اختلافاتنا الفقهية لا تؤثر في علاقاتنا الأخوية
الأربعاء13 جمادى الأولى1436//4 مارس/آذار 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
حاتم الهسي
أخي الداعية …
مما لا شك فيه أن الاختلاف سنة من سنن الله في كونه، ومن المعلوم أن الناس متفاوتون في قدراتها العقلية والجسمية، وصدق الله إذ يقول : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (119)) .سورة هود).
والاختلاف بين الدعاة والعلماء في العقول حتمًا سيترتب عليه اختلافهم في استنباط الحكم من الدليل، واختلافهم في الموقف والرأي في المسألة الواحدة!!
وفد اختـلف العلماء في فروع الفقه مُنذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا.
وهذا رحمة من الله للعالمين، إذ إن اختلاف العلماء في المسألة الواحدة نتج عنه سعة للناس وإثراء للفقه والفكر الإسلامي، نتيجة لتلاقح الأفكار وتعارك الأفهام، وهذا هو الأصل في الخلاف أن يكون رحمة وسعة للناس، وألّا يكون بابًا من أبواب النفور والفرقة بين العلماء والدعاة.
وليكن شعارنا في ذلك: ( الخلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية) ، أو كما قال الشيخ رشيد رضا صاحب المنار : (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه).
فالاختلاف في فروع مسائل الفقه ضرورة ورحمة وسعة، فالعزائم مُختلفة مُتفاوتة بتفاوت الإيمان عند الناس، وقد يؤدي تشدد الداعية في مسألة ما إلى إغلاق باب الرخصة للناس والتضييق عليهم، فمن المعروف أن الداعية يأخذ بالعزيمة ولا يأمر الناس بها، ويفتي للناس بالرخصة ولا يأخذ هو بها.
بغض النظر عن اختلافاتنا السياسية، ولا يخفى على أحد انتشار الحركات والتنظيمات الإسلامية في شتى بقاع الأرض، كل حزب لديه منهج سياسي خاص به يتناسب ومحيطه الذي يقطن به، والجدير ذكره هنا أنه يجب أن نتفق على مشروعية الخلاف الفقهي!!
فالحكم في مسألة فقهية قد تتناسب مع هذا العصر ولا تتناسب مع عصرٍ آخر!! لذا لا نضيق شيئًا واسعًا ولا نُنكر على أحد اجتهاده ما دام لديه الدليل الشرعي من الأدلة المتفق عليها.
وعلى عُجالة لا بد من التنويه إلى قواعد الخلاف الفقهي، التي اتفق عليها معظم العلماء:
1. ما لا يتطرق إليه الخلل من حيث صحة الدليل ثلاثة، وهي الكتاب وصحيح السنة وإجماع العلماء، وما سوى ذلك ليس بمعصوم، وفيه يكون النقاش والخلاف.
2. في الأمور الفقهية نلين بليونة الحرير وفي العقيدة نتشدد ونكون بصلابة كصلابة الحديد.
3. ضرورة الاطلاع على اختلاف العلماء في المسألة محل النقاش، وإدراك كل الآراء والأقوال ،ومنهجهم في الخلاف.
4. ومما لا شك فيه أن من أراد أن يُنصب نفسه عالمًا بالفقه، فعليه أن يكون أهلًا لذلك ،فيجب أن يكون عالمًا بعلوم القرآن وتفسيره، مُلمًا بالسنة النبوية ومظانها الصحيحة، على اطلاع ودراية باللغة العربية وقواعدها وأصولها، وهذا على أقل تقدير.
5. الخلاف جائز في الأمور الاجتهادية التي وقع فيها التنازع بين عُلماء الأمة في عصور الصحابة ومن بعدهم، ولا يجوز الحكم على من اتبع قولًا فيها بكفر أو فسق أو بدعة، وهناك قضايا فقهية اختلف فيها الصحابة تسعنا كما وسعتهم. ” ما وسع الصحابة يسعنا” !!
6. اتباع منهج الرحمة والسعة في أخذ القول الاجتهادي: وقد نص على ذلك مُعظم العلماء، وكما قال ابن قدامة رحمه الله: ( اتفاقهم حُجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة).
7. التعاون في المتفق عليه والتسامح في المختلف فيه، فإن كان التعاون في المتفق عليه واجبًا فأوجب منه هو التسامح في المختلف فيه، فلا تتعصب أخي الداعية لرأي ضد رأي في المسائل الخلافية ولا لمذهب ضد مذهب.
وأخيرًا، من الجميل لو تعرفنا على آداب الخلاف، ومنها:
1- التثبت من قول المخالف: وهو التثبت من نقل ما ذكره الأخ المخالف برأيه، حتى لا نقع في قوله تعالى : (أن تصيبوا قومًا بجهالة..)
2- عدم اتهام النوايا: فالنوايا محلها القلب ولا يعلم بما فيها إلا الله عز وجل، فيجب أن نفترض في المخالف الإخلاص، ما دام أنه يؤمن بالله وكتبه ورسله، وتكون المناظرة على هذا الأساس.
3- إخلاص النية لله عز وجل: وليكن هدفنا من الخلاف الوصول للحق ولأنسب وأقرب الآراء التي تُقربنا من بعضنا البعض، ولا يكون خلافنا وجدلنا من أجل الجدل فقط.
4- إفساح المجال للمحاور والمخالف أن يكمل ويُعبر عن رأيه: فالله –سبحانه وتعالى- أعطى الفرصة لإبليس ليعبر عن رأيه عندما رفض أن يسجد لآدم.
5- وصفوة القول : إن الخلاف الفقهي في الفروع يجب ألا يكون سببًا للتفرق في الدين، وألا يؤد إلى خُصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف، تحت مظلة الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب.
وفي نهاية القول، رغم جواز الخلاف ووجوبه في القضايا الفقهية للتوسعة على الناس، إلا أن الداعية مهامه أكبر من قضية فقهية يتنازع ويظهر قدراته أمام خصومه!!
فالأولى أن ينشغل الداعية بهموم أُمته الكبرى، لأن النفوس إذا فرغت من الهموم الكبيرة اعتركت في المسائل الصغيرة، واقتتلت فيما بينها على غير شيء، ولا يجمع الناس كما تجمعهم الهموم والمصائب المشتركة.
وإن من العيب على الداعية أن يغرق الناس في بحر من الجدل والخلاف حول مسائل في فروع الفقه أو على هامش العقيدة اختلف فيها السابقون، وتنازع فيها اللاحقون ولا أمل في أن يتفق عليها المعاصرون.
-البشرى-