أنقرة وتل أبيب والاستسلام المشروط
أحمد أبو دقة
الإثنين 23 رمضان 1437/ 28 يونيو/ حزيران 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
الكثير من السطحية والأيديولوجيا ظهرت حينما بدأت مرحلة تقييم الاتفاق بين تركيا و الكيان الصهيوني لإعادة العلاقات المقطوعة منذ هجوم قوات صهيونية على السفينة التركية “ما في مرمرة” عام 2010 وأسفر الهجوم عن استشهاد 9 مدنيين أتراك كانوا متوجهين مع قافلة مساعدات إنسانية لرفع الحصار عن قطاع غزة.
الكاتب التركي رسول طوسون في مقالة بعنوان “العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أين؟!، يقول” هناك من يلوم تركيا على أنها هي الدولة الأولى ذات الشعب المسلم الكبير التي اعترفت بالدولة العبرية، ونحن نقول إن هذا العتاب صحيح وفي محله، بل نحن أيضا نلوم ونعاتب المسؤولين الذين اعترفوا بالكيان الصهيوني سنة 1949 في عهد حزب الشعب الجمهوري”. بالنسبة للحكومة الصهيونية فإنها تقيم العلاقات مع الأطراف المحيطة بها من جانب واحد وهو دائرة الأمن القومي الصهيوني وأولويات الحفاظ عليه، وهي تفرق أيضاً بين الشعب التركي الذي يكن الكثير من العداء للاحتلال الصهيوني بسبب الهوية الدينية لصراع والدولة التركية التي لها تأثير كبيرة على الأحداث في المنطقة.
بالتزامن مع ظهور أصوات معارضة للاتفاق في تركيا والعالم الإسلامي، أيضا في الكيان الصهيوني ظهرت أصوات اعتبرت الاتفاق “استسلام”، ويؤكد ذلك مقالة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها الإلكتروني بعنوان “شروط الإستسلام” للكاتب جلعاد شارون، قال فيهه” إن شروط الاتفاق تجعلنا الجانب الضعيف في المعادلة، دعونا نذكر أعضاء المجلس الوزاري بأن علاقتنا مع تركيا جيدة لكن كرامتنا أكثر أهمية من ذلك”.
بالنسبة للحكومة الصهيونية فإن ما نقلته الصحيفة ذاتها يؤكد أن العلاقة مع تركيا كانت ضرورية ومن الغباء أن طال أمد الأزمة، لأنها أثرت على مسار العلاقات الصهيونية العربية وخصوصاً في الملف السوري. ومن خلال ما ذكرته وسائل إعلامية عبرية مختلفة فإن الإتفاق القابل للتعديل قبل توقيعه ينص على عدة نقاط تتضمن الاتي:
1- إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، والتعهد بعدم الإضرار بمصالح بعضهما البعض في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة و حلف “الناتو”.
2- أن تسحب تركيا شرطها المتعلق برفع الحصار عن قطاع غزة مقابل تعهد تل أبيب للسماح للأتراك بإيصال “مساعدات إنسانية” عبر ميناء اسدود الذي سيشرف عليه الجيش الصهيوني، كذلك سيسمح ببناء محطة لتحلية المياه ومحطة للكهرباء، ومستشفى، لكن لم يتطرق الاتفاق إلى آلية تزويد غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء و الذي غالباً ما يسبب أزمة كبيرة.
3- تعهدت تركيا أن تقوم بدور استخباري وسياسي في عودة الجنود الصهاينة المفقودين في قطاع غزة(افيير منغيستو، هدار غولدن، أرون شارون)، وستقوم الحكومة التركية بدور الوساطة في هذا الملف.
4- بمجرد ما أن تقوم تركيا بالتعهد بوقف ملاحقة الجنود والضباط الصهاينة قضائياً، ستقوم الحكومة الصهيونية بدفع تعويضات قيمتها 21 مليون دولار تركي لأهالي ضحايا سفينة “ما في مرمرة” التركية.
