أفضل أيام الله

الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أيمن بن عبدالعظيم الأصبح
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعدُ:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الحمد لله على نعمة النعم، ومنة المنن، الحمد لله على النعمة العظمى، والمنة الكبرى، الحمد لله على أعظم نعمة أنعم بها علينا، الحمد لله على أجل منة امتنَّ بها علينا، الحمد لله على “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”.

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي أرسل إلينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة، وإن كنا من قبل لفي ضلال مبين، الحمد لله على كل رسولٍ أرسله، الحمد لله على كل حق أحقَّه، الحمد لله على كل باطلٍ أزهقه، الحمد لله على كل مظلوم نصره، الحمد لله كل ظالمٍ قهره، الحمد لله على كل جبارٍ قصمه، والله أكبر كبيرًا.

وبعدُ:
أيها الإخوة الأحباب، عنوان مقالي معكم اليوم باسم: “أفضل أيام الله”.

المحور الأول: فضل أيام العشر من ذي الحجة:
أحب الأشهر إلى الله تعالى الأشهر الحرم، وأحبها إليه شهر ذي الحجة، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول، التي أقسم الله بها في كتابه – تبارك وتعالى – فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم: هي عشر ذي الحجة.

وهي الأيام المعلومات التي ذكرها الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم؛ فقال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28].

فالأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاث: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
وهي أفضل أيام الدنيا؛ كما جاء ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر))[1].

اقرأ أيضا  الحث على زكاة الفطر وذكر بعض أحكامها

وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام))؛ يعني: عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء))؛ صحيح، أخرجه أبو داود، وله لفظ آخر عند البخاري.

ومن فضائل العشر من ذي الحجة:
1- أقسم الله بها.
2- الأمر بكثرة التسبيح التهليل والتكبير فيها.
3- أن فيها يوم التروية.
4- أن فيها يوم عرفة.
5- أن فيها ليلة مزدلفة، أو جمعًا، أو المشْعر الحرام.
6- أن فيها رمي الجمرات تعبدًا لله تعالى.
7- أن فيها الحج الذي هو رُكْن عظيمٌ من أركان الإسلام.
8- أن فيها يوم النحر.
9- أن فيها ذبح الهدْي والأضاحي.
10- أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله.
11- صوم أيامه.

فيا أيها الأخ الحبيب:
ألا تُحب أن تكون من العاملين في هذه الأيام المباركة، ألا تُحب أن تكون من العاملين في أفضل أيام الله – عز وجل – التي يعطيها الله – عز وجل – هدية لعباده المتقين، لعباده الطائعين؛ لكي يُعظم لهم الأجْر في الأيام، ألا تُحب أن تتأسَّى بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في هذه، وتعلم ماذا كان يعمل فيه فتعمل؟! وإليك بعضَ الأعمال في هذه الأيام.

المحور الثاني: أعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة:
Ÿ الذِّكر:
فضل الذِّكر:
جاءتْ جملة من الأدلة التي تدل على استحبابه بصفة عامة، وفي هذه الأيام على وجه الخصوص، فمن فضْل الذكر ما ذُكِر في كتاب الله – سبحانه -: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

وقد ورد حديث آخر في “مستدرك الحاكم” بسَنَد ظاهره الصِّحَّة، وإن كان فيه نزاع: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أولا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم مِن أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذكر الله)).

اعلموا هذا – أيها الأحباب – ألا تُحبون أن تكونوا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات؟!

هذا فضل الذكر، فما هي فوائده؟

محبة الله لمن أكثر ذكره:
ومِن ذَكَر الله أَحَبَّهُ الله؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها))، فالله يرضى عنك إذا أكلت فقلت: الحمد لله، أو شربت فقلت: الحمد لله، وكذلك إلحاقًا إذا نمت فقلت: الحمد لله، ((الحمد لله الذي كفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي!)).

اقرأ أيضا  كيفية اداء مناسك عمرة رمضان

ويرضى عنك إذا قمت من نومك فقلت: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور))، ويرضى عنك إذا ركبت فسبحت فقلت: ((سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنَّا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون)).

