ألا هل مشمر للجنة ؟!

السبت،17ربيع الثاني1436//7 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أحمد عبد الحافظ
ما الذي دعا حرام بن ملحان أن يقول: فزت ورب الكعبة. فبأي شيء فاز وقد طعن ؟!
ما الذي دعا أنس بن النضر أن يقول لسعد: إني أجد ريحها دون أحد. أي شيء يشم وأي شيء وجد ؟!
ما الذي حرك حب الشهادة في قلب عمير بن الحمام ؟ ما الذي حمله أن يقول لرسول الله: بخ بخ ثم يقاتل القوم حتى قتل؟!
إنها الجنة !!
أوَّاه يا حرام .. أوَّاه يا ابن النضر .. أوَّاه يا عمير .. طال شوقكم إلى الجنة، فرأيتم جمالها وشممتم عبيرها !!
ما معهم شيء سوى الأعمال فهـ *** ـــي متاجـــر للنـــار أو لجنان
تسعى بهـم أعمالهم سوقا إلى الد *** اريــن ســوق الخيـل بالركبان
صبـروا قليــلا فاستراحـوا دائمــا *** يـا عــــزة التوفيـــق للإنســان
إنها الجنة يا حبيب !!
في البداية
فَصَل الحكمُ بين العباد، وعرف كل منَّا منزله، وما إن يحط المؤمنون رحالهم يجدون أبوابها مغلقة، فيهرعون إلى كبيرهم آدم عليه السلام، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول تواضعًا: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. ثم يذهب المؤمنون إلى إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فيقول كل منهم: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيأتي فيأخذ بحلقة باب الجنة، فيقول خازن الجنة: مَن أنت ؟ فيقول: محمد. فيقول: بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ [1]. ثم يدخل المؤمنون إلى الجنة تباعًا.
ويا لها من لحظة سعيدة !
إنها لحظة الفوز العظيم، عندما تفتح أبواب الجنة بابٌ تلو بابٌ، وقد انتشرت الملائكة مستقبلين المؤمنين والمؤمنات، وعندها يسمعون تلك الكلمة التي تلخص لك النعيم: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].
إنه الخلود:
حيث يذبح الموت أمام الجميع، ثم ينادي المنادي: “يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت”.
أما سَمِعتم بالخلودْ؟ خلودْ ! لن ننتهي، لن نموت، لن نَهرم، لن نجزع، لن نخاف، لن نبكي، لن ننام، لن نتعب، لن يخذلنا الأصدقاء، لن تموت أمهاتنا، لن يغيب آباؤنا، لن يمتلأ قلبنا بأمنياتْ فَما نتمناه يُحَققْ، لن نخاف الفقر وَالدَينْ، لن تتفطر قلوبنا شَوقاً، لن نَبكي الظلم، لن نبكِي وَسنضحك كَثيراً …
وَلَكُمُ الْجَنَّةُ
كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام في بيعة العقبة الثانية، كانوا ثلاثة وسبعين رجلًا وامرأتين، ما كانوا يملكون كثير قرآن ولا وافر علم، ولكنهم كانوا يعرفون معلومة واحدة، كانت كفيلة أن يضحوا لها بكل ما يملكون، إنها: الجنة.
روى الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في السنن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلاً حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ في الْمَوْسِمِ فَوَعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّى تَوَافَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: “تُبَايِعُونِى عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، والنَّفَقَةِ في الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا في اللَّهِ لاَ تَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ، وَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. وَلَكُمُ الْجَنَّةُ”.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ: رُوَيْدًا، يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً، فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالُوا: يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ، أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ، فَوَاللَّهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ، وَلَا نَسْتَقِيلُهَا. فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ [2].
فانظر يا حبيب إلى تلك الشروط، إنها شروط شديدة على قوم حدثاء الإسلام، الشروط أكثر من أربعين كلمة، والثمن كلمة واحدة: الْجَنَّةُ.
