“اعدلوا هو أقرب للتقوى”

15

السبت،9 شعبان 1435الموافق7 حزيران/يونيو2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
بسام ناصر
من نعم الله تعالى التي أتاحها لنا في عصر الفضاء المفتوح، ووسائل الاتصال السريعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يسره من الوقوف على طرائق تفكير شرائح مختلفة من الناس، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والتعليمية، وتعدد انتماءاتهم المذهبية والفكرية المختلفة.
فباتت ملازمة “فيس بوك”، و”تويتر” تزود المرء المولع برصد اتجاهات الناس، والمتطلع إلى اكتشاف طرائق تفكيرهم بمادة خصبة، يستخرج منها في شهور ما لا يمكنه استخراج مثلها في سنوات قبل ذلك، إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي تستفز روادها وجمهورها بشكل دائم للبوح بمكنونات صدورهم على صفحاتها بلا رقيب وبحرية تامة، فتجد أفكارهم ورؤاهم معروضة على صفحاتهم، مع ما يصاحب ذلك من دفاع مستميت عن تلك الأفكار، ومحاورات هادئة أحيانا، وردود قاسية وعنيفة غالبا. وطرد وإلغاء صداقات كسلاح يشهره “الفيس بوكيون” عند الحاجة.
وأقصر الحديث ها هنا على منشورات المتدينين (مسلمين وإسلاميين)، لتناسبها مع “إسلاميات” السبيل، في محاولة لرصد طبيعة تلك الحوارات، وما تكشف عنه من طبائع النفوس، وتسفر عنه من أخلاقيات وممارسات، تكشف حوارات مواقع التواصل الاجتماعي عن فقر شديد في ثقافة الحوار، التي تقوم في جوهرها على حرية الاختيار وحق الاختلاف، والتي تجعل المحاور حريصا على اطلاع الآخرين بما يراه بأيسر طريقة وأسهل عبارة، فالحوار عملية تشاركية تهدف إلى توضيح كل طرف ما لديه للطرف الآخر، وليس من غايته إفحام المخالف وإسكاته، فتلك وظيفة المناظر لا المحاور.
من مسالك المتحاورين على مواقع التواصل الاجتماعي (وخصوصا الفيس بوك)، النزوع إلى تصنيف المخالف وفق التصنيفات القائمة والمتداولة في أوساط المتدينين (مسلمين وإسلاميين)، فإذا ما وجد أحدهم أو بعضهم منشورا لا يتفق معه، وربما يكون ناقدا لتياره الذي ينتمي إليه، فتراه على الفور يسارع إلى تصنيف صاحب ذلك المنشور على الاتجاه المقابل للتيار الآخر (موضع النقد)، لأن الذهنية الحاكمة في ذلك كله تقوم على منطق الثنائيات المتضادة، التي لا ترى من الألوان إلا الأبيض والأسود، مع تعاميها عن غيرهما من الألوان الكثيرة، كما إنها لا تعرف من المواقف إلا مع أو ضد، ويصعب عليها في الوقت نفسه استيعاب إمكانية تجزئة المواقف بحسب صوابها وعقلانيتها بصرف النظر عن شخوصها وفاعليها، فقد تقف في قضية ما مع اتجاه معين، وتعارضه في قضية أخرى، وهكذا دواليك.
ما الذي يمنعك – على سبيل المثال – من موافقة المعتزلة في حق قالوا به؟ وهل ثمة ما يجعل متابعة الأشاعرة في مسائل كان دليلهم فيها أقوى وأظهر مسلكا مرذولا؟ وماذا على طالب العلم إن أخذ بظواهر النصوص ما لم يجد لها معارضا أو صارفا؟ بصفة عامة مجملة ترك التمذهب بمذهب واحد في كل المسائل العلمية والعملية (على سبيل التعصب والانحياز الأعمى) بل كل مذاهب المسلمين مفتوحة أمامه، يتخير منها ما يراه حقا وصوابا، فقد تجده معتزليا في مسألة قال بها المعتزلة، وتراه أشعريا يوافقهم في اختيارات لهم، وسلفيا في مسائل وقضايا أخر، فحينما يكون الوصول إلى الحق بدليله غاية المسلم (داعية، طالب علم، مثقف مستنير) فلا يهمه بعدها إن كان اختياره ذاك وافق المعتزلة أو الأشاعرة أو الإباضية أو السلفية.
