أسعد فتاة في العالم
الإثنين 3 صفر 1437//16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
وائل علي البتيري
قالت لها صديقتها التي تجلس بجانبها على مقاعد الدراسة الجامعية: هذه هدية مني لكِ بمناسبة مرور عام كامل على صداقتنا، لكن أرجو أن لا تفتحيها إلا بعد أن تنهي كل مشاغلك اليوم، وتستعدي للخلود إلى النوم.
غمرها الفرح والسرور، وأعربت عن اعتزازها بهذه الصداقة التي ابتدأت منذ الأيام الأولى لالتحاقهما بالجامعة، وقالت لها: بصراحة! تعرفت في حياتي على صديقات كثر، وهن طيبات أيضاً، لكنك الأفضل بينهن.
مرت الساعات عليها ببطء شديد، حتى إنها ذهبت إلى غرفتها للنوم مبكرة هذه المرة؛ لأنها وعدت صديقتها أن تنفذ طلبها بأن لا تفتح هديتها إلا قبيل نومها.
جلست على السرير وحدها، وتملّكتها السعادة، وارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، فقد حان الموعد لتعرف ما الذي بداخل هذه العلبة المزوَّقة..
أخذت تزيل اللاصق عن ورق الهدايا بسرعة عجيبة، حتى إذا ما فتحت العلبة؛ تغيّر وجهها، وتلاشت الابتسامة سريعاً، وطارت عن محياها علامات البشر والسرور! وقالت: “ما هذا؟ جلباب وإشارب؟!”.
لم تكن ليلى تلبس الجلباب ولا الإشارب، وأحياناً كانت تلف على رأسها شالاً ملوناً مليئاً بالبرق اللامع، وخصوصاً في شهر رمضان “احتراماً للشهر الفضيل” كما تقول.
وكانت صديقتها “هدى” ملتزمة بالحجاب الشرعي، حريصة على ستر جسدها بالجلباب الفضفاض الساتر، والإشارب الذي لا يلفت الانتباه، ولا يجلب الأنظار الآثمة.
وكلما نصحت هدى صديقتها ليلى بارتداء الجلباب؛ قالت لها: “الله يهدينا.. المهم طهارة القلوب، وأنا قلبي أبيض”، وأحياناً كانت تتذرع بأنها ما زالت صغيرة وتريد أن تعيش حياتها، مؤكدة أنها ستلتزم بالحجاب الشرعي بعد أن تجد فارس الأحلام، العريس المنتظر.
ومنذ ثلاثة أشهر؛ لم تذكر هدى لها كلمة واحدة عن الحجاب، فقد أعربت ليلى عن ضجرها من كثرة الحديث في هذا الموضوع، وقالت لهدى: “إذا أردتِ أن تستمر صداقتنا؛ فأرجو أن لا تفاتحيني في هذا الموضوع بعد اليوم، فأنا أدرى منك بمصلحتي وحياتي الشخصية”.
انتبهت ليلى بأن هدى قد أرفقت بهديتها رسالة قصيرة.. فتحتها والحنق يتملكها، وبدأت تقرأ.. قالت لها هدى في الرسالة:
حبيبتي ليلى! أعرف أنكِ الآن غاضبة مني، ولكن تأكدي أنني أحبكِ كثيراً، ولهذا أهديتك أعز شيء عليّ في حياتي! فهو بالنسبة لي: العفة والحياء، والطهارة والنقاء، والرفعة والسناء.. وأتمنى الموت قبل أن يأتي اليوم الذي أمشي فيه بالشارع بلا حجاب!
ولأنك صديقتي الأعز علي، والأقرب إلى قلبي، ولأني أعلم أنك تعتزين بصداقتي.. أرجو أن تفتحي فؤادك وعقلك لهذه الكلمات.. ولن أطيل عليكِ..
عزيزتي.. هل تعلمين أن الله الذي خلقنا هو أدرى منا بما يُصلح شأننا، ويجعلنا نعيش حياة سعيدة؟ ألم يقل سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”؟ فلماذا تدَعين الاستجابة إلى أمر الله ورسوله، وتستجيبين لحجج غير منطقية، كقولك: “المهم طهارة القلوب.. سألتزم بالحجاب حينما أتزوج”.
أعرفُ أنك طيبة جداً، وأن قلبك أبيض لا يعرف الحقد على الناس، ولكن يجب أن لا ننسى طهارة أخرى للقلب، تلك الطهارة التي تملأ القلب إيماناً وحباً لله؛ يدفعك إلى الالتزام بأمره، والاستجابة لندائه، والبكاء على أعتابه؛ طلباً للهداية والعون على الأعمال الصالحة.
تلك الطهارة التي تدفعك لأن تكوني ممن قال الله تعالى فيهم، واصفاً عباده المؤمنين: “والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربّهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً”، وإنما تفاعلوا معها تفاعلاً إيجابياً، وقالوا: سمعنا وأطعنا.
الطهارة التي تظهر على جوارحك، فإذا سمعت قوله تعالى: “يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن”، وقوله تعالى: “ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الأولى”؛ طهّرتِ جوارحك من تبرّج تلك الجاهلية، ولبستِ الثياب التي أمر بها الإسلام، والتي تتصف بأنها ساترة لجسد المرأة، سميكة لا تشف، فضفاضة لا تصف.
أمّا أنكِ تنتظرين الزواج حتى ترتدي الحجاب الشرعي؛ فمن يضمن لكِ أن تعيشي إلى ذلك اليوم؟!
إيهٍ يا ليلى! متى يأتي ذلك اليوم الذي أراكِ فيه أجملَ الجميلات، ترتدين ما أهديتكِ إياه، وتعتزين بأنك فتاة طائعة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ إني أخاله يوماً قريباً.. وقريباً جداً.
يا رب! اهدِ قلب صديقتي ليلى، واشرح صدرها بحبّ الحجاب الشرعي، والالتزام به.. يا أرحم الراحمين يا الله!
وهنا؛ اختلط الحبر الذي كُتبت فيه الرسالة بدموع الندم والإنابة، وجرى الحبر والدمع على الورقة البيضاء، وكأنه يرسم طريقاً جديدة لليلى، التي عزمت على سلوك هذه الطريق مهما كلّفها الأمر، بحجابها الجميل، وحيائها الساتر، وهي تقول: شكراً لله! أنْ سخّر لي صديقة تدلّني على ما يرضيه.
أخذت ليلى هدية صديقتها هدى، ولبست ثوبها الجديد، وتقدمت إلى المرآة، فرأت طهارة قلبها في جلبابها الذي تحفه أنوار الهداية، وشعرت أنها أسعد فتاة في العالم.
– السبيل