اختيار الزوجة الصالحة
د. سامية منيسي
(معراج) – جعل الله تعالى للأم مكانة خاصة في الأسرة والمجتمع تتناسب ودورها الخطير، فقد أمر الإسلام بحسن صحبة الوالدين ولو كانا مشركين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15].
كما أمر نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بحسن صحبة الأم بوجه خاص حتى ولو كان مشركة، وهذا ما يتضح من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حيث قالت: “قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم التي عاهدوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قدمت عليّ أمي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم هي أمك” الحديث[1].
كما أمر الله تعالى بالتواضع والرحمة وخفض الجناح للوالدين فقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء].
كما قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8].
إلا أن للأم، نظراً لما تلاقيه من عناء في الحمل والوضع والتربية واحتضان الأبناء والسهر عليهم، مكانة خاصة في الإسلام؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].
كما قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ [الأحقاف: 15].
والكره هنا هو المشقة، وحمله وفصاله أي مدة حمله وفطامه من الرضاع.
كذلك روى البخاري ومسلم أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمك”. قال: ثمن من؟ قال: “أمك”. قال: ثمن من؟ قال: “أمك”. قال: ثم من؟ قال: “ثم أبوك”[2].
وعند ابن ماجه عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله من أبرُّ؟ قال: “أُمَّك”، قال: ثم من؟ قال: “أُمَّك”، قال: ثم من؟ قال: “أباك”، قال ثم من؟ قال: “الأدنى فالأدنى”[3].
كما روى ابن ماجه حديثا عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما؟ قال: هما جنتك ونارك)[4]. يعني إن أرضيتهما دخلت الجنة وإن أسخطتهما دخلت النار.
وللأم فضل كبير على أبنائها؛ فهي تحمل جنينها في أحشائها تسعة أشهر، تحمله وهنا على وهن، وتضع طفلها بين آلام المخاض وفرحة قدومه، وترضعه وتسهر عليه، وتعاني في تربية أبنائها من المشقة الممتزجة بالحنان الدافق والإيثار على نفسها في كل شيء[5].
لذلك كما كان للأم مكانتها في الإسلام في الكتاب والسنة، كان عليها أيضا مسؤولية كبيرة في تربية الأجيال التربية الإسلامية الحقة، والتي لها بصماتها في مستقبل الأبناء الذين يساهمون في بناء المجتمع ومستقبل الأمة الإسلامية.
وكما ذكرنا فإن الأسرة هي نواة المجتمع فإذا صلحت وقويت أركانها صلح المجتمع كله، وصمد أمام الرياح العاتية والأعاصير العاصفة والأزمات الشديدة، وأصبح المجتمع مجتمعا مثاليا، منتجا سعيدا، متماسك البناء قوي الأركان.. أما إذا فسدت الأسرة، كانت ضعيفة هشّة تنهار أمام أول عاصفة تواجهها، وبالتالي تؤثر على المجتمع ككل فلا يصمد أمام الأنواء وينهار أمام العواصف العاتية.
لذلك كان لقيام الأسرة في الإسلام أهميتها الكبيرة والخطيرة في نظر المشرّع، وكان لها شروط ينبغي مراعاتها حتى تقوم على أساس سليم، وتستقيم أمورها وتسير في ركب الحياة في طريقها الصحيح الذي مهده لها الإسلام تمهيداً جيداً تبدأ باختيار الزوجة التي هي أم المستقبل، وأيضا الزوج وهو أب المستقبل، ثم المباركة بإتمام الزواج الميمون بما شرعه الله تعالى.
والزواج حصن يردّ عن المرء جموح الغزيرة، ويحفظ العرض، ويحول دون التردي في مزالق الفواحش، كما أنه وسيلة للهدوء النفسي والقلبي، والسكن والمودة والرحمة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
فكل من الزوجين ملاذ للآخر يسكن إليه، فيتراحمان ويتوددان، ويتعاطفان فيعطف بعضهما على بعض.
كما أن هدف الزواج أيضا التناسل كما ذكرنا سابقاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”[6].
كما ورد في حديثه ما يحض الشباب على الزواج بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عبد الله رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”[7].
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو أيوب الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: “أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح” أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب[8].
وللتأكيد على اختيار المرأة المؤمنة الصالحة يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [النساء: 25].
أي أن على المؤمن أن يختار المرأة المحصنة العفيفة غير المسافحة، أي غير المجاهرة بالزنى، ولا مصاحبة أصدقاء للزنى سرا، سواء الحرّة أو الأمة[9].
كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهمية اختيار المرأة للزواج من بين النساء المسلمات المؤمنات القانتات العفيفات بقوله في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”[10].
