قال الله سبحانه وتعالى:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: 16-17].
فسر الإمام ابن كثير رحمه الله أن الله تعالى لا يُهلك أمة من الأمم إلا بعد أن يرسل إليهم من يُنذرهم. يدعوهم إلى العدل، والطاعة، وترك الظلم والمعاصي.
لكن، إذا استمر القادة في ظلمهم، وتمادوا في الفساد، ولم يهتموا بالتحذير، فإن أمر الله بالهلاك يصبح واقعا لا مفر منه.
قراءة المزيد: جماعة المسلمين تُعلن الأربعاء أول أيام ذي الحجة 1446 هـ
ومن خلال هذه الآية، يمكننا أن نرى ثلاث علامات تدل على قرب انهيار أي أمة:
أولا: وجود حكّام متكبرين لا يقبلون النصح، كما كان حال فرعون وأتباعه. هؤلاء لا يسمعون لأحد، ويعتبرون الناصحين أعداء الدولة ومُفسدين.
ثانيا: حب الدنيا بشكل مفرط، والعيش في الترف والبذخ، مع بخل في العطاء.
هذا النوع من الناس يهتم بجمع المال والاستمتاع بالحياة، ويهمل مساعدة الآخرين، ويبتعد عن الإنفاق في الخير.
قراءة المزيد: آسيان تبحث أزمة ميانمار وعضوية تيمور الشرقية قبيل قمتها الـ46 في كوالالمبور
وقد قال رسول الله ﷺ:
واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. (رواه مسلم)
ثالثا : عدم الاستجابة للنصح والتذكير.
فعندما يهمل الناس النصح، وتهمل أصوات الفقراء والمظلومين، وتُقصى تطلعات الشعوب، فإن ذلك إيذان باقتراب أجل الأمة. إذ يُعدّ ذلك مؤشرا على بداية الانحدار نحو الفوضى، وتفكك الوحدة الوطنية، ثم انهيار الكيان برمّته.
قراءة المزيد: الملك سلمان يوجّه باستضافة ألف حاج فلسطيني من ذوي الشهداء والجرحى
وفي سياق العالم المعاصر، يؤكد العلماء المعاصرون أن هلاك الدول لا يكون بالضرورة بسبب الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الحروب، بل قد يحدث نتيجة لانقسام داخلي، أو أزمة اقتصادية خانقة، أو تآكل الثقة بين الحاكم والمحكوم، أو فساد ممنهج في مؤسسات الدولة.
سنجاكالا زوال دولة إسرائيل الصهيونية
سنجاكالا مصطلح إندونيسي يعبر عن اللحظات الأخيرة من مسيرة كيان ما قبل أفوله، وفي سياق التاريخ والسياسة، فإن هذه الكلمة ترمز إلى النقطة الحرجة التي تبدأ فيها الأنظمة والدول بالتدهور والانهيار.
وهذا المصطلح يلائم تماما واقع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، ذلك الكيان المُثير للجدل الذي أُعلن بشكلٍ أحادي سنة 1948، ويواجه اليوم تحديات متراكمة من الداخل والخارج تهدد بقاءه.
قراءة المزيد: جاكرتا تنادي: أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة
إن سياسات الإبادة والاحتلال المستمر ضد الشعب الفلسطيني، لم تزد كيان الاحتلال إلا تقهقرًا واقترابا من زواله. فالتمييز العنصري، والقمع الممنهج، والظلم الفاضح، قد أثاروا مقاومة شديدة من الداخل الفلسطيني، وخلقوا أيضًا موجات استنكار متزايدة في الأوساط الدولية.
وما زاد الطين بلة، هو استمرار العدوان الوحشي وجرائم الإبادة في قطاع غزة، مما عجل بانكشاف الوجه الحقيقي لهذا الكيان أمام العالم أجمع، وسرّع من وتيرة انهياره.
وقد صرح الدكتور مصطفى البرغوثي، أحد القادة الفلسطينيين البارزين، قائلا: “إن بنيامين نتنياهو وقيادة الاحتلال الإسرائيلي إنما يحفرون قبورهم بأيديهم”. وأضاف أن الحرب الممتدة على غزة لم تُحقق لهم أي نتائج تُذكر، بل أفضت إلى كارثة سياسية وعسكرية ومعنوية على الصهاينة أنفسهم.
