الاعتكاف وقيام رمضان
الأحد 21 رمضان 1437/ 26 يونيو/ حزيران 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، وفي الشرع: هو المقام في المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة، قال الله تعالى: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾[البقرة: 125]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾[البقرة: 187] الآية.
عنْ أَبي هُريرة – رضي الله عنه – أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قامَ رمضان إيماناً واحْتسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدّمَ مِن ذَنْبِهِ» مُتّفقٌ عَلَيهِ.
الحديث دليل على فضيلة قيام رمضان، ويستحب الاجتماع لذلك لأنه أنشط لكثير من المصلين، قال ابن بطال: قيام رمضان سنة لأن عمر إنما أخذه من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني الاجتماع له، خشية الافتراض.
وعَنْ عائشةَ – رضي الله عنها – قالت: «كانَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشرُ: أَي الْعَشرُ الأَخِيْرَةُ منْ رمضان، شدَّ مِئزَرَهُ وَأَحْيا لَيْلهُ وَأَيْقظَ أَهْلَهُ» متّفقٌ عليه.
الحديث دليل على اختصاص العشر الأواخر بالاجتهاد فيها لطلب ليلة القدر ولقرب خروج الوقت، والأعمال بالخواتيم.
وعنها – رضي الله عنها – «أنَّ النّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكفُ العشر الأواخرَ من رمضان حتى توفَّاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، ثمَّ اعتكف أَزْواجُهُ من بَعْدهِ» متفقٌ عليه.
الحديث دليل على مشروعية الاعتكاف للرجال والنساء واستحبابه في العشر الأواخر، والمقصود منه جمع القلب بالخلوة عن الناس والإقبال على الله تعالى والتنعم بذكره وعبادته.
وعنها – رضي الله عنها – قالتْ: «كان النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا أَراد أَنْ يَعْتكِفَ صلى الْفجْر ثمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» مُتّفقٌ عَلَيه.
الحديث دليل على استحباب دخول المعتكف معتكفه بعد صلاة الفجر.
وعنها – رضي الله عنها – قالتْ: «إن كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لَيُدْخلُ عليَّ رأسَهُ وهُو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل الْبيتَ إلا لحاجةٍ إذا كان مُعْتكفاً» متفقٌ عليه واللفظ للبُخاريِّ.
الحديث دليل على أن خروج بعض بدن المعتكف لا يضر، وأنه يشرع له التنظف والتزين، وأنه لا يخرج من المسجد إلا للأمر الضروري.
وعنْها – رضي الله عنها – قالت: «السُّنّةُ على المُعتكف أنّ لا يعودَ مريضاً، ولا يشْهدَ جنازةً، ولا يمسَّ امرأةً ولا يُبَاشِرَهَا، ولا يخْرُجَ لحاجَةٍ إلا لَما لا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتِكافَ إلا في مَسْجدٍ جامعٍ» رواهُ أَبوداودَ ولا بأس برجاله إلا أنَّ الرَّاجحَ وقفُ آخرهِ.
فيه بيان آداب الاعتكاف وما لا يجوز للمعتكف، (قوله: ولا اعتكاف إلا بصوم) وبه قال مالك وأبو حنيفة ورواية عن أحمد، (قوله: ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) أي الذي تقام فيه الجماعة، ويستحب في الذي تقام فيه الجمعة.
وعن ابن عبّاس – رضي الله عنهما – أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المعتكِفِ صيامٌ إلا أَنّ يجعلَهُ على نفسِهِ» رواه الدارقطنيُّ والحاكم والراجح وقفه.
فيه دليل على أن الاعتكاف يصح بغير صوم إلا أن ينذره، ويؤيده حديث عمر، أنه قال: «يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أوف بنذرك» رواه البخاري.
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنَّ رجالاً من أصحاب النّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُرُوا ليْلة الْقدرِ في المنام في السّبع الأواخر، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَرَى رُؤياكُمْ قدْ تواطأَتْ في السبّع الأواخِر فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحَرَّهَا في السّبْع الأواخرِ» مُتّفقٌ عليه.
(وقوله: أرى) بفتح الهمزة أي أعلم قاله الحافظ، وتواطأت توافقت، وفي رواية: (أن ناساً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن ناساً أروا أنها في العشر الأواخر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: التمسوها في السبع الأواخر)، قال الحافظ: وفي الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا تخالف القواعد الشرعية.
وَعَنْ مُعاوية بن أَبي سُفيان – رضي الله عنهما – عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ في ليلةِ القَدْر: «ليْلةُ سبْعٍ وعشرين» رَوَاهُ أَبو داود والرَّاجحُ وَقْفُهُ، وقد اختلف في تعيينها على أَرْبعينَ قوْلاً أَوْرَدْتُها في «فتح الباري». أرجح الأقوال أنها في أوتار العشر الأواخر، وأرجاها ليلة إحدى وعشرين وليلة سبع وعشرين.
وعَنْ عائشةَ – رضي الله عنها – قالتْ: قلْتُ: يا رسولَ اللهِ أَرأَيتَ إنْ علِمْتُ أيُّ ليْلةٍ لَيْلَةَ القَدْر ما أَقولُ فيها؟ قال: «قُولي: اللهمَّ إنّك عفُوُّ تُحبُّ الْعَفْو فاعْف عَنِّي» رواه الخمسة غير أبي داود وصحَّحَهُ الترمذيُّ والحاكم.
قال الطبري: لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه، وقال ابن المنير: لا نعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق بل فضل الله واسع، وربّ قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق، وآخر رأى الخارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل، والعبرة إنما هي بالاستقامة فإنها تستحيل أن تكون إلا كرامة، بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة والله أعلم انتهى. وفي الحديث استحباب الإكثار من هذا الدعاء في كل وقت سيما في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، قال العلماء: والحكمة في إخفائها ليحصل الاجتهاد في التماسها.
وعَنْ أَبي سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه – قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مَسَاجدَ: المسْجدِ الْحرامِ ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» متفقٌ عليه.
قال الحافظ: قوله لا تشد الرحال، بضم أوله بلفظ النفي، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع انتهى. والحديث دليل على فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وأنه لا يجوز السفر إلى غيرها لقصد التقرب والتبرك كزيارة قبور الصالحين والمواضع الفاضلة، وقد حصل بسبب ذلك ما لا يخفى من الشرك والبدع، والله المستعان.
- الألوكة