الأدب قبل العلم
الثلاثاء 15 صفر 1438 الموافق 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
– الشيخ صلاح الدق
الحمدُ لله الكريم المنان، ذي الفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضَّل ديننا على سائر الأديان، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فيجبُ على طالب العلم أن يطلب الأدب قبل العلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الأدب:
قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: الأدب: الأخذُ بمكارم الأخلاق؛ (فتح الباري – لابن حجر العسقلاني – جـ 10 – صـ 400).
تعريف علم الأدب:
علم الأدب: هو علمُ إصلاح اللسان والخطاب، وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه، وصيانته عن الخطأ والخلل؛ (مدارج السالكين – لابن القيم – جـ 2 – صـ 368).
منزلة الأدب:
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: أدب المرء: عنوانُ سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبَوَارِه، فما استُجلِب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلِب حرمانُهما بمثل قلة الأدب؛ (مدارج السالكين – لابن القيم – جـ 2 – صـ 368).
أنواع الأدب:
الأدب نوعان:
(1) أدب طبيعي: يخلُقُ اللهُ تعالى عليه الإنسانَ.
(2) أدب يكتسبه الإنسان مِن أهل الفضل والعلم.
روى أبو داود عن زارعٍ – وكان في وفد عبدالقيس -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للمنذر الأشج: ((إن فيك خَلَّتين يحبهما الله؛ الحِلْم، والأَنَاة))، قال: يا رسول الله، أنا أتخلَّق بهما أمِ اللهُ جبَلني (خلقني) عليهما؟ قال: ((بلِ اللهُ جبَلك عليهما))، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلَّتين يحبُّهما الله ورسوله؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4353).
نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ميزانُ الأدب:
قال سفيان بن عيينة: (إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر؛ فعليه تُعرَض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهَديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 79).
قال محمد بن شهابٍ الزهري: (إن هذا العلم أدبُ الله الذي أدَّب به نبيه صلى الله عليه وسلم، وأدَّب النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته، أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أُدِّي إليه، فمن سمع علمًا فليجعله أمامه حجةً فيما بينه وبين الله عز وجل)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 78).
أقوال العلماء في طلب الأدب قبل العلم:
سوف نذكر بعضَ أقوال سلفنا الصالح في ضرورة تقديم تعلُّم الأدب قبل طلب العلم:
(1) قال سفيان الثوري: (كان الرجلُ إذا أراد أن يكتب الحديث تأدَّب وتعبَّد قبل ذلك بعشرين سنةً)؛ (حلية الأولياء – لأبي نعيم الأصبهاني – جـ 6 – صـ 361).
(2) قال ابن المبارك: قال لي مخلد بن الحسين: (نحن إلى كثيرٍ من الأدب أحوجُ منا إلى كثيرٍ مِن الحديث)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 80).
(3) قال عبدالله بن المبارك: (إذا وُصف لي رجلٌ له علم الأولين والآخرين لا أتأسف على فوت لقائه، وإذا سمعت رجلًا له أدب النفس أتمنى لقاءه وأتأسف على فوته)؛ (الآداب الشرعية – محمد بن مفلح الحنبلي – جـ 3 – صـ 552).
(4) قال عبدالله بن المبارك: (مَن تهاون بالأدب عوقب بحرمان السُّنن، ومَن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومَن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 80).
(5) قال محمدُ بن سِيرين (في وصف حال التابعين): (كانوا يتعلَّمون الهَدْي كما يتعلمون العِلم)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 79).
(6) قال مالك بن أنسٍ لفتًى من قريشٍ: (يا بنَ أخي، تعلَّمِ الأدبَ قبل أن تتعلم العلم)؛ (حلية الأولياء – لأبي نعيم الأصبهاني – جـ 6 – صـ 330).
(7) قال مالك بن أنسٍ أيضًا: (حقٌّ على مَن طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأثر مَن مضى قبله)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 156).
(8) قال مالك بن أنسٍ: (كان ابن سيرين قد مرِض وتخلَّف عن الحج، فكان يأمُرُ مَن يحج أن ينظر إلى هَدْيِ القاسم بن محمدٍ، ولبوسه، وناحيته، فيبلغونه ذلك، فيقتدي بالقاسم)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 5 صـ 57).
(9) قال ابن وهبٍ: (ما نقَلْنا مِن أدب مالكٍ أكثرُ مما تعلمنا مِن عِلمه)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 8 صـ 113).
(10) قال إسماعيلُ بنُ عليَّةَ: (كان يجتمع في مجلس أحمد نحوُ خمسة آلافٍ – أو يزيدون نحو خمسمائةٍ – يكتبون، والباقون يتعلَّمون منه حسنَ الأدب والسَّمت)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 11صـ: 316).