5- تقوم تركيا بمنع استخدام الأراضي التركية كقاعدة لشن هجمات من قبل حركة حماس على الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى طرد عضو بارز في حركة حماس وهو صلاح العاروروي، وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فقد وعدت السلطات التركية بتقييد حركتهم على أراضيها.
6- مواصلة التعاون العسكري والاستخباري بين البلدين.
7- البدأ في مد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي المستخرج من شرق المتوسط إلى تركيا أوروبا، مع شراء تركيا لكميات من الغاز الصهيوني.
أظهرت مسيرة المفاوضات الطويلة بشأن إنهاء أزمة العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني أن كلا الجانبين مهتم بسرعة إعادة العلاقات لطبيعتها قبل عام 2010، و يمكن تفسير أهمية هذه العلاقة بعيداً عن الخلفية الايدلوجية للصراع بين الأتراك و الصهاينة من عدة منطلقات، أبرزها:
- عقب اقتراب فريق التفاوض من كلا الجانبين من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، استدعت تركيا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بصفته زعيم الحركة التي تتولى حكم قطاع غزة و أكثر المعنيين بالاتفاق و أطلعته على تفاصيل الإتفاق في إجراء لن يؤثر على أهمية هذا الإتفاق على الصعيد الإقليمي بالنسبة لتركيا، كذلك اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووضعه في صورة الاتفاق التركي-الصهيوني، وهذا الأمر يظهر أهمية الدور التاريخي لتركيا في التأثير على الصراع الفلسطيني- الصهيوني.
- المحور الثاني والمهم بالنسبة للكيان الصهيوني، الثروة الطبيعية الضخمة التي ستحول الكيان إلى دولة مصدر للغاز الطبيعي المستخرج من شرق البحر المتوسط والذي يقع على حدود مشتركة بين تركيا واليونان و الكيان الصهيوني، و قد عطلت تركيا جهود يونانية صهيونية بهذا الشأن في السابق، كما تضمن الاتفاق أن تقوم تركيا بتمديد انبوب للغاز على أراضيها لنقله إلى الأسواق الأوروبية، وستستفيد تركيا من ذلك بالتعويض عن الغاز الروسي و الإيراني لاسيما عقب تصاعد الأزمة مع الطرفين في سوريا، بالإضافة إلى العوائد المادية التي ستستفيد منها تركيا مقابل نقل الغاز عبر اراضيها.
- الملف الكردي له تأثير كبير في مسار العلاقات التركية الصهيونية، وفي ظل تدافع الطرفين لهذه العلاقة فإنه لا يستبعد أن تكون تركيا طلبت من الحكومة الصهيونية وقف دعم جهود إنشاء الدولة الكردية، ففي يوليو /2014 رحب عبر موقع “الجزيرة” رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سوريا شيركو عباس بدعم تل أبيب للدولة الكردية، وقال إن “الأكراد لم يناصبوا يوما العداء لها، وإنهم المحرك للديمقراطية في الشرق الأوسط”. فمن وجهة نظر الكيان الصهيوني ستقوم الدولة الكردية بإضعاف واستنزاف دول عربية دائماً كانت تمثل خطر على الكيان الصهيوني نظراً لأغلبية سكانية سنية، وهي العراق وسوريا، كذلك أيضاً ستستخدم الدولة الكردية كسلاح للضغط على تركيا وإيران لا سيما في ظل الفوضى الحاصلة في سوريا حالياً، بالإضافة إلى استخدام الجماعات الكردية للحفاظ على بقاء النظام السوري الذي تعارض وجوده تركيا ومحاربة الجماعات الإسلامية.