وأشار البرغوثي إلى ثلاثة أسباب رئيسية تؤكد قرب نهاية هذا الكيان:
قراءة المزيد: القمة العربية تدعم عقد مؤتمر دولى بالقاهرة للتعافى المبكر فى غزة
1. صمود المقاومة الفلسطينية، الذي أطال أمد الحرب وأفشل المخططات العسكرية للاحتلال، رغم استنزافه للأموال والجنود.
2. تراجع الدعم الغربي، ولا سيما من أوروبا والولايات المتحدة، خاصة بعد اتضاح وحشية العدوان على غزة.
3. انكشاف جرائم الاحتلال في الإعلام العالمي، فلم يعد بمقدور وسائل الإعلام الموالية تغطية الحقيقة، بل أصبحت مشاهد المجازر والإبادة تتناقلها شعوب العالم على مدار الساعة.
إن هذا الكيان الذي قام على القتل، واستمرّ على الظلم، ويتمادى في الغطرسة، لا بد أن يلقى مصيره المحتوم. فكما قال الله تعالى:
قراءة المزيد: حكومة غزة: ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى 216 بالإبادة الإسرائيلية
﴿وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾ (الكهف: ٥٩)
والموعد يقترب، والآيات تتجلّى، والحق يعلو، والنصر وعد الله للذين آمنوا وثبتوا على درب الجهاد والمقاومة.
الضغوط الداخلية التي تعصف بإسرائيل
تشهد “إسرائيل” أزمة ثقة متفاقمة بين الشعب والقيادة السياسية، ما يُعدّ مؤشرا خطيرا على بداية انهيار الكيان. فقد المواطنون الثقة في قدرة قادتهم على تأمين الاستقرار والازدهار، وسط سياسات يعتبرونها انعكاساً لأجندات شخصية أكثر من كونها استجابة لمصالح عامة.
قراءة المزيد: الأمير تميم والرئيس ترامب يشهدان توقيع اتفاقية لشراء 160 طائرة بوينغ
وفي ظل هذه الأجواء، أصبحت التظاهرات الحاشدة مشهدا يوميا في شوارع المدن المحتلة، حيث يخرج الآلاف للاحتجاج على قرارات الحكومة المتعلقة بإصلاح النظام القضائي والتعامل مع الصراع الفلسطيني، في مشهد يعكس حالة من السخط العام تجاه النخبة السياسية التي يرى كثيرون أنها تضع طموحاتها الخاصة فوق معاناة الشعب.
غياب الأمن الداخلي دفع كثيرا من الإسرائيليين إلى مغادرة البلاد، لا بسبب تهديدات فصائل المقاومة فقط، بل أيضا بسبب ما وصفته تقارير إعلامية بأن الجنود الإسرائيليين أنفسهم يطلقون النار على بعضهم البعض في محاولات للتقرب من القيادات العليا. وأقرت قوات الاحتلال (IDF) بأن أكثر من 100 جندي أطلقوا النار على زملائهم خلال العمليات الأخيرة.
الهجرة الجماعية التي تشهدها “إسرائيل” تمثل ضربة للبنية الاجتماعية وتُحدث أزمة ديموغرافية متنامية، ما يهدد بتداعيات طويلة الأمد على الاستقرار الداخلي.
في الوقت ذاته، تعاني النخبة السياسية من انقسامات حادة، حيث تغيب الرؤية الموحدة وتتحول التحالفات الحكومية إلى هياكل هشة تنهار قبل تطبيق برامجها، تاركة البلاد دون بوصلة سياسية واضحة.
قراءة المزيد: إندونيسيا في منتدى برلمانات منظمة التعاون الإسلامي تدعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ومقاطعة عالمية دعمًا لفلسطين
الاقتصاد الإسرائيلي لا يقل اضطرابا، إذ تواجه الحكومة أعباءً مالية ضخمة نتيجة ارتفاع تكلفة الحياة في ظل الاحتلال، وتزايد الإنفاق العسكري. وتتعرض قطاعات الأعمال الخاصة لضغوط شديدة، مع عزوف المستثمرين الأجانب والمحليين عن المغامرة في بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة.
الأمر لا يتوقف هنا، إذ تشير الإحصاءات إلى ارتفاع كبير في نسب الانتحار بين الجنود الإسرائيليين، نتيجة ضغوط نفسية وأخلاقية جراء تنفيذهم لسياسات القمع والاحتلال. هذه الظاهرة تعكس أزمة إنسانية عميقة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
كما أسهمت الكوارث الطبيعية، مثل حرائق الغابات والفيضانات، في خسائر مادية فادحة قدرت بمليارات الدولارات، لتُضاف إلى قائمة الأزمات التي تضرب الكيان من الداخل.