(11) كان أصحابُ عبدالله بن مسعود يرحلون إليه فينظرون إلى سَمْته (حسن الهيئة)، وهَدْيِه (السكينة والوقار)، فيتشبَّهون به؛ (غريب الحديث – للقاسم بن سلام – جـ 1 – صـ 384).
(12) قال عباس العنبري: (كانوا يكتبون قيام عليِّ بن المديني (شيخ البخاري) وقعوده ولباسه، وكل شيء يقول ويفعل، أو نحو هذا)؛ (تاريخ بغداد – للخطيب البغدادي – جـ 13 – صـ 421).
(13) قال الحسَن البَصري: (كان الرجُلُ ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين)؛ (فصل الخطاب في الزهد – محمد عويضة – جـ 9 – صـ 284).
(14) قال إبراهيمُ النَّخَعي: (كانوا إذا أتَوُا الرجلَ ليأخذوا عنه نظروا إلى سَمْته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخُذونَ عنه)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 28).
(15) قال إبراهيمُ النَّخَعي: (كنا إذا أردنا أن نأخذ عن شيخٍ سألناه عن مطعَمه ومشرَبه، ومدخله ومخرجه، فإن كان على استواء أخذنا عنه، وإلا لم نأتِه)؛ (الكامل في ضعفاء الرجال – للجرجاني – جـ 1 – صـ 2 60).
(16) قال الخطيبُ البَغدادي: (الواجب أن يكون طلبةُ الحديث أكملَ الناس أدبًا، وأشدَّ الخَلْق تواضعًا، وأعظمهم نزاهةً وتديُّنًا، وأقلهم طيشًا وغضبًا؛ لدوام قرعِ أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدِّثين، ومآثِر الماضين، فيأخذوا بأجملها وأحسنها، ويصدِفوا (يبتعدوا) عن أرذَلِها وأدونها)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 78).
(14) قال بعضُ الحكماء: (الأدبُ في العمل علامةُ قَبول العمل)؛ (مدارج السالكين – لابن القيم – جـ 2 – صـ 360).
صورٌ مِن أدب العلماء:
(1) قال طاوس بن كيسان: (مِن السنَّة أن يوقر العالم)؛ (جامع بيان العلم – لابن عبدالبر – جـ 1 – صـ 519).
(2) قال الحسَن البصري: (رُئِي ابن عباسٍ يأخذ بركاب أُبيِّ بن كعبٍ، فقيل له: أنت ابن عم رسول الله تأخذ بركاب رجلٍ من الأنصار؟ فقال: إنه ينبغي للحَبْر أن يُعظَّمَ ويُشرَّف)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 108).
(3) قال عامرٌ الشَّعبي: (أمسك ابن عباسٍ بركاب زيد بن ثابتٍ، فقال: أتُمسِك لي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنَّا هكذا نصنَع بالعلماء)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 108).
(4) قال عبدالله بن عباس: (زيدُ بن ثابت مِن الرَّاسخين في العلم)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 2 – صـ 437).
(5) قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: (كان يحيى بن سعيدٍ يجالس ربيعةَ بن أبي عبدالرحمن التيمي، فإذا غاب ربيعة، حدَّثهم يحيى أحسَنَ الحديث – وكان كثير الحديث – فإذا حضر ربيعة كفَّ يحيى؛ إجلالًا لربيعة، وليس ربيعةُ أسنَّ منه، وهو فيما هو فيه، وكان كل واحدٍ منهما مبجِّلًا لصاحبه)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 6 – صـ: 92).
(6) قال عبيدالله بن عمر: (كان يحيى بن سعيدٍ يحدثنا فيسح علينا مثل اللؤلؤ، فإذا طلع ربيعة الرأي قطع يحيى حديثه؛ إجلالًا لربيعة وإعظامًا له)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 320).
(7) قال محمد بن رافعٍ: كنتُ مع أحمدَ وإسحاق عند عبدالرزاق، فجاءنا يوم الفِطر، فخرجنا مع عبدالرزاق إلى المصلى، ومعنا ناسٌ كثير، فلما رجعنا، دعانا عبدالرزاق إلى الغداء، ثم قال لأحمد وإسحاق: رأيتُ اليوم منكما عجبًا، لم تكبِّرَا! فقال أحمد وإسحاق: يا أبا بكرٍ، كنا ننتظر هل تكبِّر، فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر، أمسكنا، قال: وأنا كنتُ أنظر إليكما، هل تكبِّران فأكبر)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 9 – صـ 566).
(8) قال الثوريُّ: عن أبيه، سمع أبا وائلٍ سُئل: أنت أكبر أو الربيع بن خثيمٍ؟ قال: أنا أكبر منه سنًّا، وهو أكبَرُ مني عقلًا)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 4 – صـ: 163).
