الأخلاق: كيف نكتسبها وكيف نعدلها؟
الجمعة 16 ذو القعدة 1437/ 19 أغسطس/ آب 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
للأخلاق في الإسلام مكانةٌ عالية حتى إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّل سبب بعثته بإشاعة مكارم الأخلاق، حيث جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثتُ لأتمِّم مكارمَ الأخلاق))، وفي رواية: ((إنما بُعثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق)).
ومن تعظيم الإسلام للأخلاق أنه عرَّف الدِّين بحُسن الخلقِ كما جاء في حديث: ((الدينُ حسنُ الخلق))، وهذا يشبه تعريف الحج في حديث: ((الحجُّ عرفة))؛ أي: لا يتمُّ الحج بدون الوقوف بعرفة.
ومن عظمة الأخلاق في الإسلام أنها أكثر ما يرجح بميزان الإنسان يوم القيامة؛ إذ هي أثقل ما يوضع في الميزان، والمؤمنون يتفاضلون بحسب أخلاقهم، وذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أقرب الناس منه مجلسًا يوم القيامة وأحَبَّهم إليه، أحسنُهم أخلاقًا.
ومن دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهدِني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها؛ فإنه لا يصرفُ سيِّئها إلا أنت)).
ومدح الله عزَّ وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم بحُسْنِ خلقِه، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وهذه العناية العُظْمى بالأخلاق في الإسلام لفتَتْ نظرَ كثير من الكُتَّاب حتى من غير المسلمين، وجعلَتْهم يسمُّونه بدين الأخلاق، ومن هنا كان كلُّ مسلم يحتاج ليعرف ويفهم كيف يتكون البناء الخُلقي الذاتي؛ ليكتسب الأخلاق الحسنة، ويتخلَّص من الأخلاق السيئة في مشوار حياته؛ حتى يصلَ إلى أعلى درجة يستطيعها من الكمال الخلقي، ولكل مجتهدٍ نصيبٌ، وهنا سنذكر بشكل مختصر وسائلَ تقويم الأخلاق، ثم نذكر ثلاثيَّة تعديل الأخلاق؛ حتى يتمكَّن الإنسان من التخلُّق بالأخلاق الحسنة، ويتخلَّص من الأخلاق السيِّئة بشكل متدرج.
وسائل تقويم الأخلاق:
1- العلم: وبه يتعرَّف المرء على أنواع الأخلاق الحسنة التي أمر بها الإسلام، وأنواع الأخلاق الرديئة التي نهى عنها الإسلامُ، وهذا العلمُ ضروريٌّ ليعرف المسلم بأي خُلقٍ يتخلَّق، ومن أي خلُق يتخلَّص.
2- أن يربطَ بين ما تعلَّمه من أنواع الأخلاق، وبين الإيمانِ بالله وتقواه، وأن يعلم بشكل كامل كيف أن تخلُّقَه بالأخلاق الحسنة سببٌ لنيل رضوان الله ودخول الجنة، وتخليصِه من النفاق ومن ضعف الإيمان.
3- لا يكفي مجردُ العلم السابق بل لا بدَّ من استحضار ما تعلمه عن الأخلاق بشكل دائم، وتطبيقه بشكل عمليٍّ في مواقف الحياة اليوميَّة العابرة والمتكرِّرة؛ حتى تصبح سجيَّة له.
4- الاهتمام بتقويةِ معاني العقيدة الإسلامية في النفس، وأهمُّها: الإيمانُ بالله واليوم الآخر وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان راحل عن هذه الدنيا، ومجزِيٌّ بعمله؛ إنْ حسنًا فحسنٌ، وإنْ سيئًا فبما عمل.
5- مباشرة الأعمال الطيبة التي تساعد على تقويمِ الأخلاق، وتُسهِّل قبولَ الأخلاق الفاضلة، وتُخلِّص النفس من الأخلاق السيئة؛ لأن العلم وحدَه لا يكفي، بل لا بدَّ له من عمل، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9]، ولم يقل سبحانه: قد أفلح من تعلَّم كيفية تزكيتِها.
6- وهنا يأتي دورُ العبادات التي هي من الأعمال الطيبة المؤدِّية لتقويم الأخلاق؛ فهي تزكي النفسَ وتزيدها طهرةً وزكاة وقوة ووقاية، قال تعالى في الصلاة: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
وقال تعالى عن الزكاة: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103].
والصوم يربِّي النفس على الصبر وقوة الإرادة والعزيمة، ويُخلِّصها من الرياء.
والحجُّ تربية على الصبر والإخلاص والاستعلاء على شهواتِ الجسد، وإنفاق المال والوقت فيما يحبُّه الله.
وهكذا بقيَّة العبادات؛ بدوامها تزكو النفوس، وتدوم فيها معاني الإيمان.
7- معاكسةُ الأخلاق السيئة التي يُراد التخلُّص منها، فكلٌّ منا لديه بعض الأخلاق السيئة التي يريد أن يتخلَّص منها، ومعاكسة هذه الأخلاق السيئة ومضادتها طريقة مناسبة للتخلُّص منها.
جاء في الحديث: أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((امسَحْ رأسَ اليتيم، وأطعِمِ المسكين)).