أي: لصقت يداك بالتراب إن لم تظفر بذات الدين. وهو كناية عن التنبؤ له بالفقر، وسوء الحال. ولا يراد به حقيقة الدعاء عليه، وإنما الحث على الزواج من ذات الدين. كما ورد عند الترمذي في حديث رواه عن جابر وقال: حديث حسن صحيح[11].
كذلك أشار النبي إلى أن أفضل متاع الحياة الدنيا هو المرأة الصالحة؛ فقد ورد عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة”[12].
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم باختيار المرأة الصالحة للزواج فقد حضَّ أيضا على اختيار المنجبة الودود الولود التي يبغي بها استمرار النسل عند المسلم، فقد ذكر عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وأنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: (لا). ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة. فقال: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم”[13]. كما ورد عن طلحة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انكحوا فإني مكاثر بكم”[14].
إلا أن الذرية الصالحة الطيبة هي هبة من الله تعالى يرزق من يشاء بها، ويمنعها عمن يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يقول تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].
كما نهى الله تعالى ورسوله عن الزواج من الزانيات. قال تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3].
كما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغيُّ يقال لها عناق، وكانت صديقة له. قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت: ﴿ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾فدعاني فقرأها عليّ وقال: “لا تنكحها” وقد ذكره أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه[15].
فيجب التحري لاختيار المرأة المؤمنة الحافظة لنفسها ولزوجها ولأهلها.
ولا بد من استئذان المرأة في أمر زواجها، فإذا كانت بكرا تُستأذن، وإذا كانت ثيبا تستأمر، فإن أقرّت الزواج تم، وإن لم تقره لا ينبغي أن يتم.
أما البكر فإذنها سكوتها، لأن حياء البكر يمنعها من الإفصاح عن رغبتها في الزواج، بينما تفصح الثيب عن ذلك بلسانها إما بالإيجاب أو الرفض.
وفي هذا المضمار روى أبو هريرة رضي الله عنه حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن”. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: “أن تسكت”[16].
كما ورد أيضا حديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن البكر تستحي، قال: “رضاها صمتها”[17].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها”[18].
[1] البخاري: كتاب الأدب – باب صلة المرأة أمها، ولها زوج، حديث رقم (5979) ج 7 صـ 94 وانظر أيضا ابن الأثير: أسد الغابة ج 7 ص 239، ابن حجر، الإصابة ج 4 ص 377، 378.
[2] صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن صحابتي، مج 4 جـ 7 صـ 91 ط. بيروت، دار الكتب العلمية، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به. حديث رقم (2548) شرح صحيح مسلم للإمام النووي جـ 6 صـ 337.
هذا، وفي شرح الإمام النووي لهذا الحديث يقول: (.. وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهن بذلك ثم بعدها الاب ثم الأقرب فالأقرب. قال العلماء وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه .. وغير ذلك، ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب، وحكى القاضي عياض خلافًا في ذلك فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون برهما سواء، قال: ونسب بعضهم هذا إلى مالك، والصواب الأول لصريح هذه الأحاديث في المعنى المذكور. والله أعلم. قال القاضي: أجمعوا على أن الأم والأب آكد حرمة في البر ممن سواهما، قال: وتردد بعضهم بين الأجداد والإخوة لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم أدناك ثم أدناك. قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام.. ثم بالمصاهرة، ثم بالمولى من أعلى وأسفل، ثم الجار، ويقدم القريب البعيد الدار على الجار.. وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم..) انظر شرح صحيح مسلم للإمام النووي جـ 16 صـ 337 – 338.
[3] سنن ابن ماجه: كتاب الأدب، باب بر الوالدين حديث رقم (3658) مج 4 صـ 184، وقد انفرد به ابن ماجه، وفي حاشية الإمام البوصيري: (.. وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، والحديث في الصحيحين بلفظ: “من أحق الناس بحسن صحابتي” كذلك ذكر المحقق الحديث بقوله: (هذا إسناد صحيح” صـ 184.
[4] سنن ابن ماجه: كتاب الأدب، باب بر الوالدين ج 4 صـ 186 إلا أنه ذكر أن إسناده ضعيف لضعف علي بن يزيد. وانظر أيضا: مبشر الطرزي: حقوق المرأة في الإسلام صـ 62، صـ 64، وكتاب المرأة وتنظيم الأسرة في الإسلام للمؤلفة ص 34.
[5] انظر: المرأة في الإسلام للمؤلفة صـ 70، 130، 131.