روى الطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: جَلَسَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَرَفَعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: “مَنْ يُبَايِعُنِي؟”، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا ثوبان، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَدْ بَايَعْنَاكَ مَرَّةً، وَأَنَا أُبَايِعُكَ الثَّانِيَةَ، فَعَلَامَ أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “عَلَى أَنْ لَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا، وَلَكُمِ الْجَنَّةَ”. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَنَا بَايَعْتُكَ، وَلَمْ أَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا، فَلِيَ الْجَنَّةُ؟ قَالَ: “نَعَمْ، إِنْ شَاءَ اللهُ”. قَالَ: “لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَسْأَلُ شَيْئًا مَا بَقِيتُ فِي الدُّنْيَا” [3].
فانظر يا حبيب: كيف كان الصحابة يعيشون في الجنة، وهم ما زالوا على الأرض أحياء؟ انظر يا حبيب: كيف كانت الجنة هي النقطة المحورية في حياتهم، فعاشوا سعداء وماتوا سعداء ؟
من أخبار المشتاقين
روى ابن المبارك في كتاب الزهد عن مولى لأبي ريحانة، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَفَلَ مِنْ بَعْثٍ غَزَا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى أَهْلَهُ، فَتَعَشَّى مِنْ عَشَائِهِ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَقَرَأَ سُورَةً، ثُمَّ أُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَكَانَهُ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ سُورَةٍ افْتَتَحَ الْأُخْرَى، حَتَّى إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ السَّحَرِ شَدَّ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا رَيْحَانَةَ، قَدْ غَزَوْتَ فَغِبْتَ فِي غَزْوَتِكَ، ثُمَّ قَدِمْتَ إِلَيَّ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْكَ حَظٌّ، وَنَصِيبٌ، فَقَالَ: “بَلَى، وَاللَّهِ مَا خَطَرْتِ لِي عَلَى بَالٍ، وَلَوْ ذَكَرْتُكِ لَكَانَ لَكِ عَلَيَّ حَقٌّ”، قَالَتْ: فَمَا الَّذِي يَشْغَلُكَ يَا أَبَا رَيْحَانَةَ؟ قَالَ: “لَمْ يَزَلْ يَهْوَى قَلْبِي فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ مِنْ لِبَاسِهَا، وَأَزْوَاجِهَا، وَنَعِيمِهَا، وَلَذَّاتِهَا حَتَّى سَمِعْتُ الْمُؤَذِّنَ” [4].
وروى ابن أبي الدنيا في وصف الجنة أن عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ قال لمالك بن دينار: “يَا أبا يحيى شوِّقنا”. فقال له: “يا عطاء في الجنة حوراء، يتباها بِهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ حُسْنِهَا، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ لَا يَمُوتُوا لَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ مِنْ حُسْنِهَا”، فلم يزل عطاء كمداً، أي:حزينًا من قول مالك أربعين يوماً.
وعن صالح المري عن يزيد الرقاشي، قال: “بَلَغَنِي أَنَّ نُورًا سَطَعَ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ النُّورُ فِيهِ شَيْءٌ. فَقِيلَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: حَوْرَاءُ ضَحِكَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا”. قال صالح المري: “وَشَهَقَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَجْلِسِ، فَلَمْ يَزَلْ يَشْهَقُ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ”[5].
ألا مشمر للجنة ؟
هكذا كانت الجنة في حياتهم، علموا أنها سلعة الله، وعلموا أن السلعة غالية، فقدموا الثمن من الأنفس والأموال، لأن الله اشترى وهم باعوا.
روى ابن حبان في صححيه وابن ماجه في سننه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ: “أَلَا هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا هِيَ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ- نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطَّرد وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ ونَضْرةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ”. قَالُوا: “نَحْنُ المُشَمِّرون لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ”، قَالَ: “قولوا: إن شاء الله”. ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه [6].
