إدراك الحقيقة مفتاح الهداية

الأحد 27 شعبان1436//14 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إن مفهوم الحقيقة مفهوم معياري يعتمد كثيرًا على الزاوية التي تنظر منها إليه، فقد يكون ما تعتبره حقيقة مطلقة مقدسة أزلية، يقيمه الآخرون على أنه وهم تقاليد بالية ورجعيةً فكرية. ومفهوم الحقيقة في الفلسفة يعتبر من الإشكاليات الكبرى، كونه يتعلق بالمواقف المختلفة وبالقيم العليا كالحق والخير والجمال والعدالة، وعليه فهو مفهوم هلامي لا يمكن ضبطه، فما تراه حقًّا لك قد يراه الآخرون سلبًا واستغلالًا، وما تراه جمالًا حقيقيًّا قد يراه غيرك كعنصر مثير للرغبات وملهٍ عن الطاعات، وما تراه عدلًا يراه الطرف الآخر ميلًا في الميزان، وبالنسبة للعلوم النفسية والاجتماعية يتجلى مفهوم الحقيقة في دلالته الشائعة والتي غالبًا ما تستند على معيار أساسي وهو معيار الواقعية، وهكذا يكون الحقيقي هو الوجود القابل للإدراك الحسي المباشر، أو القابل للتحقق الواقعي، ولكن كل تلك الاجتهادات في تعريف الحقيقة تفتقر للجانب الروحي غير الدنيوي، فكيف بنا أن نمسك بدرجة الإيمان بالله؟ وكيف بنا أن نقيم السعي لطاعته ببيع الدنيا وعالمنا الحسي أجمع لغرض محدد وسامٍ، وهو عالم غيبي أجمل؟ كيف نحسب ثواب الآخرة بمقاييسنا الدنيوية؟ هذا بالنسبة لمن أنعم الله عليه بنعمة الاسلام وتربى في أسرة ومجتمع إسلامي، فما بال من اهتدى جديدًا لطريق السداد، طريق العودة إلى الله! كيف يشعر المهتدون الجدد بعد أن وضعوا أرجلهم على ذاك الخط الفاصل بين الجنة والنار؟ ماذا يحتاج منا هذا المهتدي لكي يدرك حقيقة الإسلام ومبادئه؟ كيف يمكنه استثمار تلك المبادئ في حياته الدنيوية؟ كيف يمكنه الثبات على هذا الطريق ورفض جميع الحقائق السابقة التي تربى عليها قبل إيمانه واعتناقه الإسلام؟
لقد قرأت للعديد من زملائي الكُتاب في مجلة البشرى عن أثر فن المعاملة الطيبة في جذب غير المسلمين للإسلام وكسب قلوبهم وتحفيزهم على البحث عن حقيقته، وخصوصًا لدى أصحاب المشاعر الأصيلة والفكر النير والقلب الصافي، فإدراك الحقيقة هو مفتاح الهداية للإسلام، ولكن وبحسب النفس البشرية، فعندما يبدأ غير المسلم في البحث عن حقيقة الإسلام فإنه يمر في العادة بمراحل عديدة بدايتها الصراع بين ما سُقي به من تعاليم دينه السابق وبين ما يتعرف عليه من تعاليم جديدة، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة مقاومة الجديد من الحقائق، فالنفس البشرية- الميالة للشك والحذر- تترك المتعرف على الإسلام في مد وجزر، فهو تارة مقتنع بحقيقته الجديدة، وتارةً آخرى منجذب لركائزه وإرثه الديني القديم.
إن أشد ما يحتاجه المهتدي في بداية إسلامه هو التقبل والاحتضان والأخوة، فتلك الحقيقة الوحيدة التي قد تزيد من اطمئنانه لترك ما عهده والسعي للاستزادة من الحقائق الجديدة التي يحتاج إليها بشدة في لملمة نفسه واستعادة توازنه الروحي.

اقرأ أيضا  «ولا تــهــنـوا ولا تــحــزنــوا»

د.عائشة عبدالعزيز الشيخ
[1]دكتوراه في علم الإنسان الطبي والاجتماعي
أستاذ مشارك للعلوم النفسية والاجتماعية
بجامعة نيويورك فرع مملكة البحرين[i]

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.