أرامل أراكان يسردن مصائب الفقد والإهمال
تقرير الجزيرة.نت
في ليلة بهيجة من عام 1987، زفت طيبة لأبي طالب في قرية وادعة شمال غرب ميانمار، ويتحولان إلى مسكنهما المتواضع جدا، حيث عاشا في حب واستقرار طيلة ثلاثة عقود.
تشاطر الزوجان حلو الأيام ومرها، وواجها نكد الفقر بالقناعة والصبر، وأنجبا ست بنات بذلا ما بوسعهما لرعايتهن وحمايتهن من غول الدهر.
كانت طيبة تكرّس ساعات النهار لرعاية المنزل والبنات، وعند الغسق تتلّهف الأسرة لعودة أبي طالب من الغابة، حيث يقضي يومه هاويا بفأسه على أشجار البامبو لكسب قوت عياله من بيع الخشب.
لكن الحقد اغتال هذه السعادة البسيطة في ليلة مشؤومة من أغسطس/آب الماضي، فقد هاجم جيش ميانمار قرية لونغوم، وعندما هرب سكانها من منازلهم شيّعهم بوابل من الرصاص.
تقول المكلومة طيبة “هاجمونا عند منتصف الليل وهربنا، وأطلقوا علينا النار فقتل أبو طالب، ونجوت مع بناتي الست وإحداهن بكماء”.
بعدها سارت طيبة على دروب المكاره في إقليم أراكان ثم عبرت إلى بنغلاديش لتشاطر قصتها مع آلاف أخريات من نساء الروهينغا قتل جيش ميانمار أزواجهن خلال الشهرين الماضيين.
ومنذ أواخر أغسطس/آب الماضي، عبر إلى بنغلاديش 509 آلاف روهينغي، أغلبهم من النساء والأطفال، هربا من حملة عسكرية يشنها جيش ميانمار ضد هذه الأقلية المسلمة.
ويلاحظ نفيس -رائد بالجيش البنغالي- أن كبار السن من الرجال يشكلون نسبة كبيرة من الروهينغا الذين فروا من إقليم أراكان.
قتل الشباب
ويضيف “انظر إلى هذا الطابور الطويل؛ كل الرجال فوق سن الخمسين، لقد سمعنا من الهاربين أن جيش ميانمار قتل جميع شباب الروهينغا”.
وتروي نسيمة أن المليشيات البوذية قتلت زوجها وأختها، وأنها تاهت بين الأحراش وخاضت وحل المستنقعات حتى تمكنت من ركوب قارب بئيس قذف بجسمها النحيل على ضفة نهر ناف المقابلة لبنغلاديش.
ولا تتوفر أرقام رسمية عن عدد الرجال الروهينغا الذين قتلهم جيش ميانمار في إقليم أراكان؛ لكون السلطات هناك تمنع وصول الصحفيين والحقوقيين للمنطقة.
لكن الناشط الحقوقي عريف الله أحمد يؤكد أن 5500 سيدة روهينغية هربن من قرى ومدن إقليم أراكان بعد أن قتل جيش ميانمار أزواجهن. ويضيف أن “جيش ميانمار يستبيح القرى فيقتل الرجال ويغتصب النساء ثم يضرم النار في المنازل”.
وبجانب الأرامل هناك سيدات اختفى أزواجهن أو اعتقلوا ولا يعرفن أي شيء عن مصيرهم، في حين يرجح الناشطون مقتلهم، خاصة أن جيش ميانمار لا يعترف أصلا باحتجازهم.
أوضاع كارثية
وتروي عريفة بينما تهدهد رضيعها الجائع أن الجنود باغتوا عائلتها فاعتقلوا زوجها وأحرقوا المنزل في حين تمكنت من الهرب وعبرت بالصغير نهر ناف إلى بنغلاديش، “ولم أحصل حتى الآن على ملجأ”.
كذلك لم تحصل عريفة حتى الآن على أي معلومة عن مصير زوجها، وأنّى لها ذلك، فقد تقطعت بها السبل وفقدت التواصل مع القرية بعد أن فرّ جميع معارفها وتفرقوا في الأودية والشعاب بحثا عن الأمان.
وبعد سبعين يوما من بدء تدفقهم إلى بنغلاديش، يعيش النازحون الروهينغا أوضاعا كارثية في مخيمات اللجوء، حيث يتمدد الجوع، ويتفشى المرض، وينعدم الماء الصالح للشرب، وتغيب كل مقومات الحياة.
ووسط هذا البؤس، يلوح في النفق بصيص أمل بعد تناقل أخبار عن تفاهمات بين ميانمار وبنغلاديش تقضي بقرب عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم.
تقول طيبة إنها تأمل أن تغادر مخيمات اللجوء في أقرب وقت لتعود مع بناتها لقرية لونغوم في إقليم أراكان وتعيش بقية حياتها في سلام وأمان.
لكنها هذه المرة -في حال عودتها- لن تنتظر عودة أبي طالب من غابة البامبو عند حلول المساء، ولن تعثر حتى على قبره على الأرجح، فقد أحرق جنود ميانمار الجثث والمنازل وعاثوا في الأرض فسادا وطغيانا.
المصدر : الجزيرة.نت