[6] انظر: التمهيد فهو موثق هناك. وقد أورده: أبو داود في سننه – وسوف يأتي مفصلا بعد قليل (بمشيئة الله تعالى).
[7] صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج.. حديث رقم (5066) مج 3 جـ 6 صـ 438.
وصحيح مسلم: كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه حديث رقم (1400) (شرح صحيح مسلم للإمام النووي) ج 9، صـ 181، والترمذي: كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل الترويج والحث عليه، حديث رقم (1081) ج 3 صـ 392، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، كما أخرجه النسائي وابن ماجه والإمام أحمد.
الباءة: النكاح مشتق من اللفظ الذي يدل على الإقامة والنزول، والباءة: المنزل، فلما كان الزوج ينزل بزوجته، سمى النكاح (باءة) لمجاز الملازمة، واستطاعة النكاح: القدرة على مئونة المهر والنفقة، وفيه دليل على أنه لا يؤمر به إلا القادر على ذلك.. وقد قسم الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة، أعني: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة، وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت، وقدر على النكاح.. وقد يتعلق بهذه الصيغة من يرى أن النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وقوله صلى الله عليه وسلم: “فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”.. والخوالة على الصوم لما فيه كسر للشهوة، فإن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوتها، وتضعف بضعفها.. و(الوجاء) الخصاء: وجعل وجاء: نظرًا إلى المعنى، فإن الوجاء قاطع للفعل، وعدم الشهوة قاطع له أيضًا، وهو من مجاز المشابهة.
وإخراج الحديث لمخاطبة الشباب: بناء على الغالب؛ لأن أسباب قوة الداعي إلى النكاح فيه موجودة، بخلاف الشيوخ، والمعنى معتبر إذا وجد في الكهول والشيوخ أيضًا).
انظر: إحكام الأحكام وشرح عُمدة الأحكام للإمام: تقي الدين ابن دقيق العيد (625 – 702) أملاه على الوزير عماد الدين بن الأثير الحلبي، تحقيق أحد شاكر، بيروت، عالم الكتب ج 2 صـ 168 – 169 الطبعة الثانية 1407هـ/ 1978م.
[8] انظر: سنن الترمذي: كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل التزويج والحث عليه. ج 3 صـ 391، وقد أورد الترمذي الحديث عن عدد من الصحابة منهم عائشة، وعثمان، وثوبان، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر، وجابر وغيرهم – رضي الله عنهم.
[9] انظر: تفسير وبيان مفردات القرآن للإمام السيوطي، دمشق، دار الرشيد. (عند تفسير الآية 25 من سورة النساء) صـ 82 هذا والمعروف طبعًا أن الإماء انتهى أمرهن الآن فأصبح الاختيار للحرة إلا أنه إذا كان مستوى المرأة الاجتماعي مرتفعًا أو بسيطًا فلا يهم فيه سوى اختيار المرأة المحصنة العفيفة، وهذا هو الهدف والمطلوب.
[10] انظر: صحيح البخاري كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، مج 3 جـ 6 صـ 444 حديث رقم (5090)، وصحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، حديث رقم (1466) (شرح مسلم النووي) جـ 10 صـ 305.
[11] سنن الترمذي: كتاب النكاح، باب ما جاء عن المرأة تنكح على ثلاث خصال، حديث رقم (1086) ج 3 صـ 396، كما أورده أبو داود في سننه عن أبي هريرة في كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من تزوج ذات الدين، حديث رقم (2408)، ج 2 صـ 539، ط. بيروت، دار الحديث 1319هـ/ 1969م – 1970م.
[12] صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة حديث رقم (1467)، انظر شرح صحيح مسلم للنووي جـ 10 صـ 310.
[13] رواه أبو داود في سننه، كتاب النكاح. باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، حديث رقم (2050)، جـ 2 صـ 542، ط. بيروت، دار الحديث، وسنن النسائي، كتاب النكاح، باب كراهية تزويج العقيم، حديث رقم (3227) ج 6 صـ 65 ط. بيروت، دار البشائر الإسلامية.
[14] أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب: تزويج الحرائر والولود حديث رقم (1863)، سنن ابن ماجه بشرح الإمام أبي الحسن السندي، وبحاشية تعليقات مصباح الزجاجة، وزوائد ابن ماجه للإمام البوصيري تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا ج2، بيروت، دار المعرفة ط 2 1418هـ/ 1997م صـ 417 – 418. هذا وفي الحاشية (وفي الزوائد: في إسناد طلحة بن عمرو المكي الحضرمي، متفق على تضعيفه. والله تعالى أعلم) صـ 418.