(9) قال شعبةُ بن الحَجَّاج: (حدَّثني سيِّد الفقهاء أيُّوب السَّختياني)؛ (الجامع لأخلاق الراوي – للخطيب البغدادي – جـ 2 – صـ 86).
(10) قال حاشدُ بن إسماعيل: (كنتُ بالبصرة، فسمعت قدومَ محمد بن إسماعيل، فلما قدِم قال بندار: اليوم دخل سيدُ الفقهاء)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 12 – صـ 422).
(11) جاء مسلمُ بن الحَجَّاج إلى البخاري فقال: (دَعْني أقبِّلْ رِجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي – جـ 12 صـ 432).
(12) لما دخَل عز الدين بن عبدالسلام مصر بالغ الشيخ زكي الدين المنذري في الأدب معه، وامتنع من الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعد حضوره فمنصبُ الفتيا متعيِّن فيه؛ (حسن المحاضرة – للسيوطي جـ 1 – صـ: 315).
مصاحَبة العلماء:
ملازمة العلماء مدةً طويلة من أفضل الوسائل لطلب الأدب والعلم:
(1) روى الشيخانِ عن الأعرج، قال: سمعتُ أبا هريرة يقولُ: (إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللهُ الموعد، كنتُ رجلًا مسكينًا، أخدُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مِلْءِ بطني، وكان المهاجرون يَشغَلهم الصَّفْقُ بالأسواق، وكانت الأنصار يَشغَلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يبسط ثوبه، فلن ينسى شيئًا سمعه مني))، فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممتُه إليَّ، فما نسيت شيئًا سمعته منه)؛ (البخاري – حديث: 7354/ مسلم حديث: 2492).
قوله: (والله الموعد) معناه: فيحاسبني إن تعمدتُ كذبًا، ويحاسب مَن ظن بي السوء.
قوله: (على ملء بطني)؛ أي: ألازمه وأقنع بقوتي، ولا أجمع مالًا لذخيرةٍ ولا غيرها، ولا أَزيد على قُوتي.
قوله: (الصَّفْق بالأسواق)؛ أي: البيع والشراء بالأسواق؛ (مسلم شرح النووي – جـ 16 – صـ 53).
(2) قال أبو حنيفةَ: (صحِبْتُ حماد بن أبي سليمان ثمانيَ عَشْرةَ سنة)؛ (تاريخ بغداد – للخطيب البغدادي – جـ 15 – صـ 444).
قال أبو حنيفة: (ما صليتُ صلاة منذ مات حماد إلا استغفرتُ له مع والديَّ، وإني لأستغفرُ لمَن تعلَّمت منه علمًا، أو علَّمته علمًا)؛ (تاريخ بغداد – للخطيب البغدادي – جـ 15 – صـ 444).
(3) قال مالكُ بن أنسٍ: (كان الرجلُ يختلَّف (يتردد) إلى الرجل ثلاثين سنةً يتعلَّم منه)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 – صـ: 108).
(4) قال مالكُ بن أنسٍ: (جالس نُعَيم المُجِمر أبا هريرةَ عشرين سنةً)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 – صـ: 107).
(5) قال ثابتٌ البُناني: (صحِبْتُ أنس بن مالكٍ أربعين سنةً، ما رأيتُ أعبَدَ منه)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 5 – صـ: 222).
(6) قال نافعُ بن عبدالله: (جالستُ مالكًا أربعين سنةً، أو خمسًا وثلاثين سنةً، كل يومٍ أبكِّر وأهجِّر وأروح)؛ (حلية الأولياء – لأبي نعيم الأصبهاني – جـ 6 – صـ 320).
(6) قال ابن حِبان: (كان حامدُ بن يحيى البَلْخي ممَّن أفنى عمره بمجالسة سفيان بن عيينة)؛ (الثقات – لابن حبان – جـ 8 – صـ 218).
بركاتُ مصاحَبة العلماء:
قال عبدالله بن أبي موسى التستري: (قيل لي: حيثما كنت، فكُنْ قُربَ فقيه، فأتيتُ بيروت إلى الأوزاعي، فبينما أنا عنده إذ سألني عن أمري فأخبرته، فقال لي: ألك أبٌ؟ قلت: نعم، تركتُه بالعراق مجوسيًّا، قال: فهل لك أن ترجعَ إليه؛ لعل اللهَ أن يهديَه على يديك؟! قلتُ: ترى لي ذلك؟ قال: نَعم، فأتيت أبي فوجدته مريضًا، فقال لي: يا بني، أيُّ شيء أنت عليه؟ فأخبرتُه أني أسلمتُ، فقال لي: اعرِضْ عليَّ دِينك؟ فأخبرتُه بالإسلام وأهله، قال: فإني أشهد أني قد أسلمت، فمات في مرضه ذلك، فدفنتُه ورجعت إلى الأوزاعي فأخبرته؛ (تاريخ دمشق – لابن عساكر – جـ 33 – صـ 231).
