اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

الأحد 18 رمضان 1436//5 يوليو/تمور 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ علي ونيس
تعريف الاعتكاف:
هو في اللغة: الحَبس، والمكث، واللُّزوم.
وفي الشَّرع: المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة، ويسمى الاعتكاف جوارًا”[1].
وعَرَّفَه بعض العلماء بقوله: “فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق”[2].

التَّعاريف تختلف بحسب منهج المُعَرف، فالتَّعريف الأول نَظَر إلى حد الاعتكاف الشرعي، ليُخرج به ما ينافيه من مُبطلات ومكروهات، والتَّعريف الثاني نَظَر إلى ثَمَرة الاعتكاف التي لا تحصل إلاَّ بقطع القلب عمَّا سوى الله، وهذه حقيقة الاعتكاف عند ذَوي البصائر؛ لأنَّه لا يُؤتي ثماره إلاَّ بتَحَقُّق تلك الحقيقة، فاعتكاف الصَّالحين انقطاع عن الخلق، وأنس بالله، ونسيان للشَّهَوات والرَّغبات الطبعيَّة، ولَعَلَّ هذا هو السر في امتناع النبي – صلى الله عليه وسلم – عن مثل ذلك، فقد كان يشدّ مئزره، وذلك كناية عن الإقلال منَ الطَّعام والشَّراب والجماع.

“وكُلَّما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثتْ صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكُليَّة على كل حال.

كان داود الطَّائي يقول في ليله: هَمُّك عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النَّظَر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات.
وكان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه. فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس مَن ذَكَرني.
أَوْحَشَتْنِي خَلَوَاتِي بِكَ مِنْ كُلِّ أَنِيسِي
وَتَفَرَّدتُ فَعَاينْ تُكَ بِالْغَيْبِ جَلِيسي”[3]
– قال الإمام البخاري: “باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187][4].

– عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: “إنَّ مثل المعتكف مثل المُحْرم ألقى نفسه بين يدَي الرحمن فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني”[5].

– عن عائشة – رضيَ الله عنها – قالت: “كان النَّبيُّ – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”[6].

اقرأ أيضا  أمرت أن أُقاتل الناس حتى ..

– عن عائشة – رضيَ الله عنها – قالت: “كان رسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – إذا دخل العشْرُ أحيا اللَّيل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر”[7].

– قالت عائشة – رضيَ الله عنها -: “كان رسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”[8].

– عن علي بن أبي طالب – رضيَ الله عنه – قال: “كان رسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – يوقظ أهله في العَشْر الأواخر من شهر رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة”[9].

– عن عائشة – رضيَ الله عنها – زوج النَّبي – صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: “أنَّ النَّبي – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”[10].

– عن أبي سعيد الخدري- رضيَ الله عنه -: “أنَّ رسولَ الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتَّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين – وهي اللَّيلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه – قال: ((من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) فمطرت السَّماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد فبصرت عيناي رسولَ الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين[11].

– عن عائشة – رضيَ الله عنها – زوج النَّبي – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – قالت: “وإن كان رسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – ليُدْخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلاَّ لحاجة إذا كان معتكفًا”[12].

– عن عُيَيْنة بن عبدالرحمن عن أبيه قال: “كان أبو بكر يُصَلي في رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخلت العشر اجتهد”[13].

اعتكاف النساء:
– عن عائشة – رضيَ الله عنها – قالتْ: “كان النَّبيُّ – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنتُ أضرب له خباءً فيُصَلِّي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشةَ أن تضرب خباء فأذنتْ لها فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلمَّا أصبح النَّبي – صلى الله عليه وسلم – رأى الأخبية فقال: ما هذا؟ فأُخبر، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((آلبر تُردن بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال))[14].

اقرأ أيضا  اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

– عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “اعتكفتْ مع رسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – امرأةٌ من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربَّما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي”[15].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – “النووي على مسلم” 8/ 66، وانظر “تحفة الأحوذي” 3/ 420.
[2] – “لطائف المعارف”289.
[3] – “لطائف المعارف”289، بتصرف يسير.
[4] – “صحيح البخاري” 2/713.
[5] – “شعب الإيمان” للبيهقي برقم3970.
[6] – رواه البخاري برقم 1920، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان. قال ابن حجر في “الفتح” 4/ 269: “وصَرَّحَ به في حديث علي عند بن أبي شيبة والبيهقي من طريق عاصم بن ضمرة عنه قوله: (شد مئزره)؛ أي اعتزال النساء، وبذلك جزم عبدالرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر:
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ عَنِ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عَيَّاش نحوه، وقال الخَطَّابي: (يحتمل أن يريد به الجد في العبادة؛ كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمرت له، ويحتمل أن يراد التَّشمير والاعتزال معًا، ويحتمل أن يرادَ الحقيقة والمجاز، كمن يقول: طويل النجاد: لطويل القامة، وهو طويل النجاد حقيقة، فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله، واعتزل النساء وشمر للعبادة)، قلت: وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة: (شد مئزره واعتزل النساء)، فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول. قوله: (وأحيا ليله)؛ أي سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه؛ لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته، وهو نحو قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا)؛ أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور. قوله: (وأيقظ أهله)؛ أي للصلاة” انتهى.
[7] – رواه مسلم برقم 1174، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان.
[8] – رواه مسلم برقم 1175، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان.
[9] – رواه الطبراني في “الأوسط” برقم 7425، وقال: لم يروِ هذا الحديث عن أبي إسحاق عن هانئ إلا أبو مريم تفرَّد به إسماعيل بن عمرو وحديث هبيرة عن الثوري وشعبة وغيرهما.
[10] – رواه البخاري برقم 1922، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]، ورواه مسلم برقم 1172، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
[11] – رواه البخاري برقم 1923، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].
[12] – رواه البخاري برقم 1925، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة.
[13] – مصنف ابن أبي شيبة برقم 9574، من كان يجتهد إذا دخل العشر الأواخر من رمضان.
[14] – رواه البخاري برقم 1928، باب اعتكاف النساء، ومسلم برقم 1172، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.
[15] – رواه البخاري برقم / 1932 / باب اعتكاف المستحاضة.
الألوكة

اقرأ أيضا  الدفع بالأحسن
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.