فهنيئًا لهم، كلما سمعوا وصفها زاد للجنة تشميرهم، وكلما علموا بأخبارها زادوا بالأقوال والأفعال صدقهم، هذا طريقهم فأين السالكون، وهذا سبيلهم فأين المشمرون ؟!.
هذه هي الجنة
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]”.
الحور العين في الجنة: قال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22- 23]. قال صلى الله عليه وسلم: “لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينها، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها” رواه البخاري.
خيم الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: ” في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن” رواه مسلم.
أنهار الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، مَجْرَاهُ عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ” رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: “أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ -أَوْ مِنْ تحت جبال- مسك” صحيح ابن حبان وإسناده حسن.
أشجار الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة لشجرة يسير الركب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30]. ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب” رواه البخاري.
طعام الجنة: قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا، وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: 22]. جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَفِي الْجَنَّةِ فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: “فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ” قَالُوا لَهُ: أَفَيَأْكُلُونَ مِنْهَا كَمَا يَأْكُلُونَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ “نَعَمْ، وَأَضْعَافًا” قَالُوا: أَفَيَقْضُونَ الْحَوَائِجَ؟ قَالَ: “لَا، وَلَكِنَّهُمْ يَعْرَقُونَ وَيَرْشَحُونَ فَيُذْهِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى” صفة الجنة لابن أبي الدنيا وصفة الجنة لأبي نعيم الأصفهاني.
شراب الجنة: قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 5]. وَقَالَ: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان:17]. وَقَالَ: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34].
عنب الجنة: قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فِيهَا عِنَبٌ -يَعْنِي الْجَنَّةَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ”. قَالَ: مَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ مِنْهَا ؟ قَالَ: “مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ لَا يَنْثَنِي وَلَا يَفْتُرُ” صحيح ابن حبان، وهو صحيح لغيره.
قوة أهل الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أن أحدهم ليعطى قوة مائة رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ” مسند أحمد، إسناده صحيح، رجاله ثقات.
الشهوة والجماع في الجنة: وفي رواية: “دَحَامًا دَحَامًا، وَلَكِنْ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ” رواه الطبراني في الكبير. وذلك لما كَانَ الْمَنِيُّ يقطع لذة الجماع، وَالْمَنِيَّةُ تقطع لذة الحياة، كانا منفيين من الجنة.
بناء الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، مِلَاطُهَا (طينها) الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، حَصْبَاؤُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، وَتُرْبَتُهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا يَبْلَى شَبَابُهُمْ، وَلَا تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ” مسند أحمد، حديث صحيح، وإسناده ضعيف.
سوق الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً”رواه مسلم.
حياة أهل الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: “إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون”. قالوا فما بال الطعام ؟ قال: “جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس” رواه مسلم.
الحسنى وزيادة في الجنة: عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، قَالَ: “إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ”. قَالَ: “فَيُكْشَفُ لَهُمُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ” قَالَ: “فَوَاللهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ” رواه ابن ماجه في سننه، وصححه الألباني.
تلك هي الجنة ونعيمها !!
“فيا عجباً كيف ينام طالبها ؟! وكيف لم يستخدم فيها خاطبها ؟! وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها ؟! وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها ؟! وكيف قر دونها أعين المشتاقين؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين ؟! وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين ؟! وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين ؟! لسان حال المشتاقين:
إذا اشتغل اللاهون عنك بشغلهم *** جعلت اشتغالي فيك يا منتهى شغلي” [7].
الجنة .. ألا تستحق !!
تلك هي الجنة .. ذلك هو نعيمها ! خلودها ! ألا تستحق من أجلها !! أن نصلي، نصوم، نزكي، نحج، نتصدق، نقوم الليل، نقرأ القرآن، نفشي السلام، نطعم الطعام، نصل الأرحام، نغض أبصارنا، نحفظ فروجنا، نحفظ من الكذب والغيبة والذنوب ألسنتنا، نكثر من ذكر ربنا، ننقي من الدرائن قلوبنا، نجاهد في سبيل الله بأنفسنا وأموالنا وألسنتنا وأقلامنا وأوقاتنا، وعلى البلاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر نصبر، … . والله إنها لتستحق !! إنها الجنة !!
