الأخلاق السامية
الإثنين 24 شوال 1436//10 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ علي محفوظ
هدي سيدنا محمد – صلوات الله عليه – في نشر الدعوة
2- الأخلاق السامية
قد تكون الدعوة قوية الحُجَّة، حكيمة الأسلوب؛ لكن يعوزها شيءٌ من الأدب الراقي وحسن التصرُّف، إذ لا يكفي في الدعوة إلى الحق أن يَطرُقَ الدَّاعي بها الأندية والمجتمعات، أو يعرضها على الأفراد في مختلف الأوقات، دون أن يكسوها من جمال الأدب ما يجعلها حسنةَ السَّمْت، بعيدةَ الأثر في نفوس السامعين، فكم من خطيبٍ مصقعٍ وفصيحٍ مفوَّه، يَغْشى المجالس، ويزاحم الدعاة الناصحين في الدَّعوة إلى الحقِّ والفضيلة، فلا يكون نصيبه إلا إعراض الناس عن دعوته، كما يعرضون عن البضاعة المُزْجاة، ولو علموا العِلَّة في ذلك لأصلحوا أنفسهم أولاً، وأَلْبَسُوها حُلَّةَ الأدب، وخلعوا على دعوتهم من هذه الحُلَل النفيسة، فإن كلَّ مَنْ يتصدَّى لتكميل النَّاقصين وإصلاح النفوس، لابد أن يكون مَثلاً أَعْلى في الاستقامة والخُلُق الفاضل؛ لهذا كان رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه – داعيًا إلى الله بأخلاقه وأعماله، قبل أن يكون داعيًا بمقاله، وهذه هي الطريقة المُثْلى التي شَيَّدَ عليها صَرْحَ الإسلام، وأَحْكَمَ بها دعائم الإيمان، فكان – صلوات الله وسلامه عليه – قدوةً حسنةً، وشخصيةً ممتازةً، بكل مزايا الأدب والكمال التي تكون في الدُّعاة إلى الخير والفضيلة، أَدَّبَه مولاه فأَحْسَنَ تأديبه، وربَّاه فأكمل تربيته، كما قال: ((أدَّبني ربِّي؛ فأَحْسَنَ تأديبي))[1]، وأثنى عليه بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وكثيرًا ما كان يظهر أدبه في أقواله وفي أعماله؛ كالأمثلة الآتية:
1- أنه كان يأخذ فيها بالرِّفق والحِلْم والثَّبات والصَّبر، فكثيرًا ما كان يَلْحَقَهُ الأذى من سفهاء المشركين، فيتلقَّاه بالصبر الجميل؛ امتثالاً لقول ربِّه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ…}، وكان يرميه بعض الجُفاة من الأعراب بالكلمة الغليظة الخبيثة، فيُقابلها بالصَّفح والابتسام والإنعام؛ تلبيةً لقول مولاه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، وهو الذي لا عتاب بعده، ثم هو بعد ذلك يعرض عليهم دعوته في لينٍ من القَوْل، معرضًا عن جهل الجاهلين، وعَنَتِ المشاغِبين، وكان في استرساله في دعوته إلى الله تعالى مع ثباته واحتماله مثلاً يُحتذى به، وإمامًا يُقتدى به.
2 – تنزُّله مع المدعوِّين إلى حدِّ إنه كان يتقدَّم إليهم بأجمل عبارات التلطُّف والمجاملة؛ كقوله: ((إنما أنا لكم مثل الوالِد لوَلَده؛ أُعلِّمُكم))[2].
3 – أنه كان لا يواجه أحدًا بعينِه عندما يريد أن يؤدِّبه أو يزجره، ما دام يجِد في الموعظة العامة كافيةً، وهذا من الأدب الرَّاقي البالِغ منتهى الحكمة.
قالت عائشةُ – رضي الله عنها -: “صنع رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا، فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ، فبلغه ذلك؛ فخطب، فحمد الله، ثم قال: ((ما بالُ أقوامٍ يتنزَّهون عن الشيء أَصْنَعُهُ، فوالله إني لأَعْلَمُهم بالله، وأشدُّهم له خشيةً”[3] . إلى غير هذا من المُثُل العليا في أدبه، الذي كان من أكبر الأسباب في نجاحه في دعوته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ضعيف: معناه صحيح، وقد تقدم تخريجه في الفصل الأول من هذا الكتاب.
[2] حسن: رواه أبو داود (8) كتاب الطهارة، والنسائي (40) كتاب الطهارة، وابن ماجه (313) كتاب الطهارة وسننها، والدارمي (674) كتاب الطهارة، وأحمد (7321، 7361) باقي مسند المكثرين، وحسنه العلامة الألباني في المشكاة (347)، وصحيح سنن ابن ماجه، وقال: حسن صحيح.
[3] متفق عليه: رواه البخاري (6101) كتاب الأدب، ومسلم (2356) كتاب الفضائل.
الألوكة