أملاك السُنة مقابل بقاء بشار
إياد جبر
الاثنين 23 ذو القعدة 1436//7 سبتمبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”
لم تعد السيطرة على القرار السياسي ونشر الثكنات العسكرية الإيرانية في مواقع مختلفة من دمشق وبعض المحافظات السورية، والتحكم في الجزء الأكبر من الاقتصاد السوري كافية لسد رمق النظام الإيراني، الذي بدأ يتطلع لتعويض 35 مليار دولار حجم ديونه على النظام العلوي، عبر استخدام أساليب غير تقليدية من شأنها إحداث طفرة كبيرة في الصراع المذهبي الذي أنهك البلاد وحول سُكانها من أهل السُنة إلى مهاجرين تاركين خلفهم ممتلكات ومنشآت عقارية ومحلات تجارية وغيرها، كانت كفيلة بإسالة لعاب الإيرانيين والجماعات الشيعية التي يتم نقلها من وقت لآخر لتحل محل السكان الأصليين من أهل السنة، وهو تحول ديموغرافي لم تشهده دمشق والكثير من المدن السورية من قبل.
هذا الوضع الخطير كشفت عنه تصريحات المبعوث الدولي لسوريا “ستيفان دي مستورا” في يوليو الماضي، الذي نزع الغطاء عن حجم الدعم الإيراني للنظام السوري، مؤكداً على أن عجزها عن الاستمرار في إغداق الأموال دفعها لوضع شروط مكنتها من الهيمنة الكاملة على آلية صنع القرار في دمشق. وهو ما جعل صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية تربط بين حوادث الإطاحة بمسئولين أمنيين سوريين كأسلوب من شأنه تسهيل مهمة إيران في السيطرة على مفاصل النظام، لتبدأ طريقها نحو مصادرة القرار السياسي.
وهو ما كشفت عنه تلك التطورات التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الأخيرة، خاصةً وأنها كانت أشد وطأة، حينما ذهبت إيران بعيداً، فعملت على تأسيس أحزاب ومنظمات وفصائل تابعة لمليشياتها، دون المرور أو التنسيق مع النظام الذي صدع رؤوسنا بالحديث عن السيادة واستقلالية القرار، فلواء أبو الفضل العباس، وحزب الله السوري، وبعض أجنحة الدفاع الوطني، باتت مع مرور الوقت تابعة للقرار الإيراني المباشر خاصةً بعد فشل النظام في السيطرة على الكثير من المدن والقرى السورية التي تشهد قتال عنيف مع فصائل المعارضة المختلفة.
في هذه الأثناء بدأت إيران تستحوذ على منشآت عسكرية سورية، لدرجة وصول الحال إلى مستوى تحويل بعض المناطق في العاصمة دمشق وغيرها من المناطق التي تستولي عليها المليشيات الشيعية، إلى مناطق إيرانية مغلقة حتى بوجه جيش الأسد، الأمر الذي سمح للوجود الإيراني الشيعي بوضع يده على أملاك تعود للدولة السورية وأخرى عبارة عن أملاك خاصة ترجع ملكيتها للشعب السوري الذي تركها خلفه خوفاً من بطش النظام والبراميل المتفجرة التي يُلقيها على المدن والأحياء السورية ذات الغالبية السُنية.
بدوره بدأ نظام الأسد بتسليم وبيع هذه الممتلكات للإيرانيين، عبر إصدار مراسيم رئاسية تسمح ببيع وشراء الأراضي السورية على قاعدة الربحية والتشاركية – على حد وصف النظام- مع أي قطاع أو جهة أو جماعة أو دولة تحت مظلة الشركات القابضة، وإعادة الأعمار. وذلك بهدف تسديد الديون المتراكمة للجانب الإيراني، أو على أقل تقدير، رهن الكثير من القطاعات الاقتصادية لإيران مقابل ضمان تدفق أموالها.
في هذا الصدد شهدت عدة أحياء في دمشق ومناطق أخرى موجة شراء كبيرة للمنازل والعقارات من قبل إيرانيين، أو أشخاص من الطائفة الشيعية أو العلوية، كحي العمارة الملاصق لقبر السيدة رقية الذي رفعت فيه الأعلام المزينة بالكتابات الشيعية، والأمر مشابه في حي زين العابدين الذي جرى تحويله إلى ثكنة عسكرية كبيرة، بعد هجرة سكانه الأصليين. واستولت العائلات القادمة للقتال إلى جانب النظام السوري على منازلهم كما حدث في حي الجورة بدير الزور.