وجلوس المتكبِّر مع الفقراء والمساكين علاجٌ نافع للكِبر، والقيام بأعمال حقيرة عند الناس يساعده على التخلُّص من الكبر؛ مثل: حمل الحطب، أو حمل حاجياته.
ويشبه ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضب أحدُكم وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فلْيضطجِعْ)).
8- مسلكُ التكلُّف: فيتكلَّف الإنسان الأخلاق التي يريد التخلُّق بها، كما لو أراد أن يكون حليمًا، فإنه يأتي به تكلُّفًا مرارًا؛ حتى تألفَه النفسُ وتعتاده، ويصير لها كالطبع والسجيَّة، وفي الحديث: ((إنما العلمُ بالتعلُّم، والحِلم بالتحلُّم)).
وهذا يحتاج تَكرارًا؛ حتى يؤتي ثمرته.
9- مخالطةُ المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة ومجالستُهم، والسماعُ منهم؛ لأن رؤية الصالحين ذوي الأخلاق الحسنة ومجالستَهم والسماع منهم – تؤثِّر في النفس، وتؤدِّي إلى اقتباس بعض أخلاقهم.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي)).
10- اتِّخاذ القدوة الحسنة، وخير قدوة على الإطلاق هو رسولُنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
فإذا فاتك رؤيةُ الرسول صلى الله عليه وسلم ببصرك، فلا تفوتُك رؤيته ببصيرتك، وإذا فاتتك صُحبته، فلا تفوتُك صحبة سيرتِه وشمائله وأخلاقه من خلال قراءة سيرته وأحاديثه.
وكذلك استحضر سيرة صحابتِه رضوان الله عليهم وأخلاقهم؛ فهم نتاج تربيته صلى الله عليه وسلم المباشرة.
11- تركُ البيئة الفاسدة، والفرار منها كما يفرُّ المرء من المكان الموبوء.
ولا يجوزُ للمسلم التعرُّض للبيئة الفاسدة ذات الناس الفاسدين بحُجة أنه متين الأخلاقِ، لا يخشى التأثُّر بهم؛ فهذا غرور ووهمٌ، ومثاله مثل من يتعرَّض إلى المكان الموبوء بمرض السُّلِّ ونحوه بحجة أنه قوي البِنية.
ويشهد لهذا حديثُ قاتلِ المائة نفسٍ، وكيف دلَّه العالم على تغيير البيئة؛ لتتمَّ له توبته.
12- الحرص على أي صفةٍ جميلة مهما كانت بسيطةً، وصونُها وحفظها وتنميتها، وعدم الاستهانة بأي صفة قبيحةٍ وإن كانت بسيطة قليلة الشأن، والمسلم لا يستهين بأي خُلق حسنٍ أو سيئ، فرُبَّ صفة طيبة ترفعُه درجات عالية، ورُبَّ صفة سيئة تدخله النار.
وفي الحديث: ((اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة))، والمحافظة على الصفة الواحدة والمداومة عليها تؤدي إلى رسوخها ودوامها، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
13- على المسلم أن يروِّض نفسَه على قبول نصيحةِ المتديِّن الكيس الورع الصادق؛ فإن المؤمن مرآةُ أخيه، وهو يرى منك ما لا تراه من نفسك، ولو دلَّك على عقرب تدبُّ على جسمك، لسارعتَ إلى إلقائها بعيدًا عنك، وشكرته على أن دلَّك عليها ونبهك.
والأخلاق الرذيلةُ عقارب تؤذي القلبَ والروح؛ فحقه عليك أن تشكرَه على نصحه إذا نبَّهك عليها وحذَّرك منها.
وقد كان عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين يقول: رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي.
ثلاثية تعديل الأخلاق:
وإذا ابتليت ببعض الأخلاق السيِّئة، فلا تيئس؛ لأنك تستطيع تعديلَ السلوك والأخلاق من خلال الثُلاثيَّة التالية:
1- تقليلُ آثارها، وعدم المُضيِّ في تنفيذ مقتضاها وما تدعو إليه.
ومثال ذلك: الغضبُ؛ فإن خيرَ طريقة للتخلُّص منه ألا تستجيبَ لدواعي إنفاذ غضبك، بل تتوقَّف عن الاستجابة له، وتحاول كظْمَه قدر المستطاع، وتحاول أن تصرفَه في سلوك إيجابي ينفِّسُ عن مشاعرك ولا يؤذي الآخرين.
2- التشذيبُ والتهذيبُ، وإزالة الكدورات، وتوجيهه الوجهة الحسنة.
مثال ذلك: السخاء والشجاعة لطلب مديحِ الناس والرياء، بحيث تجتهدُ في تصحيح نيتك عند الإنفاقِ، وتبتغي أفضلَ أوجه الإنفاق التي تُرضي الله أكثرَ من حرصك على إرضاء الناس، وافعل مثل ذلك في الشجاعة.
3- استبدالُ الخُلق الذميم بالخلقِ الجيِّد، وهذا ما يحدث حقيقةً لدى التائبين؛ مثال ذلك: استبدالِ الكذب بالصدق، والغدر بالوفاء، وستلاحظ ذلك بشكل جليٍّ في سلوك التائبين.
[1] للتوسع انظر: “كتاب أصول الدعوة”؛ للدكتور عبدالكريم زيدان.
الألوكة