- عقب تحسن مسار مفاوضات التطبيع بين أنقرة وتل أبيب رفعت تركيا الفيتو عن فتح بعثة صهيونية في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسيل، وفي مايو/2016 صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن أنقرة بحثت أمر فتح البعثة الصهيونية لدى الحلف مع أمينه العام ينس ستولتنبرج. وهذا الأمر له أهمية كبيرة بالنسبة للكيان الصهيوني، فقد وفر الجيش الصهيوني حاضنة عسكرية ضخمة له في المنطقة، كذلك سوق كبير للصناعات العسكرية، وينص النظام الدفاعي في الحلف على أن جميع أعضاء الحلف ملزمون بالتصدي لأي هجمات قد يتعرض لها أحد أعضاء الحلف البالغ عددهم 28 عضو. وعلى الرغم من أن فتح مكتب تمثيل لكيان الصهيوني في الحلف لا يعد عضوية إلا أنه سيمكن تل أبيب من تعميق علاقاتها بالحلف والاستفادة من اتفاقيات التعاون المشترك بين أعضائه بالإضافة إلى المناورات العسكرية التي شارك فيها الجيش الصهيوني سابقا.
- العلاقات التجارية والعسكرية بين الطرفين لم تتأثر لكن السعي إلى تطويرها توقف طوال استمرار الأزمة، فبحسب ما ورد عن السفير الصهيوني في أنقرة غابي ليفي فإن التبادل التجاري بين تركيا والكيان الصهيوني سجل خلال العام 2008 رقماً قياسياً حيث بلغ حجمه 3.4 مليار دولار وتركيا تحوّلت الى الشريك رقم 8 مع الكيان الصهيوني من ناحية حجم التبادل التجاري، و ستساهم الإتفاقية الجديدة بحسب الإعلام العبري في رفع قيمة التبادل التجاري إلى 6 مليار دولار. كذلك فإن التعاون العسكري يمثل نقطة مهمة في العلاقات بين البلدين، وتعتبر شركة “ZorluHolding ” التركية و التي يمتلكها رجل الأعمال أحمد زورلو أحد أكبر الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة في الكيان الصهيوني حيث أنشأت عدداً من محطات لتوليد الكهرباء خلال القطيعة الدبلوماسية. وفي عام 2013 نقلت الصحافة التركية عن مصدر في الحكومة أن شركة إيلتا الدفاعية الصهيونية قامت بتسليم تركيا أجهزة إلكترونية بقيمة 100 مليون دولار لأربع طائرات مزودة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جوا والمعروفة باسم (أواكس).
- الولايات المتحدة شجعت عودة العلاقات بين الطرفين باعتبارهما أقوى حليفين في المنطقة، وعلى الرغم من تأثر العلاقات التركية الأمريكية على خليفة دعم واشنطن لمنظمات كردية تعتبرها أنقرة “إرهابية” إلا أن موقع تركيا على الحدود الجنوبية لأوروبا يجبر الغرب على المهادنة في علاقات الأمر الواقع معها. وقد أظهرت تركيا مركزية وتأثير فعال في العالم الإسلامي عقب الثورات العربية الأمر الذي جعل واشنطن تقف على الحياد في العلاقات الصهيونية التركية، لأن الخصومة مع تركيا قد تساهم بشكل كبير في إرباك المصالح الغربية في المنطقة.
- الملف السوري له أهمية خاصة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يسعى إلى استنزاف المجتمع السوري لأقصى حد ممكن من خلال استدامة الصراع و مساعدة الأقليات مثل الأكراد و الدروز و توفير حصانة غربية للنظام السوري بالتنسيق مع الروس، و ذلك بسبب القلق من البديل القادم لحكم سوريا وخوفاً من صعود الجماعات الإسلامية التي تقاتل النظام السوري، بالإضافة إلى القلق الصهيوني من سيطرة جماعات معادية للكيان الصهيوني على أسلحة غير تقليدية قد تؤثر في مسار الصراع، بالنسبة للأتراك فإن الكيان الصهيوني الذي يدعم أكراد سوريا و يتدخل استخباريا وسياسياً لصالح النظام السوري الذي يعتبر اليوم ألذ أعداء أنقرة، له تأثير استخباري كبير في الملف السوري، و سيمكن الاتفاق الجديد بين أنقرة و تل أبيب من تعزي التعاون عسكرياً واستخبارياً لصالح صناعة بوصلة جديدة للصراع ترضي الأتراك و الصهاينة معاً.
المصدر : موقع مجلة البيان السعودية