ذكر الله تكثيرٌ لحسنات العبْد عند الله:
الرسولُ – عليه الصلاة والسلام – لما جاءه فقراء المهاجرين وأخبروه بقولهم: ((ذهب أهل الدثور بالأجور، وبالدرجات العلى والنعيم المقيم))، ودلَّهُم على الذكر، سمع الأغنياء بالذي تعلمه الفقراء من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصنعوا كصنيعهم، فجاء الفقراء مرة أخرى إلى رسول الله، فماذا قال الرسول؟ قال: ((ذلك فضْل الله يؤتيه من يشاء)) – سبحانه وتعالى.

وقال النبي – عليه الصلاة والسلام -: ((نِعْم المال الصالح للعبد الصالح))، وقال النبي – عليه الصلاة والسلام – كذلك: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها)).

الشاهد:
أن الغني الشاكر محمود على كل حال، وليس المقام مقام تفصيل وتفضيل بين الغني الشاكر أو الفقير الصابر، ولكن المراد أن الغني الشاكر محمود على كل حال، فليكن حالك هكذا دائمًا، يدور بين الشكر عند النَّعماء، وبين الصبر والرضا بالقضاء عند الضرَّاء.

بذكر الله تنزل السكينة، وتحف الملائكة، وتغشى الرحمة، الملائكة تنزل على الذاكرين الله والذاكرات، وعلى التالين لكتاب الله، السكينة تغشاهم كذلك، الرحمات تَتَنَزَّل عليهم كذلك، وفضلاً عن ذلك، فإن الرب – سبحانه وتعالى – يذكرهم.

ذكر الله جالبٌ للأرزاق:
أما جلب ذكر الله للأرزاق، فإنَّ الدُّعاء من ذكر الله؛ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، والاستغفار مِن ذِكْر الله؛ قال نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 – 12].

فضلاً عن الأجْر الأُخْروي المدَّخَر للذاكر؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا حول ولا قوة إلا بالله كنْز من كنوز الجنة))، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعتْ عليه الشمس)).

وآخر ما أقول في هذه الجزئية: إن أعظم الذِّكر كتاب الله تعالى.

اقرأ أيضا  لذة قيام الليل

من ذكر الله فلا ينبغي أن يغفل: تلاوة كتابه الذي هو أفضل الكلام؛ كما قال الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ((لكل حرف منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها))، (الم) ثلاثون حسنة، وبعد ذلك يضاعِف الله لِمَنْ يشاء.

بتلاوة كتاب الله وبحفظه ترتفع درجاتك؛ قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: ((يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))، هكذا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم.

فأكثر من قراءة كلام الله خاصة في هذه الأيام العشر، وكذلك الذكر عمومًا.

ومن الأعمال أيضًا في هذه الأيام:
Ÿ الصيام وصيام يوم عرفة:
في الباب حديثان: أحدهما حديث عائشة: ما رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – صائمًا العشر قط.
والثاني: حديث هنيدة بن خالد واختلف عليه، فرواه مرة عن امرأته عن بعض أزواج النبي، ومرة عن أمه عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – ومرة عن حفصة، كل رواياته فيها: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصوم التسع الأول من ذي الحجة.

فبعضُ العلماء يقول: المثبِت مقدم على النافي، أو أنه – عليه الصلاة والسلام – كان يصومها سنوات، ولا يصومها سنوات أخرى.

وقول آخر من الأقوال: إنها تندرج – أي: صيامها – تحت الأعمال الصالحة في حديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله – عز وجل – من هذه الأيام)).

وأخرج الجماعة إلا البخاري والترمذي عن قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صوم يوم عرفه يكفر ذنوب سنتين – ماضية ومستقبلية – وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية)).
ـــــــــــــــــــــ
[1] رواه البَزَّار، وابن حبان وصححه الألباني في “صحيح الجامع” برقم 1144، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير))؛ رواه أحمد والطبراني.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.