إيران… نظرة عربية على الداخل الغامض
إيران… ذلك القريب جغرافياً، البعيد سياسياً، المتربص خارجياً، الغامض داخلياً، فعلى الرغم من كونها تقع على بُعد أميال قليلة من الوطن العربي، وكونها جاراً مباشراً لعدد من الدول العربية، وبصرف النظر عن سياستها الخارجية التي تهدف بصورة رئيسة للمواجهة المباشرة من أجل منع فواعل عربية كبري، إلا أنه ومع تنامي ثورة المعلومات وتطور تكنولوجيا التواصل الافتراضي، لازالت إيران تمثل كتلة رمادية أمام المواطن العربي والإسلامي خاصة فيما يخص الداخل الإيراني، وذلك لاعتبارات عدة منها لغتها المتمايزة عن اللغات العالمية الشائعة، ونظامها السياسي المعقد الذي يصعب على العامة من الناس متابعة أخباره، وما تستهدفه النخبة الإيرانية ذاتها من إضفاء قدراً من الغموض على مجريات الشأن العام، حتى أضحى بعض العرب يعتقدون أن إيران في منأى عن المشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية الشائعة في بلدان العالم النامي، وعليه تسعى تلك المقالة إلى تسليط الضوء على الملامح الرئيسة لأهم اختلالات واضطرابات ومشكلات ومعوقات الداخل الإيراني حتى تكون فرصة مناسبة لخلق مزيد من اهتمام الرأي العام العربي بمجريات الداخل الإيراني ومتابعة ملابساته.
إيران من الداخل/ لمحة كاشفة:
يتعرض المواطن الإيراني يوميا للعديد من المشكلات الشائعة والتي تؤرق حياته اليومية، والتي منها الفجوة في توزيع الدخل بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع الإيراني، وتفاقم مشكلة الفقر والحرمان، واضطراب ميزان العدالة في مرفق القضاء الإيراني، حيث تُصنف إيران وفقاً لعديد من المراقبين بأنها من أكثر الدول التي ينفذ فيها حكم الإعدام، وحرمان الكثير من المواطنين السنة من حقوقهم السياسية، وزيف شعارات الحملات الانتخابية الداعية لتقليل الفجوة بين الاغنياء والفقراء والمساواة وزيادة الدخل، ويجد المواطن الإيراني أيضا في المناطق البعيدة المهمشة مشقة في توفير الخدمات الطبية وانعدام الرعاية الصحية المقدمة لهم، وبالحالة التعليمية، تستمر عملية تطييف للتعليم والمحتوى الاكاديمي يتضمن نشر الثقافة والمذهب الشيعي، ونلاحظ اهتمام الحكومة الإيرانية بالعاصمة طهران وتهميش المناطق البعيدة عنها، مما يؤثر على الخدمات وسبل العيش المقدمة للمواطنين، وسنقوم بسرد هذه المشاكل الحياتية التي يتعرض لها المواطن الإيراني خلال السطور التالية من هذه المقالة بشكل من التفصيل على النحو التالي:
الفجوة الكبيرة في توزيع الدخل
برغم الثروات الهائلة والإيرادات النفطية التي تزخر بها إيران، إلا أن متوسط الدخل للأفراد منخفض جداً، لضعف البنية الأساسية والإدارة، والدخل السنوي لمعظم الأفراد في المجتمع الإيراني لا يختلف عن الوضع في دول تعاني من نكبة الحرب مثل سوريا.
ذكر رئيس الغرفة التجارية الإيرانية – العراقية “يحيى آل إسحاق”، أن مستوى الدخل انخفض بمقدار 70% مقارنة بما كان عليه قبل الثورة الإيرانية عام 1977، وعبر عن أسفه تجاه الشعب الإيراني أنه يواجه تحدى الرفاهية للشعب الإيراني[1]، وأصدر الرئيس الإيراني حسن روحاني قراراً بإلغاء المساعدة المالية المباشرة لستة ملايين من سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليونا وذلك بديلاً عن الرواتب المتدنية، مما أدى إلى معاناة العديد من الأسر محدودة الدخل في إيران[2]، ويعتبر شعار زيادة الدخل القومي في إيران ورفع متوسطات الدخول للأفراد في المجتمع الإيراني، عنصر وعامل جوهري في العديد من الحملات الانتخابية التي يطلقها المرشحون في الانتخابات الرئاسية .
وعليه تشهد إيران فجوة كبيرة بين دخل الفقراء والأغنياء، وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، تواجه إيران العديد من التحديات في الوضع الاقتصادي .