التحذيرُ مِن الطعن في العلماء:
روى البخاريُّ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه (أعلمتُه) بالحرب))؛ (البخاري حديث: 6502).
قوله: (مَن عادى لي وليًّا) المراد بولي الله: هو العالمُ بالله، المواظبُ على طاعته، المُخلِص في عبادته.
قوله: (عادى لي وليًّا)؛ أي: اتَّخَذه عدوًّا؛ (فتح الباري – لابن حجر العسقلاني – جـ 11صـ 343).
روى البخاريُّ عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يرحَمْ صغيرَنا، ويعرف حقَّ كبيرِنا، فليس منا))؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني – صـ 142).
العلماء العاملون هم ورثةُ الأنبياء، وصفوةُ الأولياء:
- قال الإمامُ الشافعي: (إن لم يكُنِ الفقهاءُ العاملون أولياءَ الله، فليس لله ولي)؛ (سير أعلام النبلاء – للذهبي – جـ 10 – صـ 53).
- قال ابنُ المبارَك: (مَن استخَفَّ بالعلماء، ذهبَتْ آخرتُه)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي – جـ 8 صـ 408).
- قال أبو جعفرٍ الطحاوي: علماءُ السلَف مِن السابقين، ومَن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومَن ذكَرهم بسُوءٍ فهو على غيرِ السبيل)؛ (شرح العقيدة الطحاوية – جـ 1 – صـ 503).
- قال الحافظُ الإمام ابن عساكر -: اعلَمْ يا أخي وفقك الله وإيانا، وهداك سبيل الخير وهدانا: أن لحومَ العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقِصِهم معلومة؛ لأن الوقيعةَ فيهم بما هم منه بَراءٌ أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على مَن اختاره الله منهم لنعش العلم خُلُق ذميم))؛ (تبيين كذب المفتري – لابن عساكر – صـ 29).
- وقال أيضًا: كلُّ مَن أطلق لسانَه في العلماء بالثَّلْب (الطَّعْن)، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب؛ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]؛ (تبيين كذب المفتري – لابن عساكر – صـ 425).
آثارُ الطَّعْن في العلماء:
يمكِن أن نوجزَ آثارَ وخطورة الطعن في العلماء في الأمور التالية:
(1) الطَّعْن في العالم سببٌ في ردِّ ما يقولُه مِن الحق:
إن جرحَ العالم ليس جرحًا شخصيًّا، كأي جرح في رجل عامي، ولكنه جرح بليغ الأثر، يتعدَّى الحدود الشخصية إلى ردِّ ما يحمله العالم من الحق؛ ولذلك استغَلَّ المشركون مِن قُرَيش هذا الأمر، فلم يطعنوا في الإسلام أولًا، بل طعَنوا في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعلمون – يقينًا – أنهم إن استطاعوا أن يشوِّهوا صورة الرسول صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس، فلن يقبَلوا ما يقوله من الحق، قالوا: إنه ساحر، كاهن، مجنون، ولكنهم فشِلوا – ولله الحمدُ – في ذلك.
(2) الطَّعن في العالم يعتبر طعنًا في العِلم الذي معه:
العِلم الذي يحمله العالم هو ميراثُ النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ العلماءُ ورثةُ الأنبياء؛ فجرح العالم جرح للنبي عليه الصلاة والسلام؛ قال ابن عباسٍ: (مَن آذى فقيهًا فقد آذى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ومَن آذى رسولَ الله فقد آذى اللهَ عز وجل)؛ (الفقيه والمتفقه – للخطيب البغدادي – جـ 1 – صـ 143).
وعلى ذلك فمَن يطعن في العلماء، فهو يطعن في الإسلام من حيث لا يشعُرُ.
(3) الطَّعن في العلماء يؤدي إلى ابتعاد طلاب العلم عن علماء الأمة:
وحينئذ يسير الطلابُ في طريقهم بدون مرشدين، فيتعرَّضون للأخطار والأخطاء، ويقعون في الشَّطط والزَّلل.
(4) الطعن في العلماء تقليلٌ لهم في نظر عامة الناس:
وهذا يؤدي إلى ذهاب هَيبتهم، وقيمتهم في صدورهم؛ (لحوم العلماء مسمومة – ناصر العمر – صـ 11: 10).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ، سيد الأوَّلين والآخرين، وعلى إخوانه مِن النبيِّين والمرسَلين، وعلى مَن اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدِّين.
المصدر: السوسنة