[15] انظر: سنن أبي داود – كتاب النكاح. باب في قوله تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ﴾ حديث رقم (2051)، ج 2، صـ 542 – 543، والنسائي في كتاب النكاح، باب تزويج الزانية حديث رقم (3228) ج 6 صـ 66، والترمذي في سننه، كتاب التفسير [تفسير سورة النور] حديث رقم (3176).
[16] ورد في صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، حديث رقم (5136) مج 3 ج 6 صـ 66، وفي مسلم كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح، حديث رقم (1419)، شرح صحيح مسلم للإمام النووي ج 9 صـ 213 – 214.
[17] أورده البخاري في كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، حديث رقم (5137) ج 6 صـ 460، ومسلم في كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، حديث رقم (1420) وهو بنفس المعنى المذكور، شرح صحيح مسلم للنووي، كتاب النكاح ج 9 صـ 215 – 215.
[18] أخرجه مسلم في صحيحه، انظر: شرح صحيح مسلم للنووي حديث رقم (1421) ج 9.
تعليق:
هذا، وقد ذكر الإمام النووي عند شرحه لهذه الأحاديث أنها وردت بصيغ مختلفة، والمعنى واحد، ثم قال: قال العلماء: الأيم هنا الثيب.. وللأيم معان أخر. قال القاضي: اختلف العلماء في المراد بالأيم هنا مع اتفاق أهل اللغة على أنها تطلق عل امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرًا كانت أو ثيبًا.. والأيمة في اللغة العزوبة.. ثم اختلف العلماء في المراد بها هنا فقال علماء الحجاز والفقهاء كافة المراد الثيب.. وبأنها جعلت مقابلة للبكر.. وقال الكوفيون وزقر: الأيم هنا كل امرأة لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا كما هو مقتضاه في اللغة. قالوا: فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها لنكاح صحيح وبه قال الشعبي والزهري. قالوا: وليس الولي من أركان صحة النكاح بل من تمامه، وقال الأوزاعي، وأبو يوسف ومحمد: تتوقف صحة النكاح على إجازة الولي، قال القاضي: اختلفوا أيضًا في قوله صلى الله عليه وسلم: أحق من وليها هل هي أحق بالإذن فقط أو بالإذن والعقد على نفسها، فعند الجمهور بالإذن فقط، وعند هؤلاء بهما جميعًا. وقوله: أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضا أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني، واعلم أن لفظة أحق هنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقا لوليها حقا وحقها أو كون حقه فإنه لو أراد تزويجها كفؤا أو امتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوجكفؤا فامتنع الولي أجبر فإن أصر زوّجها القاضي فدل على تأكيد حقها ورجحانه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر: “حتى تستأذن” فاختلفوا في معناه، فقال الشافعي، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحق، وغيرهم: الاستئذان في البكر مأمور به فإن كان الولي أبا أو جدا كان الاستئذان مندوبا إليه، ولو زوجها بغير استئذانها صح لكمال شفقته، وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان في كل بكر بالغة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر: إذنها صماتها، فظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقا وهذا هو الصحيح.. والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث لوجود الحياء، واختلف العلماء في اشتراط الولي في صحة النكاح فقال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي. وقال أبو حنيفة: لا يشترط في الثيب ولا في البكر البالغة بل لها أن تزوّج نفسها بغير إذن وليها، وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليّها، ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود: يشترط الولي في تزويج البكر دون الثيب، واحتج مالك والشافعي بالحديث المشهور: لا نكاح إلا بولي، وهذا يقتضي نفي الصحة، واحتج داود بأن الحديث المذكور في مسلم صريح في الفرق بين البكر والثيب، وأن الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأذن، وأجاب أصحابنا عنه بأنه أحق أي شريكة في الحق بمعنى أنها لا تجبر، وهي أيضًا أحق في تعيين الزوج. واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره، وأنها تستقل فيه بلا ولي، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الأمة والصغيرة، وخص عمومها بهذا القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائز عند كثيرين من أهل الأصول. واحتج أبو ثور بالحديث المشهور: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل؛ ولأن الولي إنما يراد ليختار كفؤًا لدفع العار، وذلك يحصل بإذنه، قال العلماء: ناقض داود مذهبه في شرط الولي في البكر دون الثيب؛ لأنه إحداث قول في مسألة مختلف فيها، ولم يسبق إليه، ومذهبه أنه لا يجوز إحداث مثل هذا، والله أعلم.
انظر شرح الإمام النووي لصحيح مسلم ج 9 صـ 213 – صـ 217، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، وفق الألوكة.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية
Comments: 0