الضغوط الخارجية التي تخنق الكيان
قراءة المزيد: دمشق: تصريحات ترامب بشأن العقوبات تُعَدّ خطوة نحو إنهاء معاناة السوريين
على الصعيد الدولي، فقدت “إسرائيل” كثيرا من التعاطف والدعم، مع تنامي الإدانات العالمية لممارساتها في غزة والضفة الغربية، والتي يصفها مراقبون بأنها ترقى إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
وفي حين كانت تعتمد لسنوات على دعم غير مشروط من حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بدأت هذه العلاقة تشهد تصدعات واضحة. فالإدارة الأمريكية تواجه ضغوطاً شعبية داخلية متزايدة، تتهمها بدعم سياسات قمعية وغير إنسانية تمارسها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين.
تصاعدت حملات وقف الدعم العسكري عن الكيان، بمشاركة واسعة من نشطاء، أكاديميين، فنانين، وحتى أعضاء في الكونغرس الأمريكي، ما يعكس تحولاً جوهرياً في المزاج السياسي داخل الولايات المتحدة نفسها.
في المقابل، اتخذت العديد من الدول التي كانت محايدة أو داعمة للمواقف الإسرائيلية سابقاً، مواقف أكثر صرامة، حيث بدأت تُدين علناً انتهاكات الاحتلال وتُعرب عن دعمها للحقوق الفلسطينية، سواء في أمريكا اللاتينية، أو إفريقيا، أو حتى أوروبا.
قراءة المزيد: صحة غزة: 23 شهيدا و124 مصابا وصلوا المستشفيات خلال الـ 24 ساعة الماضية
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) أثبتت فاعليتها في عزل “إسرائيل” اقتصاديا وسياسيا، إذ بدأت شركات دولية كبرى بقطع علاقاتها مع الكيانات الداعمة للاحتلال، ما زاد من الضغوط المالية على تل أبيب.
وعلى الرغم من نجاح إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية ضمن اتفاقات أبراهام، إلا أن هذه الاتفاقات تفتقر إلى الدعم الشعبي الحقيقي، وظل الكيان محتلاً لمرتبة الدخيل في المنطقة، تحاصره شعوب ترفض الاحتلال وتناصر القضية الفلسطينية.
نحو الانهيار الكامل
من خلال الأدلة المتعددة التي تم استعراضها، يتّضح جلياً أن إسرائيل تقف على حافة الانهيار. الضغوط الداخلية المتراكمة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، إلى جانب التصعيد المتزايد للضغوط الخارجية، قد خلقت وضعاً غير مستقر على الإطلاق لهذا الكيان الصهيوني.
فالسياسات العدوانية والتمييزية والوحشية الممنهجة التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، لا تؤدي فقط إلى تدمير صورة إسرائيل في أعين المجتمع الدولي، بل تعمل على تآكل البنية التحتية للكيان من الداخل.
إن إسرائيل تمرّ بمرحلة الغروب، ليس نتيجة لضغوط خارجية فحسب، بل بسبب السياسات الخاطئة والقرارات الكارثية التي اتخذتها بنفسها. إن جرائم الإبادة والاحتلال لا تُدمّر الضحايا وحدهم، بل تعصف أيضاً بالمجرمين أنفسهم، وتدفعهم نحو مصير محتوم.
العالم يراقب، والتاريخ يسجّل هذا الفصل المصيري كخاتمة لكيان نشأ على الظلم والقهر والاحتلال. ويبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون: متى يبلغ هذا الغروب ذروته؟ والإجابة، وفقاً لتقديرات واقعية، قد لا تتأخر كثيرا.
وفي هذا السياق، أعرب المؤرخ الفلسطيني البارز، البروفيسور عبد الفتاح العويسي، البالغ من العمر 77 عاما، عن يقينه بأنه سيشهد زوال الكيان الصهيوني قبل وفاته. هذا اليقين لا يستند إلى العاطفة وحدها، بل إلى شواهد وتحليلات علمية تؤكد حتمية هذا السقوط.
وختاما، نسأل الله أن يُعجّل بنهاية الظلم وعودة الحق، وأن يُمهّد الطريق أمام عدالة وسلام حقيقيين يمنحان الشعب الفلسطيني أملاً بمستقبل أفضل، ويُعيدان التوازن إلى ضمير الإنسانية. ﴿وَسَيَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].
وكالة مينا للأنباء