ولا ريب في أن المليشيات الشيعية القادمة من الخارج لم تكن قد جاءت بطرق عشوائية أو غير منظمة، لأنها استطاعت الحصول على جنسيات من قبل النظام السوري الذي شجعها على القدوم إلى البلاد، عبر إصدار تشريعات قبل حوالي عامين، تسمح بإعطاء الجنسية السورية إلى تلك المليشيات، التي استطاعت خلال وقت قصير أن تغير الوضع الديمغرافي، لأن حملات التجنيس واسعة النطاق للإيرانيين واللبنانيين والعراقيين على أسس طائفية، تجري على قدم وساق، وهو ما أكد عليه المحامي “غزوان قرنفل” رئيس تجمع المحاميين السوريين لموقع العربي الجديد، مؤكداً على أن عدد المجنسين من الإيرانيين قد بلغ 45 ألف خلال العام الماضي.
هذه المليشيات بالتنسيق مع النظام السوري، لجأت إلى بعض التجار وبعض الوسطاء بهدف إغراء بعض الأهالي النازحين بالمال وشراء الكثير من عقاراتهم، بغاية ابتلاع مناطق كاملة وإخضاعها للنفوذ الإيراني. وهو ما أشارت إليه بعض الصحف العربية التي استعرضت بعض شهادات لمواطنين سوريين حول هذا الأمر، ولعل أبرزها ما جاء على لسان مواطنة سورية تُدعى عائشة، اضطرت لبيع منزلها وما حوله من أراضي محيطه بسعر مغر جداً على حد وصفها لرجل أعمال إيراني.
محاولات التغيير الديمغرافي لم تتوقف عند بيع منازل وعقارات السُنة لمجنسين من الشيعة وغيرهم، بل تجاوز الأمر ذلك بكثير، حين بدأت المصالح الحكومية السورية إعطاء أصحاب المحلات التجارية مهلة محددة لفتح محلاتهم وإلا قامت بمصادرتها وبيعها لغيرهم، وهي سياسة أمر واقع يتبعها النظام تهدف إلى تحويل ملكيات هذه المحلات والعقارات لمالكين جدد، ويؤكد هنا مدير هيئة البطالة السابق حسين عماش، على وجود عمليات سرية وعلنية واسعة تمارسها مليشيات إيران بحماية نظام الأسد، تقوم بإزالة مناطق سكنية كاملة معارضة، وسرقة أملاك السوريين بالاستيلاء والمصادرة لخلق واقع ديموغرافي جديد يتم خلاله إحلال الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين بمساكن السوريين المعتقلين، أو المهجرين إلى دول الجوار.
من جانبه يحاول النظام السوري التقليل من هذه الاتهامات التي توجه له عبر جهات محلية وخارجية، ويدعي أن العقود التي يبرمها مع الجانب الإيراني كانت لأراضي وعقارات وشركات نفطية وقطاعات اقتصادية مختلفة ترجع ملكيتها للدولة السورية، وليس لمواطنين سوريين، وهو أمر غير دقيق بدليل ما جاء في صحيفة المستقبل اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 12 أغسطس 2015، حيث أكدت على أن القرى التي تسيطر عليها عناصر حزب الله اللبناني في الأراضي السورية، لم تكن أراضي مشاع للدولة السورية كما يُقال في الإعلام السوري، وهي تختلف عن مباني الدولة السورية وعقاراتها ومشاعات واسعة في دمشق باتت تحت السيطرة الإيرانية، التي رهنها بشار الأسد مقابل الديون المستحقة عليه لطهران .لأن تلك القرى تعود ملكيتها للمواطنين السوريين اللذين خرجوا منها بشكل مؤقت تحت قصف طائرات النظام، وهم يتطلعون للعودة في أقرب وقت ممكن.
لذلك يمكن اختصار القول في أن الدعم الإيراني لنظام بشار لم يكن مجاني كما يتصور البعض، فبقاءه من عدمه بات مرهوناً بما يقدمه من خيرات الشعب السوري وثرواته للجانب الإيراني، ولعل الأمر يشبه إلى حد كبير استنجاد ملوك الطوائف في الأندلس بالمرابطين لمساعدتهم في دحر جيوش “الفونسو” التي كانت تهدد اشبيلية وقرطبة وغيرها من مدن ومقاطعات تتبع للأندلس، فما كان من المرابطون إلا وأن جثموا على الأرض الأندلسية وخلعوا ملوكها العرب واحداً تلو الأخر واستأثروا بالبلاد، فما أشبه اليوم بالبارحة، نظام بشار يستنجد بطهران فإذا بها تحتل الشام تمهيداً لابتلاعها وامتهان أهلها من العرب السُنة.
المصدر : البيان