أفغانستان ما بين الساعة للولايات المتحدة والزمن لطالبان
(معراج) – يبدو أن السلام في أفغانستان ليس بقريب لعوامل عديدة أبرزها، استراتيجية الولايات المتحدة المليئة بالتناقضات في جنوب شرق آسيا، وإعلان طالبان قبل نحو شهرين استعدادها للرد بالسلاح على مقترح السلام الذي عرضه عليها رئيس البلاد أشرف عبد الغني.
ففي الوقت الذي تتحدى فيه طالبان الولايات المتحدة من خلال الاستمرار في عملياتها التفجيرية، يقوم منافسها تنظيم داعش باستهداف المواطنين الأفغان الشيعة، الأمر الذي يعد دليلا على عجز الولايات المتحدة وقوى الأمن الأفغاني بعد 17 عاما من احتلال أمريكا لأفغانستان.
ويساهم داعش كما هو الحال في الشرق الأوسط، بتعزيز تواجد روسيا وإيران في أفغانستان، إذ يعمل التنظيم على منافسة طالبان من خلال السيطرة على المناطق من جهة، ومن جهة أخرى شرعنة تواجد روسيا وإيران في البلاد.
وتبنى داعش الهجوم على مواطنين شيعة خلال الانتخابات التي جرت بأفغانستان في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، ومن ثم الهجوم الذي طال صحفيين أفغانا، ساعيا بذلك لزرع الفتنة على صعيد العرقيات الطائفية، وتعميق الخلافات الحالية الموجودة من ناحية، والتشكيك في شرعية الحكومة الأفغانية من ناحية أخرى.
كما أن التنظيم ينافس طالبان ويخدم أهدافه في الوقت ذاته كنتيجة مباشرة لهذه الهجمات.
ففي الوقت الذي تفشل القوات الأفغانية في ضمان أمن البلاد، تصبح شرعية الحكومة قابلة للنقاش، وهو ما أعلنه الشيعة الأفغان بشكل علني عقب تعرضهم لهجوم داعش في المركز الانتخابي، حين أفادوا “لقد فقدنا الأمل بالحكومة الحالية”، و”عاجزة عن الدفاع عنا”، و”علينا التسلح وضمان أمننا بأنفسنا”.
إن هذا النوع من الهجمات سيساهم في تقوية روابط إيران وعلاقاتها مع الشيعة الأفغان، القائمة أصلا منذ تحرر مناطق الشيعة من احتلال الاتحاد السوفييتي.
ـ أعداء الأمس حلفاء اليوم
ضمن إطار محاربتها لتنظيم داعش، قدمت روسيا السلاح لعدو الأمس، تنظيم طالبان، وشاركته معلومات استخباراتية، وبالرغم من أن هذا الأمر لم ينل رضا الحكومة الأفغانية فلا شيء تفعله بهذا الشأن.
وفضلا عن ذلك، هناك تقارب بين روسيا وباكستان، حيث عُقد اجتماع بين البلدين على مستوى مستشاري الأمن الوطني في أبريل / نيسان الماضي، تم الحديث خلاله عن تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الجانبين.
وفي مواجهة الضغوطات الأمريكية، لم تكتف باكستان بتوثيق علاقاتها الاستراتيجية مع الصين، إنما تريد وقوف روسيا إلى جانبها أيضا، حيث توجد أقاويل مفادها أنها اقترحت على موسكو عقد “شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد”.وفق الأناضول
ومن ضمن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، تلعب ألمانيا دورا فاعلا في دعم السلام بين أفغانستان وباكستان، كما أنه ليست هناك دولة بما فيها بريطانيا ترغب بمشاركة الولايات المتحدة أخطاءها في أفغانستان.
والإنجليز على عكس الأمريكيين يميلون إلى محاورة طالبان، واتخاذ خطوات سياسية واجتماعية وتنموية بالمنطقة بعد ضرب تنظيم القاعدة.
وتواصل الصين في الوقت ذاته العمل بصمت لتعزيز وجودها بالمنطقة، إذ يعتبر ضمان أمان مشروع “الطريق والحزام” الذي تهدف من خلاله لإقامة علاقات اقتصادية تشاركية مع دول العالم من أهم العوامل المحددة لطبيعة نظرتها إلى المنطقة.
وتحافظ بكين على علاقاتها الاستراتيجية مع باكستان، وتمنع أن يتجاوز الأمر سياستها العامة، وتعمل بالتعاون مع الهند لتمديد سكك حديدية تمتد بين كل من أفغانستان وطاجكستان وقرغيزستان وإيران والصين.
وتهدف الصين من خلال هكذا مشاريع إلى دمج أفغانستان ضمن مشروع الطريق والحزام، إذ ستولي مسؤولية حماية الطريق إلى الجيش الباكستاني.
وباعتبار أن الأمر ذاته غير نافذ بالنسبة إلى أفغانستان، فإنها ستتكلف بنفسها حماية المشروع في المنطقة المارة من أفغانستان من خلال نقاط محددة تراها لازمة، دون جذب الكثير من الأنظار حول تواجدها هناك.
الولايات المتحدة إن لم تتخذ قرارات حاسمة في أفغانستان، على غرار الدول المحتلة سابقا للبلاد (بريطانيا وروسيا)، فإنها ستواصل الغوص في المستنقع الذي وقعت فيه.
ويجب عليها الجلوس إلى طاولة الحوار مع طالبان، وتحديد جدول زمني للانسحاب من البلاد، فضلا عن التفاهم مع كل من باكستان والصين، كما أن السلام في أفغانستان قد يحتاج تعزيز الإدارات المحلية هناك إن كان بشكل رسمي، أو ترك بعض المناطق لطالبان بشكل غير رسمي.
وبخلاف ذلك، فإن الولايات المتحدة التي تنفق سنويا 60 مليار دولار، ستضطر إلى مواجهة تنظيم إنفاقه السنوي 60 مليون دولار، وبالرغم من رفض إدارة ترامب تقديم جدول زمني واضح للانسحاب من أفغانستان، يظل المثل القديم ساريا هنا، وهو “الساعة للولايات المتحدة فيما الزمن لطالبان” (وللروس، ولباكستان، ولإيران، وللصين).
وكالة معراج للأنباء