إيران وجيرانها العرب.. ما الذي يجمعنا؟

محمد جواد ظريف

وزير الخارجية الإيراني

قبل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام ١٩٧٩؛ كانت إيران واحدة من دول إسلامية قليلة على علاقة جيدة بإسرائيل، بل إن النظام الملكي بقيادة الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي ساهم وقتها للأسف في تمهيد الطريق أمام اتفاقية كامب ديفد بين مصر والكيان الصهيوني.

لم يكن هذا الأمر سهلا بالنسبة لمعظم الإيرانيين الذين كانوا يرون في القضية الفلسطينية قضيتهم، ولذا عندما انتصرت الثورة كان التدبير الأول للثوار هو رفع العلم الفلسطيني فوق أول سفارة لفلسطين، لأن الثورة وقادتها لطالما رأوا في القضية الفلسطينية قضيتهم، ولذلك لم يساوموا منذ اللحظة الأولى على مبدئية الخيار، حتى ولو كان ذلك سيعني الضغوط والحصار وحتى الحروب المباشرة أو بالوكالة.

بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فإن وجع فلسطين -كما وجع كل الدول العربية الشقيقة والجارة- كان وجعا إيرانيا، وكان أمنها وحريتها من أمننا وحريتنا.

لكن البعض سعى لتحويل المنطقة العربية إلى مسرح لتصفية الحسابات ومساحة للمطامع. وعلى العكس تماما؛ تعتقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن أمن المنطقة واستقرارها من أمنها واستقرارها، وأن أمن وازدهار جيراننا العرب بالتحديد هو أولوية الجميع.

كما أن إيران طالما دعت -في مناسبات مختلفة- إلى وضع الأسس لعقد أمني مشترك، عماده الحوار والمبادئ المشتركة وآليات بناء الثقة، كمقدمة للخروج من النفق المظلم الذي يستنزف الجميع.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكدت أكثر من مرة أن يدها دوما ممدودة للجميع، للحفاظ على الجيرة والأمن والمصالح، حتى يتحمل الجميع المسؤولية أمام الشعوب، وأمام التاريخ، وأمام أجيال المستقبل. والواقع أنه قد لا يتوفر لاحقا الحد الأدنى الموجود حاليا الذي يمكن البناء عليه للوصول إلى نهاية لهذا المسلسل الطويل.

اقرأ أيضا  لماذا لا نرد على إرهاب الموساد في الخارج؟

لطالما كانت القوى الخارجية المؤثرة في المنطقة تؤْثر الحروب وتستنسخها ولا تعطي للسلام فرصة؛ حيث قامت بدعم نظام صدام حسين في غزوه لإيران والكويت، ثم شنت عليه الحرب لإسقاطه. ودعمت القاعدة وطالبان في أفغانستان ولاحقا أطلقت حملات لإخراجهما، ثم عادت لتدعم نسخة أخرى من هذه الجماعات في سوريا لتدميرها وتمهيدا لاحتلالها بحجة قتال الجماعات المتطرفة.

وفعلت الأمر ذاته في حرب إسرائيل على لبنان، واحتلالها غير الشرعي لفلسطين واختراقها المتكرر للأجواء السورية، وفي الحرب على اليمن المستمرة منذ ثلاث سنوات والمجازر التي تُرتكب هناك بأسلحة غربية؛ فماذا استفادت منطقتنا من كل ما سلف وما سيأتي لاحقا، وبماذا انعكس على العالم؟

يمكن القول إن سياسات نصف قرن أو أكثر أوصلت العالم إلى ما يمكن وصفه بحالة الأزمة. إن العالم اليوم يبدو أمام حائط مسدود؛ فالعلاقات الدولية أصبحت عصية على قواعدها التاريخية والعلوم التي بنيت عليها، أما المنطقة فهي تتحول تدريجيا إلى مساحة جغرافية تفتقد الحد الأدنى للأمن، وتستعر فيها كل أنواع الصراعات الإثنية والقومية والطائفية والدينية والعشائرية والقبلية.

كما أضحى الأمن سلعة نادرة في البيت الواحد المترامي الأطراف، وبين شعوب تشترك في الكثير وتختلف على اليسير، فبين العرب والترك والكرد والفرس -وغيرهم من شعوب المنطقة- تاريخ مشترك وثقافة واحدة ومفردات متشابهة، وعادات وتقاليد تكاد تكون مستنسخة عن بعضها بعضا.

اقرأ أيضا  وزير الخارجية الإيراني : ضرورة تعاون كل دول المنطقة لحل الأزمة في سورية

وطالما أن الأمر كذلك فلماذا ندع كل هذه المشتركات ونذهب لتغليب منطق المواجهة الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الأمهات المتّشحات بالسواد، والمزيد من الأحقاد، ونسخ جديدة من الحروب الجاهلية.

وبما أننا لا نريد في زمننا هذا حرب داحس وغبراء جديدة ولا حرب بسوس جديدة، ومن أجل ألا تتكرر هذه الصور من تاريخنا؛ علينا النظر في عيون بعضنا البعض والاتفاق على حل اختلافاتنا على الطاولة وليس في الميدان.

ما نطرحه نحن ليس نسيان الخلافات والاختلافات، لكن الذي نريده هو ألا يفسد الخلاف للود قضية. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصبو -في اقتراحاتها للهندسة الإقليمية الجديدة- إلى تحقيق المصالح المشتركة لجميع دول المنطقة بغض النظر عن الخلافات والاختلافات.

ولكون الهندسة الجديدة قائمة على الاحتواء بإمكانها منع تغوّل طرف من الأطراف الكبرى على الأطراف الأقل تأثيرا، وبذلك نسمح للدول الصغيرة في المنطقة بالمشاركة وبأن تحفظ مصالحها.

بالنسبة لجيراننا العرب ممن نتشارك وإياهم حدودا برية أو بحرية؛ فإن الأمن المشترك يقوم على الالتزام بمعايير مشتركة تكفلها مواثيق الأمم المتحدة، كالسيادة، والامتناع عن التهديد باستخدام القوة، وحل الأزمات بشكل سلمي، واحترام سيادة الدولة على أراضيها وحرمة الحدود، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق تقرير المصير داخلها.

اقرأ أيضا  كيف نستقبل رمضان؟

كما يستلزم الأمر إجراءات عالية لبناء الثقة، من قبيل الإشعار بتنظيم المناورات العسكرية، والشفافية في الإجراءات العسكرية، وخفض الإنفاق على التسليح، وتنظيم زيارات عسكرية متبادلة، وبالإمكان البدء أولا بخطوات أكثر سهولة كتشجيع السياحة بين بلداننا والاستثمارات المشتركة، وإقامة مشاريع مشتركة في إطار السلامة النووية أو مكافحة التلوث وإدارة الأزمات.

مجددا تمد إيران يدها لجيرانها، وهي لا تناور في خيار كهذا لأنه خيارها الإستراتيجي، ولأنها تؤمن حقا بأن ما يجمعنا أكثر بكثير من أن تفرقه خلافات قامت على التوجس وعلى مصالح آنية، قد لا تكون على سلم الأولويات في قادم السنين. وفي حال عدم جنوحنا للسلم؛ فإنه لن يكون لدى الأجيال القادمة ما يكفي لينظروا في أعين بعضهم بعضا!

المصدر : الجزيرة.نت

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.