اتساع نطاق الفقر كنتيجة لتضخم الإنفاق العسكري
يعاني الفقراء داخل المجتمع الإيراني من الفقر والحرمان، نتيجة التدخل العسكري من قبل النظام الحاكم في دول الشرق الأوسط ( سوريا – العراق – اليمن- لبنان )، ودعم الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم، وأفادت عدة تقارير رسمية في مجال حقوق الإنسان عن وصول نسبة الفقر وعدد الفقراء في إيران إلى نصف عدد السكان تحت خط الفقر، في حين يستحوذ رجال الدين والمرشد الأعلى في الدولة على العديد من الثروات والأموال الطائلة، ونلاحظ عدم وجود توازن في توزيع الثروات بين جميع الطبقات، والتناقض الشديد بين المواد المنصوص عليها في الدستور الإيراني وبين الواقع، حيث لم يلتزم النظام بهذه المواد، وتفشت ظاهرة شراء الاطفال من المناطق الفقيرة المعدومة داخل إيران، وفي المناطق الجنوبية من طهران تنشط تلك الظاهرة بصورة واضحة: مثل مدن ساري، آمل، وأعربت العديد من المنظمات الحقوقية عن وحشية الأفعال التي يقوم بها النظام الإيراني ضد الفقراء[3]، وأدان ناشطون نظام المرشد الإيراني، نظراً لتواجد نسبة كبيرة من الفقراء والمشردين من الأطفال والنساء والرجال من سكان المقابر، وأثيرت قضية سكان القبور جدلاً واسعاً نظراً لمعاناة الشعب الإيراني من جميع أنواع الفقر، ويحذر خبراء، من اندلاع ثورة الجياع في المدى القريب داخل إيران نتيجة الوضع المعيشي المتردي وانتشار الفقر وانعدام فرص الحياة الكريمة للمواطنين [4]، ونلاحظ عدم التزام الحكومات التي توالت على حكم إيران بتعهداتها تجاه الفقراء وشعاراتها الدائمة بإزالة الفقر والحرمان، ولكن ما أكدته تقارير وزارة الصحة على عكس هذه الشعارات ومازالت تعانى نسبة كبيرة من الشعب الإيراني من الفقر والحرمان .
منظومة القضاء والعدالة
حقوق السنة في إيران تكاد تكون منعدمة، حيث لا يستطيع المواطنون السنة ممارسة حقوقهم السياسية، وإقامة شعائرهم الدنية التي تحظر عليهم في غالب الأحيان، وحسب المادة 107من الدستور الإيراني يمنع أي شخص من الديانات والمذاهب الأخرى بما فيهم السنة من الترشح لمنصب المرشد الأعلى أو حتى عضوية مجلس خبراء القيادة في البلاد[5] .
كما أنه قد يبدوا للمراقب أن هنالك انتقائية في تطبيق منظومة العدالة، اتضخ ذلك من حادثة (ريحانة جباري) [6]، التي صدمت العالم بأسره، واعتبرت إهانة للقضاء ولحقوق الإنسان، وقد ندد ناشطون إيرانيون في مجال حقوق الإنسان بتنفيذ حكم الإعدام، حيث أعلن خبير في الأمم المتحدة، بأن المحكمة لم تأخذ كافة الأدلة في الاعتبار، وأنها محاكمة غير عادلة فلم تعبأ المحكمة بكافة الانتقادات في الملف، وصدر حكم الإعدام على (ريحانة جباري)، مما سبق نلاحظ، وجود العنصرية والطائفية بحق السنة، وانتهاك حقوق الإنسان، واستمرار تورط نظام الملالي في سجل من الجرائم .
وبعد إعدامها، ثبت زيف وازدواجية النظام الإيراني، بعد هجمات “رش الأسيد” على الفتيات والنساء بدافع صيانة شرف هؤلاء الفتيات والحفاظ على العفة والدفاع عن الحجاب، ولكن على النقيض من ذلك عندما قامت ريحانة جباري بالدفاع عن شرفها، لم تلق المحكمة أي اعتبار لذلك واعتبرتها جريمة قتل[7] .
الاهتمام بالعاصمة والمدن الكبرى على حساب المناطق المهمشة
تهتم إيران بالعاصمة طهران على حساب المناطق البعيدة المهمشة، باعتبارها الواجهة، ونظراً لموقع طهران المتميز، حيث تقع في الجزء الجنوبي من جبال البرز، تمد هذه الجبال مدنية طهران بالمياه، حيث تعتبر المصدر الرئيسي لها، تضم مدنية طهران أغلب الصناعات الحيوية في البلاد مثل الصناعات الكهربائية، الكيمياء، الإسمنت، السكر، النسيج، الأسلحة النووية، وتوجد فيها المدارس والجامعات والمراكز والمسارح الثقافية، وتعتبر مدينة طهران حلقة وصل بين باقي محافظات إيران ، ويوجد بها العديد من الشوارع السريعة والحديثة.
ونظراً لتوافر الخدمات والبنى الأساسية بالعاصمة، ظهرت مشكلة الازدحام، نتيجة لهجرة العديد من المواطنين من المناطق البعيدة والمهشمة (من الدائرة للمركز)، وهى مشكلة تعانى منها أغلب الدول التي تتبع النظام المركزي، بمعنى التركيز على تنمية منطقة معينة وتوافر بها كافة الخدمات في حين إهمال وتهميش المناطق الأخرى، ونجد في محافظات داخل إيران مثل محافظة “خوزستان “يعانى العرب من أساليب القمع والتهميش، وتتواجد بها مشاكل القومية والتقسيم[8]، وتحتضن مناطق داخل إيران تجارة وتهريب المواد المخدرة نتيجة لسياسات التهميش وإهمال مواطنين تلك المناطق مثل مناطق (سيستان وبلوتشستان)، ويعانى العديد من المواطنين من التشرد في شوارع وقرى إيران .