أما على صعيد العمل الإسلامي، وتعدد جماعاته واختلاف مناهجهم ورؤاهم، فمن هو ذاك المدعي بأن جماعته هي جماعة الحق والإسلام الكامل؟ أليس من مقتضيات العدل والإنصاف أن ينظر الدعاة وأتباع الجماعات والحركات الإسلامية إلى اختلافهم وتنوعهم نظرة تعاون وتكامل، وليس نظرة تنافر واختلاف وتآكل، فما تجده في الإخوان المسلمين قد لا تجده عند غيرهم، كقوة التنظيم وتماسكه، والقدرة على تجميع الأتباع وحشد الأنصار، وقد تجد عند التبليغيين ما لاتجده عند الآخرين، كفشو روح التضحية والبذل وهضم حقوق النفس، والإخبات في أوساطهم، وهكذا حال بقية الجماعات والحركات الإسلامية، فهي على ثغرة من ثغور الإسلام، لا يقوى غيرها على القيام بما أقامها الله فيه.
ما يغيب عمليا وواقعيا عن أوساط المسلمين هو التخلق بأخلاق العدل والانصاف، والبعد عن الظلم والاعتساف، في التعامل مع أفكار الآخرين ورؤاهم ومقولاتهم، فليس من العدل في شيء أن تبني موقفك من أخيك المسلم على كلام قرأته وسمعته من مخالف له، فما الذي يحول بينك وبين التعرف على أفكاره ومقولاته بالاستماع إليه مباشرة، أو من خلال كتبه المقررة، وأدبياته التي ينشرها ويتبناها؟ ولماذا يعز على المسلم أن يشهد لأخيه المسلم المخالف له بما فيه من الحق والخير والتميز؟ هل أعمى التعصب والتحزب والدوران في فلك المشايخ والرموز إسلاميي الجماعات والحركات والمشيخات عن الشهادة بالقسط لخصومهم كما يقومون بها مع أحبابهم وأبناء اتجاههم؟؟
لو أن أتباع الجماعات والحركات “والمشيخات” الإسلامية تمثلوا ما يوجههم إليه القرآن في مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: 8) لتحققوا حينها بأن من متقتضيات اتصافهم بصفة “القوِّامين” لله في كل شؤون حياتهم، علما وعملا، نظرا وسلوكا، الشهادة بالعدل والقسط للآخرين، وأن لا تحملهم عواطفهم ومشاعرهم النفسية على ظلم مخالفيهم، والتعدي عليهم.
لماذا يسارع إسلاميون إلى اتهام إخوانهم من أتباع الاتجاهات الأخرى بالتفريط والتمييع والتضييع، بل ربما التبعية والعمالة، مع تحققهم بالصدق والإخلاص، واستنادهم إلى اجتهادات فقهية معتبرة لعلماء وفقهاء من أهل الصدق والاستقامة والديانة؟ لا عليك إن خالفت رأيهم، وعارضت توجههم، وانتقدت مواقفهم، فكل ذلك حق مصان لك ولغيرك، لكن ليس من أخلاق أهل العدل والانصاف ظلمهم والبغي عليهم، باتهامهم بما يسقط عدالتهم، ورميهم بما يشينهم ويجرحهم، ويخرجهم من عداد العاملين الصادقين إلى دائرة العملاء الساقطين.
أخي الإسلامي الكريم: كن كما أمرك ربك، قوِّاما له في كل أمر وحين، شاهدا بالعدل والقسط، ولا تحملك كراهية غيرك من إخوانك الدعاة على ظلمهم والبغي عليهم في القول والفعل، والزم العدل وتعرف على “قواعد الاعتدال لمن أراد تقويم الجماعات والرجال” تكن عند ربك مقبولا مرضيا، وبين خلقه محبوبا صفيا.

اقرأ أيضا  معنى النصيحة لله

المصدر:السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.