حدثوني عن الجنة
حدثوني عن الجنة ..إن لي روحا تطير
حدثوني عن ما لم تره عيني .. ولا سمعت به أذناي
لا ولا خطر على قلبي .. ولا قلب بشر!
حدثوني يا رفاقي
عن نعيم أبدي! عن حياة لا ممات! عن سعادة عارمة! أشتهي فيها الحياة!
حدثوني عن ترانيم الشجون .. عن رفيق لا يخون! عن ثلاث الثلاثين .. عمرنا فيها يطول!
حدثوني كيف لا تبلى ثيابي؟ ولا يفنى شبابي! وأنعم للأبد!
هذا والله مرادي .. يا حنينا جاوز الحد مداه!
حدثوني عن لباسي .. أرتدي فيها الحرير؟ وأباهي بالأساور! ذهب .. فضة .. ولؤلؤ .. ثم بالعشق أطير!
ثم ما تلك الأرائك ؟! كيف يهدأ عقلي المشغول فيها ؟ هل تزيح الحزن عني ؟ وأنينا يغزو قلبي!
جاءني الآي بأكثر !! ذاك والله مرادي .. يا حنينا جاوز الحد مداه!
حدثوني عن الغرف! من فوقها غرف! من تحتها الأنهار .. يا أحاديث الترف!
حدثوني عن سوق الجنة كل جمعة! لا غش فيه ولا خداع .. عن نفح النعيم .. يهب من ربي .. لا يباع!
طمأنوني .. هل ترى عيني الحبيب؟ ثم أشرب من يديه! هل أجالسه هناك؟ ثم أبكيه إليه!
هذا والله مرادي .. يا حبيبي يا محمد!
حدثوني عن لقاء سرمدي بخديجتنا وعائش! واللقا حتما شجي .. في القصور الباذخات!
حدثوني عن شجوني .. أ ألاقي أصدقائي ؟ وأضم أوفيائي ؟! ينتهي فيها عنائي ؟ ونخلد للأبد ؟؟
هذا والله مرادي .. يا حنينا جاوز الحد مداه!
حدثوني عن بساتين .. بها الروض الندي .. عن خلود فخلود! هذا كل ما أريد!
ثم قولوا سينادى يوم ذاك!أن حياة لا ممات ! أن خلود لا فناء! أن صحة لا علل! أن شباب لا هرم! أن نعيم لا ابتئاس!
قولوا أكثر ثم أكثر ثم أكثر .. وأنا شوقا أغرد وأطير!
يا حنيني للجنان!
[1] مسلم: صحيح مسلم (197، ترقيم: عبد الباقي)، ومسند أحمد (12397، ط: الرسالة)..
[2] مسند أحمد (14653، ط: الرسالة).
[3] الطبراني: المعجم الكبير (7892، ط2: مكتبة ابن تيمية – القاهرة).
[4] ابن المبارك: الزهد، (876، ط: دار الكتب العلمية – بيروت).
[5] ابن أبي الدنيا: وصف الجنة (310، 395، ط1: دار البشير – مؤسسة الرسالة 1997م).
[6] ابن ماجه: سنن ابن ماجه (4332، دار الفكر – بيروت). ابن حبان: صحيح ابن حبان (7381، ط2: مؤسسة الرسالة – بيروت). وقال الألباني: ضعيف، في سنده الضحاك المعافري الدمشقي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في طبقات التهذيب: مجهول. وسليمان بن موسى: مختلف فيه. وباقي رجال الإسناد ثقات. ورواه ابن حبان في صحيحه.
[7] خالد الراشد: مقال بعنوان: الملتقى الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– قصة الإسلام

اقرأ أيضا  استباحة أم القرى".. المقاصد الإيرانية
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.