِها؛ لقول عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق”؛ [انظر: “فتح الباري” (9 /526)].
8- وللذابح الذي يرغب في أن يصيب السنَّة أن يترك الأكل صبيحةَ يوم العيد حتى يرجع من الصلاة ويضحِّيَ فيأكل من أضحيته؛ فعن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يخرُجُ يوم الفِطر حتى يطعَمَ، ولا يطعَمُ يوم الأضحى حتى يصلِّيَ).
مخالفات يجب اجتنابُها:
تكثُرُ المخالفاتُ التي يقوم بها الناس يوم العيد وبعده، من أفعال بِدْعية، وحتى شِركية، فمنهم من يوضِّئ أضحيتَه أو يقوم بالمسح عليها ليلة العيد من رأسها إلى ذَنَبِها، أو يأخذ بعضًا من دمِها أثناء الذَّبح فيضعه في باب بيته، أو يستخدمه لأغراض أخرى.
ومنهم من يقوم ببيع جلد أضحيته، أو شيء منها، وغير ذلك من المحرَّمات، فينبغي التقيُّدُ بما جاء في الشرع، بلا زيادةٍ ولا نقصان، ومن شكَّ في أمرٍ فعليه بسؤال أهل الذِّكر؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].
ونسأل الله تعالى أن يتقبَّل عملنا، وأن يرزقنا الأجرَ والثواب يوم العيد وسائر الأيام، آمين، والحمد لله رب العالمين..
المصدر:الألوكة