نظام الرعاية الصحية والحياة التعليمية
أولاً: الرعاية الصحية
في بعض الدول، نظام الرعاية الصحية مكلف لموازنات تلك البلدان، ولكن العديد من الدول قامت بتفعيل نظم رعاية صحية عالية الكفاءة والجودة تقدم للأفراد، الخدمات والرعاية الصحية الأفضل وفي مقدمة هذه الدول: فرنسا التي تتصدر قائمة الدول الأفضل رعاية صحية في العالم والأكبر انفاقاً على القطاع الصحي .
تمتلك إيران أحدث الأجهزة الطبية والتقنية المتطورة، ولديها العديد من الكوادر الطبية المؤهلة، لذلك يأتي العديد من المرضى من الدول الأوروبية والشرق الأوسط للعلاج في إيران، نظراً لانخفاض تكلفة العلاج وتوافر مرافق لإقامة السياح، وتسعى لتقديم أفضل الخدمات الطبية للمرضى الدوليين، وهذا نوع من الترويج للسياحة الطبية في إيران.
وعلى نقيض ما سبق، على الرغم من الأموال الطائلة المتدفقة إلى الخارج، في أماكن تواجد المليشيات العسكرية التي يرعاها قوات الحرس الثوري في الشرق الأوسط على سيبل المثال (سوريا)، يعاني العديد من المواطنين الإيرانييين نظراً لتراجع مستوى الرفاه والمعيشة في السنوات الأخيرة، ولذلك أصبح ضرورة توافر خدمات الرعاية الصحية من أهم التحديات التي تواجه إيران من الداخل .
ويمكن القول أن مؤشرات الوضع الصحي في إيران تتدهور كلما ابتعدت عن إطار اهتمام الحكومة الإيرانية وهذا ما نلاحظه في المناطق البعيدة المهمشة عن العاصمة (طهران)، وفي الآونة الاخيرة كان ضحية الإهمال الطبي في إيران المخرج العالمي “عباس كيارستمي”، وهذا ما أثير النقاش في الملف الطبي الإيراني، ويوضح ذلك الإهمال الطبي وضعف الكوادر الطبية في بعض المناطق في إيران .
وقد انتقد وزير الصحة الإيراني “حسن قاضي زاده هاشمي”، الوضع الصحي والخدمات المقدمة للمواطنين، وينادي بإعادة فتح الملف الطبي، نظراً لتزايد أعداد السكان وخاصة كبار السن، وعدم توافر إمكانيات طبية ملائمة لعلاج المرضى، وأعرب أيضا عن استغلال السماسرة الملف الطبي كتجارة للاكتساب المال، يرى ضرورة إصلاح قطاع الصحة لأن انتشار الفساد بها يهدد حياة المجتمع الإيراني بالاندثار [9] .
ثانياً: التعليم في إيران
منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، زعمت بأنها تسعى للتغيير في أفكار وقيم الأفراد، وعمد الخميني على نشر الثقافة ولذلك قام بإنشاء منظمة محو الأمية، ودعى الإيرانيين لمساعدته في تعليم الأفراد القراءة والكتابة وخاصة الكبار منهم، وهذه من مهام المنظمة، لنشر الثقافة الإسلامية ومواكبة مستجدات الساحة الإيرانية، وأعربت مصادر رسمية أن عدد الأميين في إيران وصل إلى 9 ملايين و719 ألفا، طبقا لآخر مسح أجرته منظمة الإحصاء الحكومية[10] .
نتيجة للوضع الاقتصادي المتفاقم في إيران، أصبح التعليم مجرد تجارة لكسب المال، وافتقار المدارس والجامعات للعديد من المثقفين والاساتذة، واتساع عدد الجامعات والمعاهد كان على حساب جودتها، وانحرافها عن مسارها الهادف لتطوير التعليم المنشود[11].
وبالنسبة للمحتوي الاكاديمي في الكتب الدراسية، تتناول التاريخ القومي والمذهبي “الشيعي” في المجال العسكري، سير أعلام قادة إيران عبر مراحل التاريخ، دور الأسرة في التنشئة العسكرية، إحياء سيرة الثقافة العاشورائية، مواضيع التربية العسكرية والأمنية، ونلاحظ “عسكرة مناهج التعليم” في المدارس الإيرانية .
وإجمالاً، يمكن القول أن سياسات التدخل العسكري، وسياسات التمدد والتوسع، ودعم الإرهاب التي تقوم بها إيران في المنطقة، يدفع ثمنها المواطنون، ونلاحظ وجود العديد من التناقضات في سياسة إيران الخارجية وواقعها الداخلي، فنجد تآكل الداخل وحروب الخارج، و أنها مازالت تتبع هذه السياسة التوسعية لتحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية ونشر مبادئ التشيع، دون مراعاة معاناة الشعب الإيراني من تداعيات هذه السياسة.
المصدر : البيان